عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الأسرى حطموا المستحيل وحوَّلوا سجون الاحتلال إلى جامعات ومعاهد

الأسرى حطموا المستحيل وحوَّلوا سجون الاحتلال إلى جامعات ومعاهد

المحنة قد تتحوّل إلى منحة، والسجن قد يتحوّل إلى خلوة للرقي بالذات واستنهاضها وشحذ قدراتها. هذا هو الانطباع الذي يمنحه الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال الصهيوني، وقد تمكّنوا من تحويل الزنازين إلى فصول جامعية وغرف معاهد عليا، بل وانتزعوا الشهادات الأكاديمية في أداء متميِّز.

هذه الحالة الباهرة؛ ترصدها دارسة جديدة للباحث الفلسطيني عبد الناصر فروانة، تحمل عنوان “جزء من الوجه المشرق للحركة الأسيرة – المعتقلون حطّموا المستحيل وحوَّلوا السجون إلى جامعات”.

وقال معدّ الدراسة، وهو أسير سابق وباحث متخصص بقضايا الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى الفلسطينية، “رغم ما تعرّض ويتعرض له الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني من قهر وتعذيب ومعاملة لا إنسانية وظروف حياتية ومعيشية لا تليق بالحياة الآدمية؛ إلاّ أنهم تأقلموا مع هذا الوضع الاستثنائي الخطير”.

ولفت الباحث في الدراسة التي حصل “المركز الفلسطيني للإعلام” على نسخة منها، الانتباه إلى أنّ “الأسرى عرفوا مسبقاً طبيعة الاحتلال، وأدركوا أنّ الحقوق لا تُوهَب بل تُنتزع، وأنّ التاريخ لا ولم يُكتب إلاَّ بالدم، والانتصار لا يتأتي إلاّ بتضحيات جسام”.

ومضى فروانة يقول “من أوجه تلك التجارب تحويل السجون والمعتقلات إلى قلاع ثورية ومدارس فكرية وجامعات خرجَّت أجيال وأجيال، فخرَّجت القائد الفذ والمناضل العنيد، الكاتب الرائع والشاعر المبدع، فحركة التعلم والتثقيف لم تتوقف، لكنها مرت بمراحل”.

واسترسل الباحث في الحديث “في البداية كان من الصعب إيجاد أوراق وأقلام، ووصل الأمر إلى استخدام ورق السجائر وأوراق الكارتون أو أي مادة ورقية للكتابة، كما أن الأقلام كانت ممنوعة ولكنها تُهرّب إلى داخل السجون، حتى أن القلم الواحد كان يُمرّر على التنظيمات المختلفة لكتابة ما يحتاجونه، فاضطُرّ المعتقلون لخوض إضرابات طويلة عن الطعام بهدف السماح بالدفتر والقلم، وحقهم في إدخال الكتب، وكذلك السماح لهم بتنظيم برامج ودورات تعليمية مختلفة، ورغم المماطلة والتسويف من قبل إدارة مصلحة السجون؛ إلاّ أنه في المحصلة النهائية تم انتزاع الدفتر والقلم وحقّ إدخال الكتب”.

ويقول الباحث “تعتمد الحركة التثقيفية على التثقيف الذاتي من خلال المطالعة الذاتية، أو من خلال نقل المعارف وتبادل الخبرات من خلال الجلسات التي كانت تتم بشكل جماعي وعلى شكل ندوات ثقافية”.

وأضاف فروانة “كما تُعقَد دورات محو أميّة للأسرى الذين لم ينالوا أي قسط من التعليم، ويوضع لهم برنامج إجباري، وهذا لا يعني عدم تناول موضوعات أخرى، كما وركّزت العملية التعليمية داخل المعتقلات على تعليم اللغات، وخاصة العبرية والإنجليزية وبشكل اختياري للأسرى الراغبين في ذلك، وتمكّن المئات منهم من إتقان ذلك، بل وقاموا بترجمة العديد من الكتب والمؤلفات وعملوا بعد تحرّرهم وبنجاح وتفوق في هذا المجال”.

وتشرح الدراسة كيف “اتجه عدد كبير من الأسرى إلى تعلم (فنون) الكتابة، وإن كانت جزءاً من برامج التنظيمات ولكن بتفاوت بين هذا التنظيم وذاك، لكن من المعتقلين من أولوا هذا الجانب أهمية إضافية فأجادوا وأبدعوا في كتاباتهم، النثرية والشعرية والقصائد والقصص القصيرة والمقالات والدراسات والبحوث”.

فَكتَب الأسرى ولا زالوا يكتبون خلف القضبان مئات القصص القصيرة ومئات القصائد والخواطر والمقالات السياسية، وجزء لا بأس به من الأسرى واصل كتاباته بعد التحرر، وانضم رسمياً إلى الكتاب والشعراء والصحفيين والمترجمين، كما يأتي في الدراسة.

وتابع عبد الناصر فروانة “كان لكل تنظيم برنامجه التثقيفي الخاص ورؤيته للمواد التي يجب تناولها، كما كان كل تنظيم يمتلك مكتبة خاصة به، بجانب المكتبة العامة التي تحتوي في الغالب على آلاف الكتب المتنوعة، وهناك آليات لتبادل الكتب بين مكتبات التنظيمات المختلفة، وبالرغم من اختلاف البرامج وآليات التعليم؛ إلا أنّ هناك إطاراً مشتركاً يوحد الجميع يعتمد على ضرورة استغلال فترة السجن في صقل وزيادة معرفة الأسرى بكافة مستوياتهم”.

وقد تمثّل التطوّر الكبير الذي شهدته المعتقلات في إصرار الأسرى على إكمال دراستهم للحصول على شهادة الثانوية العامة بعدما سمحت إدارة السجون بذلك وفقاً لشروط معينة وبالتنسيق مع التربية والتعليم، وبالفعل تمكّن العديد من الأسرى من الحصول على تلك الشهادة، في حين حُرم من لا تنطبق عليهم الشروط من ذلك، كما لا زال الأسرى محرومين من مواصلة مسيرتهم التعليمية لمن هم أدنى مستوى من الثانوية العامة.

ويضيف الباحث “في تطور نوعي آخر وكأحد إنجازات إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام عام 1992، والذي شمل كافة السجون واستمر تسعة عشر يوماً؛ استطاع الأسرى انتزاع حق الانتساب للجامعات والتعلم عن بعد من خلال المراسلة، ولكن لم تسمح لهم سلطات السجون منذ ذلك الوقت إلاَ بالانتساب للجامعات العبرية فقط، وهذا ما مكّن مئات الأسرى من الالتحاق بالجامعات العبرية ومواصلة تعليمهم الجامعي، والحصول على شهادات جامعية متقدمة وحصلوا على درجة البكالوريوس في تخصصات مختلفة، والبعض منهم أكملوا دراستهم و حصلوا على الماجستير”.

وفي هذا الصدد؛ حصل العديد من الأسرى على شهادة البكالوريوس والماجستير، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر الأسير اللبناني سمير القنطار، الذي حصل على البكالوريوس بالعلوم الإنسانية والاجتماعية وأنهى دراسة الإجازة في حزيران (يونيو) العام 1997 من جامعة تل الربيع (تل أبيب) المفتوحة، وواصل محاولاته الدراسية بغية الحصول على شهادات جامعية أخرى.

وفي حزيران (يونيو) 2005 حصل الأسير محمد حسن محمود إغبارية، من قرية المشرفة في المثلث الشمالي المحتل سنة 1948، والمعتقل منذ عام 1992 ومحكوم بالسجن لمدة ثلاثة مؤبدات و15 سنة إضافية؛ على درجة “الماجستير” في العلوم الديمقراطية من الجامعة المفتوحة ذاتها، وكان حصل من قبل على شهادة مماثلة في التاريخ والعلوم السياسية.

أما في أواخر أيار (مايو) الماضي؛ فقد حصل الأسير منصور عاطف ريان، من بلدة قراوة بني حسان الواقعة قضاء سلفيت شمالي الضفة الغربية؛ على شهادة البكالوريوس في العلاقات الدولية والعلوم السياسية من الجامعة العبرية المفتوحة بواسطة المراسلة، من داخل السجن المسمى “هداريم” وسط فلسطين المحتلة، بمعدل 85 في المائة. ولم يقتصر الأمر على ذلك؛ ففي تحدٍّ غير مسبوق؛ تمكّن بعض الأسرى من مواصلة تعليمهم الجامعي عبر الهاتف النقال الذي يتم تهريبه إلى داخل السجن، ومنهم من ناقش رسالة الماجستير والدكتوراه عبر هذه الوسيلة.

من هؤلاء؛ الأسير ناصر عبد الجواد (38 عاماً)، الذي ناقش رسالة الدكتوراه بعنوان “نظرية التسامح الإسلامي مع غير المسلمين في المجتمع الإسلامي”، من داخل قسم 5 بمعتقل “مجدو” عبر الهاتف النقال لمدة ساعتين ونصف الساعة مع جامعة النجاح الوطنية بتاريخ 16 آب (أغسطس) 2003، واعتُبرت سابقة هي الأولى من نوعها في فلسطين، وربما في العالم، وحصل بالفعل على درجة الدكتوراه ليكون أول أسير فلسطيني يحصل على هذه الدرجة العلمية العليا أثناء فترة محكومتيه.

ولم تكن هذه هي السابقة الأخيرة في ظل إصرار الأسرى وإرادتهم الصلبة؛ فبعدها بفترة وجيزة وفي العام ذاته؛ ناقش الأسير الفلسطيني رشيد نضال رشيد صبري (29 عاماً)، في سجن “عوفر” الصهيوني المقام إلى الغرب من رام الله وعبر الهاتف النقال مع جامعة بيرزيت، رسالة ماجستير ولمدة ساعة ونصف الساعة، وكانت رسالته في إدارة الأعمال بعنوان “إدارة الجودة في الصناعات الفلسطينية للبرمجيات”. 

أما في أيار (مايو) 2006؛ فقد تمكّن الأسير طارق عبد الكريم فياض من مناقشة رسالة الماجستير عبر الهاتف النقال من معتقل “عوفر” مع جامعة القدس، وكانت رسالته حول ” تأثير الانتفاضة على الاقتصاد الصهيوني”.

وتمكّن الأسير فياض في كانون الأول (ديسمبر) 2003، والمحكوم لمدة أربع سنوات ونصف السنة، من الحصول على درجة الماجستير من برنامج الدراسات الإقليمية في كلية الدراسات العليا بجامعة القدس.

وكان فياض قد أنهى المقرّرات الدراسية قبل اعتقاله، وأنجز رسالته في المعتقل، وهو من قرية دير الغصون بمحافظة طولكرم، وأب لطفلين. وهو يبقى نموذجاً حياً على تعَمْلُق الأسرى على إرادة السجان الصهيوني وأسواره.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات