الأربعاء 08/مايو/2024

بؤر التضليل الإعلامي .. موازنات هائلة وأداء باعث على الغثيان

بؤر التضليل الإعلامي .. موازنات هائلة وأداء باعث على الغثيان

موازنة ضخمة بمئات آلاف الدولارات، ليست الإدارة الأمريكية عنها ببعيدة، يخصصها فريق سلام فياض لأغراض الدعاية وتلفيق الأخبار الكاذبة وإدارة ما يسمى “الحرب الإعلامية” ضد “حماس”.

أما الناتج فلا يعدو أن يكون روايات منسوجة بعناية واختلاقات صحفية تتزاحم فيها التفاصيل المفبركة، وهبوط قياسي في المستوى العام لاهتمامات أدوات الدعاية التي تعتمد على هذه الحصيلة المثيرة للغثيان.

مطابخ التضليل

حسب ما يرشح؛ فإنّ هذه الموازنات المخصصة للتضليل الإعلامي تتضمّن مكافآت لصحفيين وكتاب ومكاتب إعلامية، مقابل ما يتم كتابته ضد “حماس” والمقاومة، وأنّ الأمر يأخذ طابع المنافسة بين الراغبين في الاستفادة من أعطيات مالية مستترة، كي يستلّوا أقلامهم ويكتبوا ما يُراد أن يُكتب.

وعلى السطح تبدو حصيلة هذا الفيض من القصص التي خرجت بها خيالات خصبة للجالسين في مكاتب صحفية أو أركان مكتبية غالباً ما تكون وثيقة الصلة بأجهزة أمنية بعينها أو بنافذين من تيار بعينه في حركة فتح، بينما تقود بعض الخيوط إلى مقر المقاطعة ذاته في رام الله.

ولاحظ مراقبون أنّ ما ينشره أحد مواقع التضليل، وهي كثيرة ومتزايدة، سرعان ما تتلقفه المواقع الأخرى، بينما لا تتردّد القناة التلفزيونية المدارة من جانب “فتح”،التي يطلق عليها “تلفزيون فلسطين”، في الترويج لما يأتيها من ذوي الخيالات الخصبة. فالأمر يتعلق بنسخ متعددة من الأكذوبة الواحدة، بما يُراد منه أحياناً إبراز القصة الوهمية على أنها حقيقية بالفعل، فما يأتي في موقع تحريضي من قبيل “فلسطين برس” مثلاً، الذي يُنظر إليه باعتباره تابعاً لجهاز “الأمن الوقائي”؛ يمكن العثور عليه في مواقع أخرى عديدة، بغض النظر عن المصدر.

ويمنح ذلك الأداء الانطباع بأنّ الأمر يتعلق بـ”مطبخ إعلامي” يجمع مجموعة من الجالسين خلف مكاتبهم خصيصاً كي يحيكوا القصص المثيرة التي ينبغي أن تكون كالعادة مرتبطة بأسماء ومواقع ويتم إيرادها ملتبسة بوقائع معروفة أحياناً كي يسهل تسويق الأوهام وترويجها.

انطباعات الجمهور

إلاّ أنّ السؤال يبقى متعلقاً بتأثير ذلك الضخ وكيفية استقبال الجمهور الفلسطيني له. وفي هذا الصدد يبدي الطالب الجامعي حسين أحمد، استغرابه من هذا النهج، إذ “كيف يصل حد الغباء بالإعلام الذي يحركه التيار الإنقلابي في فتح إلى هذا الحد من الاستخفاف بالجمهور الفلسطيني؟!”.

وتساءل أحمد “إلى من يوجِّهون هذه الرسائل مفضوحة الكذب، إذا كانت للجمهور الداخلي الفلسطيني فهو يعيش الواقع ويرى عكس ما تنشره هذه الوسائل عن الواقع السوداوي في غزة، وإذا كان هدفهم الجمهور الخارجي فالعالم أصبح قرية صغيرة وما يجري في أي مكان في العالم يتم معرفته بشكل خلال دقائق، فما بالنا في قطاع غزة الذي استقطب بعد عملية الحسم وما حققته من أمن وأمان مئات الصحفيين من كافة وسائل الإعلام في العالم”.

أما حمادة عبد العال، فيرى أنه “من الطبيعي أن تتنافس وسائل إعلام فتح وصحفيوها على نشر الأكاذيب وتأليف الروايات، طالما أنّ الثمن الذي سيقبضونه سيزيد بمقدار حبكة الرواية وإمكانية تسويقها”، لافتاً الانتباه إلى رسالة تم تسريبها من مدير موقع يحمل اسم “الكوفية برس” إلى جمال نزال أحد الناطقين باسم باسم “فتح”، يطلب فيه تخصيص موازنه له ولموقعه لأنه تخصّص في مهاجمة “حماس” وقيادتها.

صرف الأنظار عن الاحتلال

ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، رئيس تحرير صحيفة “فلسطين” اليومية، أنّ تكثيف نشر الإشاعات في الأيام الأخيرة “ما هو إلا محاولة لحرف أنظار المواطنين عن الاهتمام بالتفكير في كيفية مواجهة المعركة القادمة مع الاحتلال الإسرائيلي”.

وقال الصواف إنّ “هذه السياسة الجديدة (نشر الأخبار الملفقة) التي تُتّبع الآن جُرِّبت قبل هذا الوقت وكانت نتائجها عكسية، وهي اليوم تُجرّب والنتيجة أيضاًَ ستكون عكسية، لأنّ قطاع غزة منطقة محدودة وما يحدث في بعض بيوتها يصبح معروفاً في القطاع كله، فعندما نقول إنّ اشتباكات بين أنصار هذا القائد مع أنصار ذاك القائد وينظر الناس في منطقتهم ولا يشاهدون ما تتحدث به هذه الوسائل؛ يضحكون كثيراً على ضحالة التفكير لدى من يتولّى هذه الحملة”، وفق توضيحه.

وأضاف الصواف قوله “هذه الحملة المسعورة من الإشاعات استُقبلت هنا في قطاع غزة بسخرية كبيرة من منظميها”، مورداً شواهد على تندر الجمهور الفلسطيني بروايات التضليل تلك، وذلك “لأنّ المواطن في غزة والشاطئ يعلم ما يدور في دير البلح وخانيونس ورفح وبيت حانون، فإن لم يشاهد بأم عينه، سرعان ما يتصل من أقصى الشمال حتى الجنوب لمعرفة الأمر والوقوف على حقيقته”.

ويشير مصطفى الصواف أنّ المشكلة بشأن تلك الجهات الإعلامية أنها تعيد الأخطاء نفسها التي وقعت فيها، ويضيف “نصحنا كثيراً أنّ مثل هذه الأساليب أول ما تصيب تصيب صاحبها الذي فقد المصداقية، وهو يريد الآن أن يؤكد مرة أخرى أنه فاقد للمصداقية ولم يستفد من ماضيه وتجاربه التي أوصلته إلى ما وصل إليه”.

روايات تقع في “شرّ أعمالها”

ويرى مختصون أنّ وسائل إعلام “فتح” تحاول ممارسة “الحرب الإعلامية” والاستهداف بالإشاعات، ولكنها تقع دائماً “في شر أعمالها”، بنشرها أخباراً لا أساس لها من الصحة كان يسهل دائماً دحضها من قبل الطرف الآخر وهو هنا حركة “حماس”.

ويوضح الصواف أنّ الإشاعة تتعلق بمسألة علمية “لها قواعد وأصول، إن لم يكن من يقودها على علم بها ستكون وبالاً عليه، وستكون مكشوفة، إضافة إلى أنّ الناظر إليها يرى فيها أمراً آخر أخطر من كونها إشاعة، فهي يُراد منها إرباك الخصم وشغله في نفسه وإحداث حالة من الفوضى في صفوفه”، حسب قوله.

ولكن الصواف يلفت الانتباه بالمقابل إلى وجود تخوفات من أن تُستغل هذه الشائعات والأكاذيب التي يروج لها هذا الفريق من البعض في التخطيط للقيام بأعمال تمس بالأمن الخاص والعام ما يترتب عليه من ردات فعل قوية.

البلبلة والتيه .. وفقدان البوصلة

ويرى مراقبون آخرون أنّ نشر هذه الأخبار الكاذبة يستهدف ضمن ما يستهدف بث روح الهمة في صفوف ذيول تيار بعينه في قطاع غزة، لدفعهم للتحرك وإثارة الفوضى والبلبلة في الشارع الفلسطيني.

ويقول “أبو حسين”، أحد أعضاء حركة فتح “في البداية كنت أعتقد أنّ ما تنشره الفضائية (المسماة فلسطين) ومواقع فتح صحيح، وكنت أذهب لأحاجج الناس به في إطار كشف ما تقوم به حماس من ممارسات، ولكنني في كل مرة كنت أطلع كاذباً ويأتي أطفال صغار ليفندوا ما أقول بسهولة، الأمر الذي دفعني للتوقف عن ذلك”.

وأضاف “أبو حسين” قائلاً إنّ “ما تنشره هذه الوسائل يشعرنا بالإحباط واليأس، بأنّ حركتنا وقادتنا لم يستفيدوا من تجربة الفترة الماضية، واستخدموا الوسائل القديمة نفسها التي أوصلتنا لهذه المرحلة التي فقدنا فيها البوصلة”.

فقدان البوصلة ليس تعبيراً عبثياً؛ فإعلام التضليل يريد اختطاف الأنظار إلى سهامه المسدّدة إلى هذا الهدف أو ذاك، أما الاحتلال الصهيوني فهو معفى من التناول، طالما أنّ الحرب هي على “حماس” والمقاومة. هذه “الحرب” على الجبهة الخاطئة تقتضي أن يخرج كل موقع من مواقع التضليل بعناوين جاهزة كل صباح، تكون “حماس” حاضرة فيها جميعاً بصورة مباشرة أو ضمنية. ولن تكون تلك بالمهمة الصعبة طالما توفّر خيال خصب وتوفّر من يدفع له بنهاية الشهر أو الأسبوع، أو حتى بـ”القطعة”.

وفي مرات عدة؛ تحوّلت الأخبار الملفقة والكاذبة التي تنشرها وسائل إعلام “فتح” إلى نكات يتبادلها الفلسطينيون في قطاع غزة، على سبيل التندر والسخرية من الحال الذي وصلت إليه منابر الاختلاق المكشوف من تأليف الروايات بصورة ممجوجة، أما العمر الافتراضي لقصة التضليل الواحدة فيشي به المثل الفلسطيني “حبل الكذب قصير”، فمفعولها سرعان ما يتبدّد على صخرة الواقع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات