عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

الدوافع الأمريكية والصهيونية وراء الإنعاش المفاجئ لملف التسوية المنهارة

الدوافع الأمريكية والصهيونية وراء الإنعاش المفاجئ لملف التسوية المنهارة
الدعوة التي أطلقها الرئيس الأمريكي جورج بوش لعقد ما سمي بالمؤتمر أو الاجتماع الدولي للسلام، وكلّف وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس، قبل عدة أيام، بزيارة المنطقة لمتابعة الاستعدادات الخاصة به، وحشد الدعم العربي له؛ أثارت لدى المراقبين والمحللين الكثير من علامات الاستفهام.
 
فالتساؤلات المثارة تتعلق بحقيقة دوافع البيت الأبيض وراء التحريك المفاجئ لملف التسوية بتناغم مع الكيان الصهيوني في هذه الفترة بالذات، والنتائج الفعلية التي يمكن أن يتمخض عنها المؤتمر المتوقع انعقاده منتصف شهر تشرين الأول (أكتوبر) القادم. وقد أُحيط بهذه الدعوة منذ إطلاقها الكثير من الشك والتشاؤم، بناء على التجارب السابقة في هذا المجال،  سواء مع الدولة الراعية (الولايات المتحدة)، أو أحد أطراف العلاقة الرئيسين فيه (الكيان الصهيوني).

                                  الخروج من غرفة الإنعاش

ولو أنّ الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال جادتان في إيجاد تسوية تفضي إلى إقامة دولة فلسطينية، ومناقشة ما يُعرف بقضايا الوضع النهائي، كالحدود والقدس واللاجئين؛ لكانتا قد استدعتا من ذاكرتهما التفاوضية ـ على الأقل ـ  “خارطة الطريق” بكل ما فيها من علل، والتي أُدخلت بواسطتهما غرفة الإنعاش منذ سنوات دون أن يتحدث عنها أحد، بدلاً من العودة للحديث مجدداً عن الاتفاق على إعلان مبادئ جديد بشأن الإطار الذي ستتم من خلاله مناقشة ما يسمى بقضايا الوضع النهائي بين حكومة الاحتلال والسلطة الفلسطينية، كما صرّح بذلك حاييم رامون الوزير في فريق إيهود أولمرت، أو لقبلتا وشجعتا “المبادرة العربية للسلام” التي تبنتها الدول العربية وحركتها في الأشهر الأخيرة، بغض النظر عن الثغرات التي فيها.

ووفقاً لتقارير صحفية؛ فإنّ المحللين متشائمون بشأن “جهود” رايس الجديدة، لأنها جاءت في وقت تنقسم فيه الأراضي الفلسطينية إلى قسمين: غزة التي فرّ منها ما يُعرف بالتيار الانقلابي، والضفة الغربية التي تهيمن عليها أجهزة محمود عباس وفريق سلام فياض غير الدستوري، بكل ما يكتنف ذلك من صعوبة القدرة على إقرار مثل هذه الاتفاقات قانوناً، سواء من خلال المجلس التشريعي أو من خلال الاستفتاء الشعبي. فاستثناء طرف رئيس في معادلة الشرعية الفلسطينية، أي حركة حماس التي تتمتع بغالبية برلمانية وشعبية واسعة في الضفة والقطاع، يرسم الكثير من التساؤلات.

ويُضاف إلى مساحة التشاؤم أنه لم يتبق على ولاية بوش الرئاسية سوى 17 شهراً، ورغم ادعاء الإدارة الأمريكية بإعطاء أهمية خاصة لما يعرف بقضية الشرق الأوسط؛ إلاّ أنّ شاغلها الأكبر هو العراق والضغوط التي تتعرض لها من الداخل لسحب القوات الأمريكية من مستنقع الرافدين.

                             رفض مناقشة قضايا “الوضع النهائي”

من ناحية واقعية؛ فإنّ التجربة الفلسطينية والعربية مع الجانب الأمريكي والصهيوني تثبت عجز الأمريكيين عن إجبار حكومة الاحتلال على الالتزام بما تتعهد به خلال المفاوضات واللقاءات، أو احترام القرارات الدولية، والاعتراف بالحقوق الفلسطينية. كما تبرهن التجربة ذاتها على انحياز واشنطن باستمرار إلى الجانب الصهيوني على حساب الجانبين الفلسطيني والعربي، والحرص على مصالحها في المقام الأول، حتى لو أضرّت بالمصالح الفلسطينية والعربية.

ورغم مطالبة وزيرة “الدبلوماسية” الأمريكية للجانبين الصهيوني والفلسطيني، في ختام جولتها شرق الأوسطية، الخميس (2/8)، بإجراء محادثات بشأن القضايا الرئيسة التي من شأنها أن تقود إلى ما تعتبره “قيام الدولة الفلسطينية”، وتصريحها بأنّ هذا يعني في نهاية المطاف “حل قضية اللاجئين والحدود والقدس”؛ فإنّ توقعات المراقبين تشير إلى أنّ الكيان الصهيوني لا يمكن أن يقطع عهداً بمثل هذا الالتزام.

وللتدليل على ذلك؛ فإنّ تصريحات وزيرة الخارجية الصهيونية تسيبي ليفني، التي أدلت بها عقب لقائها نظيرتها الأمريكية رايس، قد أوضحت بكل صراحة أنّ حكومة الاحتلال لن توافق على بحث قضايا الوضع النهائي في الملتقى الدولي القادم للسلام.

وأكدت ليفني أنّ الكيان يرفض تفصيل جدول الأعمال الذي سيُطرح على المؤتمر القادم، مشددة على أنّ ما سيُطرح على الطاولة ـ على حد زعمها ـ “أمور هامة للطرفين”، لكنها أضافت قائلة “ليس من المصلحة أن نطرح على الطاولة الموضوعات الأكثر حساسية”، والمقصود بها حدود الدولة الفلسطينية الدائمة التي تكون عاصمتها القدس الشريف، وتأخذ باعتبارها حل إشكالية عودة اللاجئين التي يرفضها الاحتلال رفضاً قاطعاً.

                                    توجّس عربي مشروع

أكثر من ذلك؛ فإنّ ليفني التي زعمت أنها لن تفوِّت فرصة للحوار مع عباس و”حكومة” فياض غير الشرعية؛ ربطت حجم تنفيذ حكومتها لذلك بما قالت إنه يتلاءم “مع قدرة الحكومة الفلسطينية على الالتزام بتعهداتها وبشكل أساسي ما يتعلق” بالكيان الصهيوني. يعني ذلك في تقاليد التعاطي السياسي الصهيوني مساحة واسعة للمناورة والتملص من الوفاء بكثير من الالتزامات، بحجة عدم قيام الجانب الفلسطيني بواجبه في كبح المقاومة (هي حق شرعي للفلسطينيين في ظل الاحتلال) ضد الصهاينة.

ووفقاً لذلك؛ فإنّ الاجتماع الدولي القادم من وجهة النظر الصهيونية لن يكون سوى مكافأة أمريكية جاءت في الوقت المناسب لتحسين صورة إيهود أولمرت، وإنقاذ شعبية حزبه المتدهورة بعد فقدت حكومته تأييد جمهورها منذ الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان قبل أكثر من عام، ليظهر بمظهر من ينتزع “السلام” والذي يحقق نجاحاً على الصعيد السياسي التفاوضي بعد أن فشل في الحرب. والمؤتمر سيكون كذلك فرصة ذهبية للكيان في تحقيق اختراق في عملية “التطبيع” مع الدول العربية، بدون مقابل.

وقد كان لافتاً للنظر؛ الشروط التي وضعها الرئيس الأمريكي لقبول حضور أي دولة عربية للاجتماع، وهي: الاعتراف بالكيان الصهيوني، وباتفاقات الموقعة بينها وبين الفلسطينيين، ونبذ العنف (المقاومة)، وهي تشدد على “التطبيع” كأحد الأهداف المتوخاة أمريكيا وصهيونيا من المؤتمر.

ويمكن القول إنّ التصريحات الصهيونية التي ترفض مناقشة المسائل الرئيسة المتعلقة بالصراع، والخبرات السابقة بمثل هذه اللقاءات؛ هي التي جعلت دولاً عربية مثل المملكة العربية السعودية متوجسة من المؤتمر القادم وربما مترددة في الموافقة على حضوره (حيث لم تصدر موافقة رسمية صريحة في هذا الصدد حتى الآن على الأقل). وقد دفع ذلك وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، للقول رداً على سؤال حول الرؤية السعودية للمؤتمر الذي دعا إليه بوش؛ “إننا نرى ان يكون هناك مؤتمر يتطرق للقضايا الرئيسة: الحدود، عودة الفلسطينيين للقدس، وأن لا يكون مؤتمراً فقط للجوانب الشكلية وأخذ صور فوتوغرافية لاجتماعات لا جدوى منها، وهذا هو موقفنا”.

                                في مواجهة المقاومة والممانعة 

أما في الجانب الأمريكي؛ فإنّ هناك جملة دوافع وراء تحريك البيت الأبيض لعملية التسوية المنهارة، لاسيما في هذا التوقيت، وهي في جملتها لا تصبّ في صلب العملية ذاتها. وباستقراء التصريحات الإعلامية الصادرة في هذا الصدد والظروف المحيطة بالحدث؛ يمكن إجمالها على النحو التالي:

ـ صرف الأنظار عن الإخفاق الأمريكي في المنطقة. وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة إلى الانتكاسات الأمريكية المتوالية في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان. فواشنطن لم تفلح في إنجاز وعودها بعد احتلال العراق وأفغانستان، كبسط الأمن وتحقيق الرفاه والديمقراطية أو دحر مشروع المقاومة. والصورة المكرسة عن السياسة الخارجية الأمريكية في فترة بوش تعكس مشاهد إشعال الحروب والحرائق ومناظر الضحايا، وربما يريد البيت الأبيض من المؤتمر، “تسويق” بوش بمظهر “الحريص” على السلم في المنطقة، وإحراز نجاح دعائي محض ما قبل انتهاء ولايته.

ـ منع ترجمة وقائع جديدة على الأرض تصب في مصلحة المقاومة والممانعات التي خرجت في السنوات الأخيرة أقوى من ذي قبل، في محصلة موازين القوى نتيجة الإخفاق الأمريكي، كما يشير إلى ذلك المفكر الفلسطيني منير شفيق.

ومن هذه الأمثلة تحقيق المقاومة لانتصارات مهمة، كما حدث في لبنان في حرب صيف عام 2006 ، أو في الجانب الفلسطيني عندما اندحر “تيار أوسلو ودايتون”، رغم الدعم السياسي والعسكري الكبير الذي تلقاه أمريكياً وصهيونياً بعد لفظه جماهيرياً وشعبياً نتيجة فضائحه وفساده وصلاته المشبوهة وأجندته غير الوطنية.

                            رفض الاستسلام لأوامر البيت الأبيض

ووفقاً لهذا الدافع؛ فإن الإدارة الأمريكية بالتعاون مع حكومة الاحتلال؛ تسعى لاستمرار إضعاف قوى المقاومة من خلال تكريس حالة الانقسام الداخلي وصولاً للحرب الأهلية إن احتاج الأمر، وتُعتبر الدعوة للمؤتمر الدولي إحدى حلقات المشروع الأمريكي الذي يعمق الشرخ في الصف الفلسطيني، بعد أن رفضته غالبية الفصائل، وفقاً للتصريحات الصادرة عنها.

وقد كان واضحاً تشديد المسؤولين الأمريكيين والصهاينة على مطلب “عزل” حركة “حماس” تحديداً وعدم إدخالها في المشهد، أو هذه “اللعبة” وفقاً لتصريحات رئيس حكومة الاحتلال، فيما اعتبرت وزيرة خارجية الكيان الصهيوني المؤتمر “فرصة للعالم العربي لدعم المعتدلين”، وفق وصفها.
 
ـ قطع الطريق على أية محاولات عربية لإجراء مصالحة بين حركتي “فتح” و”حماس”، سواء من خلال الجامعة العربية أو دول كالسعودية التي ترغب بتسوية من هذا النوع للحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني، وهو ما تعتبره “حماس” مفتاح معالجة التطورات الأخيرة وإصلاح الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، مقابل حشد الدعم العربي لمحمود عباس وحكومته غير الشرعية كخيار لا يوجد غيره من أجل تكريس الشرخ الفلسطيني الداخلي.

وإذا كان الثنائي عباس ـ فياض قد أصبحا مفردة في المخطط الأمريكي ـ الصهيوني الذي يستهدف إحداث شروخ في وحدة الموقف الفلسطيني وقضية الأمة وضرب مقاومتها في أكثر من اتجاه؛ فإنّ التعويل لا يزال على الأدوار العربية لإفشال هذا المخطط من خلال عدم الاستسلام للمطالب الأمريكية التي تلح على حضور المؤتمر المشروط مسبقاً وعدم دعم مساعي الحوار لإصلاح الخلل القائم في الساحة الفلسطينية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات