الإثنين 12/مايو/2025

شطب المقاومة المسلحة من برنامج عباس ـ فياض .. دلالاته وأبعاده

شطب المقاومة المسلحة من برنامج عباس ـ فياض .. دلالاته وأبعاده
مواقف وتصريحات فلسطينية عدة تحمل تحذيرات، من قبيل: 

– “على فياض أن يعيد النظر في برنامجه وبرنامج حكومته، وإذا أصرّ على إزالة بند المقاومة وأدار ظهره لحقّ شعبنا (في مقاومة المحتل) فعليه أن يبحث عن شعب (آخر) يحكمه”.

– من يسقطون خيار المقاومة “لا يمثلون إلا أنفسهم، ولا يصيغون إرادة الشعب الفلسطيني وإنما يمثلون الولايات المتحدة الأميركية في السلطة الفلسطينية”.

– تشكيلة فياض “جعلت نفسها في مواجهة مع المشروع الوطني ونقيضا له”.

– فريق فياض “لا يملك الحق في شطب المقاومة من قاموس الشعب الفلسطيني المحتل والذي يرى قي المقاومة السبيل الوحيد نحو تحرير الأرض وعودة اللاجئين، ومن تعب فليتنحّ جانباً”.

– المقاومة “شرف للشعب الفلسطيني، وحق كفلته له كل المواثيق والأعراف الدولية”.

                            قرارات أمنية محل ترحيب المحتل

 
إنها عينة من تصريحات قياديين في حركات الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحماس ولجان المقاومة وبعض الأذرع المسلحة للفصائل ككتائب الأقصى وكتائب القسام، أو نبذ مما صدر عنها من بيانات، وهي بمجملها تلخص الانتقادات الكبيرة التي وجهتها إلى القرار الذي أعلنت عنه “حكومة” سلام فياض غير الدستورية التي نصّبها محمود عباس، يوم السبت (28/7)، والمتعلق بإسقاط أية إشارة للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الصهيوني من برنامجها السياسي.

لقد كشفت التطوّرات الأخيرة عن أمرين اثنين على الأقل؛ الأول: أنّ رفض تشكيلة فياض لم يعد متعلقاً فقط بعدم شرعيتها الدستورية والتجاوزات القانونية التي أحاطت بتنصيبها، متجاوزة المجلس التشريعي المنتخب، بل تعدى الأمر إلى ما يندرج في خانة المسّ بالثوابت الوطنية للشعب الفلسطيني وبمشروعه الوطني وإرادته في التحرّر، من خلال ما صدر عنها وعن رئاسة السلطة من قرارات وإجراءات وممارسات.

وللتذكير؛ فإنّ أبرز القرارات التي اتخذها فياض بوتيرة متسارعة منذ تعيينه في وظيفته؛ هي ذات طابع أمني، وقد كانت محل ترحيب الجانب الصهيوني ورضاه، ولا يخفى أنها كانت بمثابة الرد المطلوب على ما يُسمى “حسن نوايا” الإدارة الأمريكية وحكومة الاحتلال التي أغدقت من دعمها له ولحكومته وسلطته.

وتشمل هذه القرارات والإجراءات منع سلاح فصائل المقاومة واعتباره غير شرعي، وملاحقة وتجريم كل من لا يلتزم بذلك، والحصول على “عفو” مذلّ من الكيان الصهيوني على عدد من ناشطي “كتائب الأقصى” (الجناح العسكري لحركة فتح) مقابل تخليهم عن سلاحهم والتعهد بعدم مهاجمة أهداف الاحتلال، وإعادة التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني في أعلى مستوياته والذي كان قد توقف الحديث عنه منذ عدة أعوام بسبب اندلاع انتفاضة الأقصى. وقد كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية، في عددها الصادر الجمعة (27/7)، نقلاً عن مصادر أمنية صهيونية أنّ أجهزة الأمن الخاضعة لإمرة عباس نقلت معلومات عن بعض شبكات نعتتها بأنها “إرهابية” (في إشارة لمجموعات المقاومة الفلسطينية) في الضفة، الأمر الذي ساعد الجيش الصهيوني على إحباط العمليات.

وقالت الصحيفة العبرية إنّ التنسيق الأمني الذي يدور الحديث عنه؛ هو أعلى من المستوى الذي كان يجري في السنوات الست الأخيرة، وهو إشارة إلى وجود أشكال من التنسيق السري خلال السنوات الماضية وهو أمر كانت تنفيه على الدوام أجهزة عباس. 

                                      خلاف برامجي

الأمر الآخر؛ أنّ خلاف حركة “حماس” مع تيار “أوسلو ودايتون” بفتح والسلطة الفلسطينية، والذي تخللته سيطرة “حماس” على قطاع غزة كخطوة اضطرارية لإحباط مشاريع هذا التيار التي يرتبط بأجندة صهيو ـ أمريكية، كما كشفت عن ذلك القرارات التي تصدر عنه تباعا بعد هزيمته من غزة وقبلها؛ ليس ذا طابع فصائلي حزبي يرتبط بالصراع على السلطة وإدارة شؤون الحكم في الأراضي المحتلة كما حاول البعض تفسيره أو تصويره، دون الالتفات الجدي إلى الخلاف الأساسي والجوهري الذي يقف خلف هذا الصراع بين برنامجين متناقضين.

فالبرنامج الأول هو “برنامج أوسلو” وتجريم سلاح المقاومة، وعودة دفء العلاقات للتعاون والتنسيق الأمني الفلسطيني ـ الصهيوني على أعلى المستويات لرصد المقاومة المسلحة وضربها، ويمثل هذا البرنامج فريق “عباس ـ فياض”.

ومقابل ذلك يلوح برنامج عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني واحتلاله، والإقرار بحق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكافة ألوانها وأشكالها وأساليبها، وهو برنامج وثيقة الوفاق الوطني وحكومة الوحدة الوطنية التي مثلت وما تزال الغالبية العظمى من ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بما فيها “حماس”، وعبّرت عن ثوابتها وتطلعاتها الوطنية.

وللتدليل على ذلك؛ يمكن القول إنّ حركة “حماس” التي حصلت على غالبية كبيرة في انتخابات برلمانية شفافة ونزيهة دفعت ضريبة عدم تمكينها الفعلي من حكم الضفة والقطاع منفردة أو بالاشتراك مع القوى الأخرى، بسبب الإصرار على عدم الاستجابة للشروط الصهيو ـ أمريكية، والمتمثلة في الاعتراف بالكيان الصهيوني وبالاتفاقات الفلسطينية المذلة التي أُبرمت معه، والتخلي عن حق المقاومة (نبذ العنف بحسب المصطلح الغربي). كما تم الالتفاف على حكومة حماس التي شكلتها منفردة، وعلى حكومة الوحدة الوطنية التي قادتها، وجرت المحاولات المستميتة لإسقاطهما بسبب إثباتهما حق المقاومة العسكرية للمحتل في برنامجهما السياسي. وإزاء ذلك ينهال الدعم الأمريكي ـ الغربي ـ الصهيوني مالياً ودبلوماسياً على الثنائي عباس ـ فياض بأوضح مستوياته وتجلياته، مقابل التزامهما بالعمل على إلغاء مشروعية المقاومة، وقبول التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني.

                         إعلان موقف واضح من حكومة فياض

وبرأي مراقبين فإنّ جرأة تيار أوسلو في حكومة فياض والسلطة والتي وصلت حد التطاول على ثوابت الشعب الفلسطيني، سواء من حيث التصريحات القرارات أو الإجراءات المتوالية؛ ما هي إلا تعبير عن رغبة هذا الفريق في استئناف دوره من جديد منفرداً تحت غطاء خلافه مع حركة “حماس” والتطورات التي شهدتها غزة منتصف شهر حزيران (يونيو) الماضي، حيث لم يعد يحتمل العمل في إطار مظلة وطنية ديمقراطية بعد أن جرّب ذلك كتلك التي جسّدتها الانتخابات التشريعية عام 2006، أو حكومة الوحدة الوطنية أو وثيقة الوفاق الوطني، لأنها تتعارض مع مطالب “الخارج” التي ألزم نفسه بها، وتتناقض مع استحقاقات الدعم الأمريكي والصهيوني، ولأنها تسقطه في أي اختبار جماهيري قادم أيضاً.

ويعتبر مراقبون للوضع الفلسطيني أنّ التطوّرات الراهنة تمثل انعطافة هامة في مسيرة النضال الفلسطيني، واختباراً دقيقاً للفصائل الفلسطينية، بما لا تكفي معه بيانات الاستنكار والرفض فقط، كما أشارت إلى ذلك حركة “حماس” مطالبة الفصائل بإعلان رأيها في هذه الحكومة وارتباطاتها الخارجية، وهو ـ برأيها ـ مطلوب من “فتح” المسروقة من “تيار أوسلو” إذ يتعيّن عليها أيضاً أن تخرج عن صمتها، لأنّ ذلك يعني أنها تتخلى عن مشروع المقاومة.

كما يتطلب الأمر من زواية ثانية الإفشال العملي لبرنامج عباس ـ فياض في شطب المقاومة العسكرية من خلال الالتزام بتصعيد العمليات ضد المحتل من قبل الأذرع المسلحة للفصائل الفلسطينية، والتعاون على إنجاز عمليات نوعية ضد جيشه وفي عمق أراضيه، رداً على جرائمه التي لاتتوقف، وهو ما أكده مؤخراً بيان مشترك لحركتي حماس والجهاد الإسلامي رداً على تصريحات فريق أوسلو، حيث دعا إلى “التصدي لهذا الموقف المُدان من قبل حكومة فياض، والرد عليه عبر تصعيد المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني في غزة والضفة وكل فلسطين، لأنّ المقاومة إستراتيجية ثابتة أقرها شعبنا ولازال يقرها لأنّ الاحتلال الصهيوني لازال جاثماً صدورنا ويرتكب المجازر ويدمر البيوت والأشجار”.

                                  الضفة الغربية بعد غزة

ويرى مراقبون أنّ إسقاط خيار المقاومة المسلحة والتنازل عنه من قبل فريق عباس ـ فياض قد يكون بداية السقوط النهائي لذلك التيار، وهزيمة مشروع استسلامي يريد أن يتحكم بزمام الموقف الرسمي الفلسطيني.

ويشير المراقبون في هذا الصدد إلى أنّ لصبر الشعب الفلسطيني حدوداً، وكما لفظت غزة قبل أسابيع ذلك التيار؛ فإنّ المنتظر من الضفة أن تلفظ من يتواطأ مع الاحتلال ويتماشى مع أجندته.  

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات