فلسطينيون عالقون بين القطاع والضفة .. والاحتلال يمزق أوصال أسرهم

كما لا يمكن للإنسان أن يسبق عامل الزمن؛ فإنه لا يستطيع كذلك أن يؤخر عقارب الساعة إلى الوراء لتحتفظ بأكبر قدر من الوقت، خاصة عندما تمرّ الأيام ويبدأ العد التنازلي استعداداً لحفلة زفاف ابنة المواطن الفلسطيني مأمون.

فقد كان المواطن المكنى “أبو رياض” يخشى أن يأتي يوم العاشر من آب (أغسطس)، وهو لا يستطيع أن يهنئ ابنته وهي ترتدي ثوب الزفاف الأبيض، أو حتى يعيش أجواء الحفل العائلي في الخليل، فكل يوم يمضي يزيد شوقه وقلقه بالوقت ذاته، خاصة أنّ أمره مرهون بتصريح زيارة يسمح له الاحتلال من خلاله بأن يجتاز الأراضي الفلسطينية من قطاع غزة ليصل إلى مسقط رأسه في الخليل.

حفل الزفاف

ويقول “أبو رياض” وقد ارتسمت في عينيه صورة ابنته في ثوب الزفاف “لقد انتظرت كثيراً لكي يأتي هذا اليوم وأرى ابنتي عروساً وهي ترتدي فستانها الأبيض وبيدها ورود الفل والياسمين برائحتها الزكية، وهي تقف مبتسمة بجوار عريسها”.

حديث الوالد الذي باعده الاحتلال عن ابنته الكبرى يبدأ بالاختناق بشيء من الحزن والقلق على أمنيته بأن يرى ابنته عروساً، وهي أولى بناته وأبنائه التي ستتزوج، لكنّ أمله بالله تعالى بأن يحضر حفل الزفاف جعلت ابتسامته تعود من جديد ليكمل حديثه بصوت متحشرج.

وأوضح “أبو رياض” أنه منذ ما يقارب السنة الكاملة لم يستطع الذهاب مع عائلته إلى الخليل بسبب صعوبة الحصول على تصريح للوصول إلى هناك، وأضاف قوله “في عام 1995 كنت في الخليل ونتيجة ارتباطي بعمل في غزة جعلني ذلك كثير التنقل بين غزة والخليل، وبسبب صعوبة التنقل بعد ذلك أصبحت بين أمرين؛ أن أعود للخليل، أو أن تأتي زوجتي وأولادي إلى غزة، وكان الأمر الثاني هو ما حدث”.

وتابع الأب الفلسطيني حديثه “من عام 2000 وحتى عام 2004 لم استطع الحصول على تصريح (للعبور) إلى الخليل رغم أنّ هويتي تابعة للخليل، لكن بعد ذلك حصلت على تصريح لمدة يوم واحد فقط وكانت حالة استثنائية عن طريق جمعية لحقوق الإنسان، لأنّ والدتي كانت مريضة جداً، فمكثت بالخليل عشرين يوماً، وعند عودتي لغزة حصلت على تصريح بصعوبة بالغة”.

الوفاة والتشييع .. والانقطاع

وأشار “أبو رياض” خلال شرحه إلى أنه بعد ست شهور توفيت والدته ولم يستطع الحصول على تصريح للذهاب إلى الخليل لهذا الغرض، ما جعل الحزن يعتصره ألماً، فقد اجتمع أمران عسيران أمامه؛ وفاة والدته، وعدم قدرته على المشاركة في تشييعها.

وذكر “أبو رياض” أنه قبل ما يقارب ثلاثة أسابيع حصل على تصريح للذهاب إلى الخليل؛ لكنه فوجئ عند الذهاب إلى معبر بيت حانون بأنّ التصريح لا يشمل أطفاله الخمسة، ففكّر بأن يغادر قطاع غزة وتعود زوجته بالأطفال، أو تذهب زوجته وهو يعود بالأطفال، إلاّ أنه فوجئ بعد ذلك بأنه لن يُسمح لأحد منهم بالمرور.

ما حدث مع “أبي رياض” لم يجعله يتخلى عن المساعي، بل عاود المحاولة من جديد باستخدامه كافة الأمور التي قد تساعده ويسمح له بحضور حفل زفاف ابنته، إلاّ أنه لا يزال ينتظر الجواب ويأمل بأن يكون بالموافقة، ولو في اللحظة الأخيرة.

حفل بغزة وارتهان فيها

ولكنّ “أبا رياض” ليس وحده من يحمل هوية تابعة لإحدى مدن الضفة ويقطن قطاع غزة، فـ”أم باسل” الهندي من رام الله، هي حالة أخرى من عديد الحالات.

فالأم لتسعة من الأبناء والبنات حضرت إلى قطاع غزة قبل ثلاثة شهور مع ابنتها العروس، لتوصلها إلى عريسها وتحضر حفل الزفاف، وبعد أن انتهى حفل الزفاف أرادت مغادرة القطاع لتعود من حيث أتت، إلاّ أنّ الرياح لم تأتِ بما تشتهي السفن، خاصة وأنّ معبر رفح لا زال مغلقاً، وقد جاءت عبر رحلة من رام الله عبر الأردن إلى مصر لتصل إلى قطاع غزة، وكان المقرّر أن تكون العودة عبر الطريق ذاتها.

بدوره؛ فإنّ جميل زقوت، منسق وحدة البحث الميداني بمركز الميزان لحقوق الإنسان، يوضح أنّ المركز منذ شهرين سعى للتدخل لصالح حالات من أبناء الضفة الغربية متواجدين في قطاع غزة بغرض تمكينهم من العودة مجدداً إلى بيوتهم.

وتابع زقوت قائلاً “لقد نجح المركز (مركز الميزان) بهذا الأمر، لكنّ الحالات لازالت فردية، ونسعى للعمل على الموضوع بشكل أشمل”، مؤكداً أنّ حق العودة لكل فلسطيني إلى بيته من أبسط حقوقه كإنسان.