مسعى صهيوني ـ أمريكي لتوريط عباس .. عنوانه عزل حماس

قاسم مشترك
الرابط أو القاسم المشترك بين تلك المواقف الصادرة على مدار ثلاثة أيام متوالية؛ هو الهجوم الحاد على حركة “حماس”، والاستمرار في محاولة عزلها، ومنع الحوار أو التواصل معها.
بوش من جانبه؛ لم يدّخر وسعاً للتحريض ضد “حماس”، إلى درجة أنّ ناطقاً إعلامياً صهيونياً رسمياً قال إنّ الكيان الصهيوني “لا يتحدث بهذه الحدة” عنها. فقد طالب الرئيس الأمريكي المأزوم الفلسطينيين بالاختيار بين من سماهم “المتطرفين من حركة حماس وبين ثنائي المعتدلين: عباس وفياض”، معتبراً أنّ حركة المقاومة الإسلامية “مجموعة قتلة ستجلب كارثة على الشعب الفلسطيني، وأنّ إبعادها عن السلطة عملية شرعية”. ولم ينس بوش مقابل منحتة المالية السخية لعباس ولحكومة سلام فياض غير الدستورية؛ أن يشدِّد على واجبات فريق عباس، ومن أهمهما نزع سلاح المقاومة وإطلاق سراح الجندي الصهيوني جلعاد شاليط.
تحذير صهيوني لعباس
أما رئيس حكومة الاحتلال فلم ينس أن يحذِّر عباس في التصريحات التي نقلتها وسائل الإعلام العبرية عن اجتماعه الأخير به في القدس المحتلة؛ مما سماها “عواقب استئناف الحوار مع حماس”، مبيِّناً أنّ “التقارب من جديد بين فتح وحماس سيكون سبباً كافياً لتفجير الاتصالات” الفلسطينية ـ الصهيونية الجارية بشكل مُعلَن وعلى قدم وساق منذ شهر، ووقف ما يسمى مبادرات “حُسن النوايا” التي قدمتها حكومة الاحتلال لرئيس السلطة منذ دحر التيار الانقلابي في قطاع غزة. وتشير تلك المبادرات الموصوفة بحسن النية؛ إلى ما يعتبره أولمرت دعماً قدّمه لعباس، كقرار الإفراج عن 250 أسيراً غالبيتهم من حركة فتح، والإفراج عن جزء من مستحقات الضرائب الفلسطينية المحتجزة لدى حكومته منذ أكثر من سنة، وإيقاف ملاحقة عدد من عناصر “كتائب الأقصى” الذراع العسكرية لـ “فتح” بموجب صلاحياته في “العفو” عنهم، في إطار صفقة أُبرمت مع السلطة لتسليم سلاحهم والتخلي على ما يبدو عن مقاومة المحتل.
وإذا كانت مواقف بوش وأولمرت ليست مثار استغراب لأنها على الأقل لم تتغير منذ فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية؛ فإنّ المستغرب هو التصعيد المستمر الذي يمارسة عباس في علاقته مع “حماس”، ومضيّه الحثيث في قطع كل الخطوط معها، والتي كان آخرها ما صدر عنه في كلمته أمام المجلس المركزي لمنظمة التحرير، حيث تضّمنت دعوته المجلس للموافقة على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكرة، ما يعني انقلاباً على الشرعية الحالية التي فازت فيها “حماس” بأغلبية كبيرة، وفقاً لرأي خبراء دستوريين.
ثمن لا بد منه
وباستقراء المواقف الثلاثة؛ فإنّ الموقفين الأمريكي والصهيوني يربطان الدعم السياسي والمالي وحتى الأمني لرئيس السلطة، بصراحة لا مواربة فيها؛ بالإجراءات العملية التي على فريق عباس القيام بها ضد “حماس” والمقاومة كثمن لابد منه لقاء ما يقدمونه لهم. ولعلّ هذا ما يفسِّر الهجوم الحادّ الذي شنّه عباس دون إبطاء أو تأخير بعد أقل من ثمانية وأربعين ساعة على خطاب بوش ولقائه برئيس الوزراء الصهيوني أولمرت ضد “حماس”، والخطوات التنفيذية التي من المتوقع أن يقوم بها في الفترة القريبة ضدها أو للانقضاض على الشرعية الانتخابية التي تبوّأتها.
والمعادلة وفقاً لذلك واضحة؛ تتمثل في أنّ ثمة جهتين خارجيتين تدسّان أنفيهما في الشأن الفلسطيني الداخلي، وتقدمان دعماً مشفوعاً باشتراطات ومطالب وتحذيرات واضحة، وجهة فلسطينية يمثلها عباس ومن يدور في فلكه، تبدو في غاية الترحيب بهذا الدعم، تحاول استغلاله بصلف غريب، من أجل حسم الخلافات الداخلية لصالحها، مع إدارة الظهر لخيار الحل داخل البيت الفلسطيني أو العربي. ولعلّ هذا ما يفسر قول رئيس السلطة بأنّ الحديث عن اتفاقات القاهرة لتفعيل منظمة التحرير “أصبح غير ذي معنى بعد أحداث غزة”، على حد تعبيره.
تكرار الأخطاء
وقد لاحظ المراقبون أنّ المجلس المركزي للمنظمة الذي وصفه عباس في خطابه بأنه المرجعية للسلطة الفلسطينية للموافقة على تنظيم الانتخابات ـ رغم معارضة حماس التي تحوز على غالبية ثقة الشارع الفلسطيني بوصفها دعوة”غير دستورية” ـ هو من همشته السلطة في إطار تهميشها لدور منظمة التحرير ومؤسساتها بعد “اتفاق أوسلو”.
واضح أنّ الأطراف الثلاثة لا تستفيد من تجاربها السابقة، وتصرّ على تكرار أخطائها وسوء تقديراتها الماضية، وعدم أخذ العبرة منها على ما يبدو. فعباس المأخوذ بنشوة الدعم الصهيو ـ أمريكي مقابل الحرب الشرسة التي تشنها الأطراف نفسها على “حماس”؛ يحسب أنّ بوسعه استمداد الشرعية لنفسه أو لتيار موالٍ له في حركة “فتح” بعد أن فشل هذا الفريق في الانتخابات الأخيرة لأسباب كثيرة. أو يظن عباس أنّ بمقدوره أن يعيد الاعتبار لتياره الانقلابي في غزة، لا سيما على مستوى الأجهزة الأمنية، من خلال الدعم الخارجي والاستقواء بالقوى الأجنبية على حساب شرعية الشارع المؤيدة لـ”حماس”، أو المنجزات التي حققتها الحركة على الأرض كبسط الأمن والاستقرار، وإنهاء الفلتان الأمني.
البديل الرئاسي
ربما يحتاج عباس لمن يذكره بما أورده كاتب صهيوني في صحيفة عبرية، من أنّ “كل بيان إسرائيلي (وكذلك يمكن القول أي بيان أمريكي) يؤيد أبا مازن؛ إنما يخفض من قيمته في نظر الجمهور الفلسطيني، ويحوِّله إلى عميل”، خصوصاً إذا كان الثمن المطلوب منه يمسّ الثوابت الفلسطينية أو يؤدي إلى فتنة داخلية، أو يشجع على الاقتتال الداخلي مثل سحب سلاح المقاومة، وتجريم وملاحقة من يتمرد على ذلك، على سبيل المثال لا الحصر. ولعلّ هذا أحد الأسباب التي تؤدي إلى التدهور الحالي في مكانة عباس بين المواطنين الفلسطينيين.
وربما يحتاج عباس إلى من يذكره أيضاً بتصريحات جهات صهيونية وغربية تشكك بقدراته وقدرات فريقه على تولي أمر الشارع وضبطه، خصوصاً على ضوء ما يكثر الحديث بشأنه من فساد القيادات الحالية لهذا الفريق وضرورة تغييرها، والتبشير بأسماء بديلة لعباس، أو على ضوء الهزيمة التي حاقت بالتيار الانقلابي رغم الدعم الكبير الذي كان يتلقاه منذ عدة سنوات، وعدم إمكانية تجاوز “حماس” في اي أمر من أمور إدارة الشان الفلسطيني.
لا تسوية بدون “حماس”
يقول الكاتب الصهيوني داني روبنشتاين في صحيفة “هآرتس”؛ “هناك شك في أن تنجح حماس في السيطرة على الضفة الغربية أيضاً، ولكن ما من شك أنّ أي تسوية سياسية في البلاد لن تحدث بدون حماس”.
أما الولايات المتحدة والكيان الصهيوني؛ فيبدو أنهما ما يزالان يراهنان على حصان خاسر هو عباس و”فتح”، ويبدو أنهما مقتنعان بأنّ خطط الجنرال “دايتون” فعّالة (خصص بوش من قبل 80 مليون دولار لإعادة بناء قوات الأمن التابعة لعباس، بتوجيه من الجنرال كيث دايتون) رغم ما لقيته قوات التيار الإنقلابي في غزة في منتصف حزيران (يونيو)، ورغم صمود “حماس” والشعب الفلسطيني في وجه الحصار الجائر منذ أكثر من عام ونصف العام قبل ذلك.
لا يبدو أنّ الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني على استعداد لفهم الحقيقة، وهي أنّ الشأن الفلسطيني لا يُدار بمعزل عن حكومة شرعية هي حكومة “حماس” أو حكومة وحدة وطنية تشارك فيها “حماس”، وأنّ سياسات العزل والقفز أعجز عن تغيير الأمر الواقع الذي صنعته إرادة شعبية جارفة.
كتابات غربية عاقلة
ربما المطلوب أن يستمع بوش وفريقه، وأولمرت ومن حوله؛ لكتابات عاقلة تصدر عن محللين غربيين أو في الكيان الصهيوني، وتدعو للتعامل بعقلانية مع حركة تتمتع بشعبية وقدرات كبيرة لا يمكن تجاوزها، مثل مقالة أوجوستس نورتون سارا روي، التي نشرت ترجمتها صحيفة الاتحاد الإماراتية مؤخراً تحت عنوان “مقاربة خاطئة لحل المأزق” الصهيوني، وجاء فيها:
“المقاربة الحالية التي تتبناها إدارة الرئيس بوش تجاه الأراضي الفلسطينية المقسمة تقود إلى الكارثة. فعبر تفضيل “فتح الخيرة” على “حماس الشريرة”؛ تفتح إدارة الرئيس بوش المجال لأيديولوجيتها الفاشلة لإجهاض فرصة إحراز تقدم على المسار الفلسطيني، وبلوغ الهدف الشامل لإحلال السلام مع “إسرائيل”. والحال أنّ أي سلام حقيقي لن يتأتى في ظل وجود حكومة فلسطينية تُقصي “حماس” وتبعدها عن المشاركة السياسية. وهنا نورد بعض الخطوات التي يمكن للرئيس بوش اتباعها بهدف تصحيح المسار وتصويب الخلل:
– الإعلان عن تأييد ودعم الحوار بين “حماس” و”فتح” لإحياء حكومة وحدة وطنية، ثم فتح صلات دبلوماسية مع حركة “حماس”.
– ممارسة ضغوط دبلوماسية على جميع الأطراف لإطلاق مفاوضات فلسطينية ـ إسرائيلية.
– الدعوة إلى عقد مؤتمر للسلام بتعاون مع الشركاء في اللجنة الرباعية – الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة- وذلك على ضوء الالتزام الأميركي بحل الدولتين”، كما ورد في المقالة.
وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع ما ورد في الجزء المنشور من هذه المقالة؛ فإنها تجتهد في تلمس خط واقعي يتفهم حقائق الأمور على الأرض، أما تفكير بوش وأولمرت وعباس فيصدر إما عن أوهام أو كيد أو أحقاد أو قلة دراية، وربما محاولة تسديد أهداف في الوقت الضائع.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مرصد عالمي: نصف مليون شخص يواجهون خطر الموت جوعًا بغزة
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قال مرصد عالمي لمراقبة الجوع الاثنين إن سكان قطاع غزة بأكمله لا يزالون يواجهون خطر المجاعة الشديد وإن نصف مليون شخص...

تحذير من انهيار القطاع الصحي بغزة مع تعمق النقص الحاد بالتجهيزات الطبية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن أقسام العمليات والعناية المركزة والطوارئ باتت تعمل بأدوات طبية مستهلكة وفي ظل غياب أصناف...

سجن جندي احتياط إسرائيلي لرفضه القتال في الضفة الغربية
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت هيئة البث الإسرائيلية إن جندي احتياط إسرائيليا سجن 5 أيام بعد رفضه المشاركة في القتال في الضفة الغربية...

رفض حقوقي للخطة الأمريكية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام عبر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان عن رفضه التام للخطة الجديدة التي تروج لها الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق مع دولة...

33 شهيدًا و94 إصابة بعدوان الاحتلال على غزة في 24 ساعة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية وصول 33 شهيدا، منهم 29 شهيدا جديدا، و4 شهيد انتشال)، و94 إصابة، إلى مستشفيات غزة خلال...

أبو عبيدة: الإفراج عن الجندي الأسير عيدان ألكساندر اليوم الاثنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، قرارها، الإفراج عن الجندي الصهيوني الذي يحمل...

16 شهيدا بينهم أطفال بمجزرة إسرائيلية في مدرسة تؤوي نازحين في جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مجزرة فجر اليوم الاثنين، بعدما استهدفت مدرسة تؤوي نازحين في جباليا البلد شمال غزة،...