الضفة نهار الجمعة .. مشاعر مختلطة وفرحة مغموسة بالآلام

مشاعر مختلطة عاشتها الضفة الغربية ظهر الجمعة (20/7)، بعد الإفراج عن مائتين وخمسة وخمسين أسيراً فلسطينياً من سجون الاحتلال الصهيوني. أمهات وآباء، زوجات وأبناء، تدافعوا إلى حيث يُنتظر قدوم المحرّرين، وسط مشاعر جياشة بللتها الدموع الظاهرة في المآقي، دون أن تخفي المرارة التي تجسدها صفقة “أولمرت – عباس” بملابساتها الشائكة.
وصول القافلة أثار العواطف، خاصة عندما لوّحت الأيادي من شبابيك الحافلات القليلة التي بدا عددها مخيباً للآمال، بينما حُمل بعض الأطفال عبر النوافذ لعناق آبائهم في لحظات عزيزة. أعلام ورايات علت في المواقع التي تحرّكت فيها الحافلات بالضفة، بينما اندفع الصحافيون والمصوِّرون لالتقاط التصريحات الأولى التي سيُدلي بها هؤلاء الأسرى، في مناسبة لتوثيق الفرحة على لسان المحرَّرين للتوّ بإرادة السجّان الصهيوني. إلاّ أنّ المشاعر التضامنية لم تغب في تلك اللحظة، بما عكس تماسك الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، إذ أكد عديد المُفرَج عنهم أنّ حالاتهم لا تُعدّ ذات شأن بالنظر لمن تركوهم وراءهم خلف قضبان الاحتلال.
أحد الأسرى قال بوضوح، والبهجة بلقاء أهله حاضرة على قسمات وجهه “نحن لا نمثل شيئاً بالنسبة لغيرنا، هناك الكثير من (أصحاب) المؤبدات ما زالوا في السجون”. أما رفاقه فأكدوا مراراً أنّ فرحتهم لم تكتمل لأنّ ما جرى لا يمثل شيئاً بالنظر لجيش الأسرى العالقين في الزنازين التي لا تدخلها الشمس.
ويأتي هذا الاستدراك بالنظر لحقيقة أنّ معظم المفرج عنهم قد أوشكوا على إتمام محكومياتهم، وأنّ “الصفقة” المثيرة للجدل، قد استثنت عملياً ذوي الأحكام العالية وحتى معظم النساء. وهكذا؛ فلم تسعف مشاعر التضامن آلاف الأسر بالضفة الغربية لكي تخرج إلى الطرقات لاستقبال المحررين القلائل؛ لأنّ مشاعر الحسرة الجياشة على من هم في السجون لن تعينهم على التماسك في المواقف العاطفية الجياشة.
حركة “فتح” وجدت نفسها في مأزق لم تتمكن من توريته نهار الجمعة، لأنّ الإفراج اتخذ سمة “فئوية” لا تعكس مشهد الحركة الأسيرة بأطيافها، طالما أنّ قرابة تسعين في المائة من المفرج عنهم ينتمون إلى الفصيل الذي يمسك محمود عباس بزمامه. وفي ما فسّره المراقبون محاولة من مسؤولين بـ”فتح” للتعمية على الحرج الذي سبّبته الصفقة؛ جرى الادعاء بوجود “تنوّع” فصائلي بين المفرج عنهم. وتأتي في هذا السياق تصريحات القيادي في حركة “فتح” زياد أبو عين، بوجود ثلاثين أسيراً من حركة “حماس” ضمن الأسرى المفرج عنهم في إطار صفقة “عباس – أولمرت”.
وقد أكد المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، سامي أبو زهري، لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” الجمعة (20/7)، في ردّ على ذلك، أنّ “ما روّجه أبو عين لتجميل الصفقة ورفع الحرج لا أساس له من الصحة”، نافياً “بشكل حاسم أن يكون ثلاثون عضواً في حركة حماس جرى الإفراج عنهم اليوم من السجون الصهيونية”.
وبينما اعتبر أبو زهري ادعاء أبو عين “لا أساس له من الصحة، ويهدف للتغطية على الحرج الذي سببته هذه الصفقة للرئيس عباس وحركة فتح”؛ نفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصهيونية، أميره أورون، في اتصال مع هيئة الإذاعة البريطانية، بشكل “حاسم”، أن يكون من بين المفرج عنهم أي عضو من حركة “حماس”.
أما الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فقد نفت من جانبها الخميس (19/7) وجود أي من أسراها ضمن قائمة الأسرى المحررين. وجاء في تصريح مكتوب صادر عن مصدر مسؤول بالجبهة الديمقراطية، أنّ قائمة الأسرى التي تعدها سلطات الاحتلال للإفراج عنهم لاتحوي أيا من أسرى الجبهة، لافتاً الانتباه إلى أنّ القائمة المشار إليها لاتشمل أسرى الأحكام العالية، سواء المعتقلين في السجون الصهيونية قبيل توقيع اتفاقية أوسلو أو بعدها.
ويأتي الإفراج الذي يُعتقد أنه مرتهن لحسابات صهيونية مسبقة؛ ضمن ملابسات أثارت جدلاً وانتقادات في الساحة الفلسطينية، بما في ذلك تضمينها عشرات الأسماء لأسرى على وشك انتهاء محكومياتهم، علاوة على طابع التوظيف السياسي للخطوة الصهيونية باتجاه تعميق الأزمة الداخلية الفلسطينية ودفع رئيس السلطة محمود عباس إلى خطوات تتماشى مع مطالبات حكومة الاحتلال.
وأشار الناقدون إلى خطوات عدة كرّسها الاحتلال خلال هذه “الصفقة”، حيث التمييز الفئوي بين الأسرى بحسب الانتماء الفصائلي، ودفع المفرج عنهم إلى مطلب نبذ المقاومة، عبر إرغامهم قبل الإفراج على التوقيع على تعهد بعدم “ممارسة الإرهاب”، في إشارة إلى مقاومة الاحتلال الصهيوني. وعلاوة على ذلك؛ فقد جرى استثناء أي أسير من القدس المحتلة، أو من الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 من هذه الخطوة، تكريساً لمنطق الضم والاستحواذ الصهيوني على شؤون القدس وفلسطينيي 48، ودق الأسافين بين الشعب الواحد.
وقد جاءت حالة شطب أسماء من القائمة الصهيونية المعلنة سلفاً؛ تأكيداً للملابسات الحرجة لهذه الصفقة، وهو ما تعلّق مثلاً بحالة القيادي بحركة “فتح” حسام خضر، من مخيم بلاطة المحاذي لمدينة نابلس، الذي أعلن الخميس عن إسقاط اسمه من بين المفرج عنهم.
وما رصده مراقبون للمشهد الصهيوني – الفلسطيني؛ هو إدراج خطوة الإفراج هذه ضمن “حملة ضغط نفسي” تُمارَس على الجمهور الفلسطيني، عبر ملف الأسرى شديد الحساسية لكل أسرة فلسطينية. حيث تُمنح “الجزرة” لعباس وفريقه كونه يخوض حالياً في ما يوصف بـ”شراكة معلنة” مع حكومة الاحتلال، بينما يجري التلويح بـ”العصا”، بممارسة العقاب الجماعي المستمر بحق الشعب ككل عبر عمليات الاختطاف اليومية، التي لم تتوقف حتى اليوم الجمعة الذي وافق الإفراج، طالما أنّ المقاومة ونبذ الاحتلال ما زالا يعبِّران عن نهج الفلسطينيين وخيارهم.
ويلحظ مراقبون أنّ عدد المفرج عنهم الجمعة، يأتي أقل من عدد الذين اختطفتهم قوات الاحتلال في الضفة الغربية منذ مطلع شهر تموز (يوليو) الجاري، بما يؤشر إلى أنّ الحزن الذي يخيم على الفرحة الظاهرية له ما يبرِّره بالتأكيد، أما حكومة الاحتلال فتستطيع أن تسوِّق مشاهد الإفراج إلى العالم أجمع كبرهان على ما تسميه “حسن نواياها” إزاء الفلسطينيين العالقين في سجن كبير.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حراس المسجد الأقصى المبارك، اليوم الاثنين، إدخال مستوطنين "قربانا حيا" إلى باحاته، عبر باب الغوانمة....

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...