صفقة تبادل السجون تثير تفاعلات متصاعدة في الساحة الأردنية

لا تزال الصفقة الموقعة بين الحكومتين الأردنية والصهيونية لنقل أربعة أسرى أردنيين من سجون الاحتلال إلى السجون الأردنية؛ تثير حنقاً وسخطاً واسعين لدى فعاليات مدنية وشعبية في الأردن. وفي احتفالية أقيمت الثلاثاء (17/7) في النقابات المهنية، بمناسبة الطبعة الثانية لوثيقة أولى من نوعها في الأردن حول الأسرى؛ كان بارزاً ذلك السخط، على نحو دفع رئيس لجنة الحريات بنقابة المهندسين ميسرة ملص، إلى وصف ما جرى بصفقة “تبادل السجون”، وهو ما يتوقع تبنيه من قبل أطياف أردنية عديدة ومتنوعة.

وشنّ ملص هجوماً عنيفاً على ما سماه “التباكي” الرسمي “المفاجئ” على الأسرى الأردنيين، مستحضراً “تهريب” النصاب الذي قامت عليه الحكومة لإحدى جلسات مجلس النواب منتصف العام الماضي، لمنع المجلس من أداء دوره في مساءلة الحكومة عن جهدها في الإفراج عن الأسرى، ومنع حكومة أردنية أخرى، قبل ثلاثة أعوام، “حزب الله” في لبنان من إدراج الأسرى الأردنيين على لائحة الأسرى العرب التي طرحها الحزب، في إطار الصفقة الشهيرة مع الجانب الصهيوني، وكذلك حجب الدعم الإنساني والمادي عن ذوي الأسرى.

وبلغ عدد الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال بحسب أول وثيقة أردنية في هذا الخصوص خمسة وثلاثين أسيراً، نُقل أربعة منهم مؤخراً إلى السجون الأردنية، ضمن إطار ما عُرف داخل المعارضة الأردنية بـ”صفقة تبادل السجون”.

وأوضحت الوثيقة أنّ من بين الأسرى الثلاثة عشر الباقين في سجون الاحتلال: خمسة محكوم عليهم بالمؤبد، وهم منير مرعي ومحمد الريماوي ومرعي صبح وأحلام التميمي وعبدالله البرغوثي، وستة محكوم عليهم بعشرين عاماً سجناً فما فوق، وخمسة حازوا على أحكام بالسجن من عشرة إلى عشرين عاماً، فيما يبقى الآخرون تحت أحكام قضائية لا تتجاوز عقوبتها عشر سنوات.

ولفتت الوثيقة الانتباه، إلى أنّ الأسير الأردني عبدالله البرغوثي، المحكوم بـ 67 مؤبداً، هو الأكثر محكومية من بين الأسرى العرب في سجون الاحتلال، بمن فيهم الفلسطينيون، كما تحوز الأسيرة الأردنية أحلام التميمي على أكبر محكومية من بين الأسيرات العربيات والفلسطينيات في سجون الاحتلال.

وتتضمن الوثيقة رصداً للمفقودين الأردنيين من العسكريين والمدنيين منذ عام 1967، وينتهي هذا الرصد إلى نتيجة “ليست قاطعة” بأنّ المفقودين بلغوا 25 لدى سلطات الاحتلال، 16 منهم منذ عام 1967.

وقال معدّ الوثيقة، الباحث خضر مشايخ، إنّ العدد النهائي للمفقودين في السجون الصهيونية لا زال مفتوحاً، في ضوء المعلومات التي تتكشف يوماً بعض يوم من خلال الصحافة ووسائل الإعلام وروايات بعض الأسرى المفرج عنهم من داخل سجون الاحتلال.

واستذكر المشايخ شواهد عدة في ذات السياق؛ منها ردود رئيس حكومة الاحتلال السابق آرائيل شارون على المعارضة الصهيونية لصفقة تبادل الأسرى مع “حزب الله”، والتي قال فيها إنّ لدينا “بنك من الأسرى الأردنيين” يمكن التفاوض عليهم في المستقبل، وكذلك ما كشفه الصحفي الفرنسي جوناثان كوك قبل سنوات، من صور لسجون صهيونية سرية، فضلاً عن الروايات المنقولة عن بعض الأسرى الفلسطينيين حول مفاجأتهم بسجون سرية فيها بعض الأسرى العرب.

وقال المشايخ في تصريحات أدلى بها لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، إنّ الوثيقة تُعدّ الأولى من نوعها في الأردن، كما أنها ساعدت القوى المختلفة الرسمية والشعبية في الأردن على التبني الفاعل لقضية الأسرى الأردنيين.

وعن تعاطي الحكومة الأردنية مع الوثيقة؛ أوضح المشايخ أنّ الحكومة تفاعلت مؤخراً مع الوثيقة التي طبعت منها الطبعة الأولى عام 2004، ووجّهت له ثلاث “كتب شكر”، لكنّ ذلك التفاعل لا زال دون المستوى المطلوب.

وبمناسبة الفراغ من الوثيقة؛ أقامت لجنة الحريات بنقابة المهندسين الأردنيين، وصحيفة “السبيل” الأسبوعية بصفتها الراعي الرسمي لنشر الوثيقة ضمن إصداراتها الأربعة عشر، مساء الثلاثاء (17/7)، حفل إشهار للطبعة الثانية من الوثيقة في مجمع النقابات المهنية بمنطقة الشميساني وسط العاصمة الأردنية عمّان، وكان من بين الضيوف المناضل الفلسطيني بهجت أبو غربية، ورئيس تحرير صحيفة “السبيل” عاطف الجولاني، ورئيس لجنة الحريات بالنقابات المهنية ميسرة ملص، وكذلك نقيب المهندسين وائل السقا، ومعد الوثيقة خضر المشايخ.

وفي الاحتفالية لفت أبو غربية انتباه الحضور، الذي ضمّ في جزء منه أهالي بعض الأسرى والمفقودين، للجهد الغربي والصهيوني الدائم لعزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي والإسلامي، معتبراً جهود العزل تلك من “أخطر” ما تعرضت له القضية الفلسطينية.

وأشار غربية الى حوادث عدّة تعرض لها في مسيرته التي بدأت منذ ثورة عام 1936 تؤكد هذه الشكوك، موضحاً أنّ المطلوب من الشعوب العربية ليس الانتقال إلى فلسطين لنصرة القضية الفلسطينية؛ وإنما المقصود هو أن تكون هناك برامج تخدم القضية كبرامج محاربة “التطبيع” في بعض الدول العربية، مطالباً ببرنامج شعبي رديف لتلك البرامج لفك الحصار عن الشعب الفلسطيني.

بدوره؛ شارك الجولاني والسقا، ملص في نقده اللاذع للحكومة الأردنية، على ما سماها ملص “صفقة تبادل السجون”. وخاطب الجولاني الحكومة متسائلاً “لماذا وافقنا على قسمة ضيزى وصفقة ظالمة؟ ولماذا تعجلنا بإغلاق ملفهم بهذها الثمن الباهظ؟”، داعياً الحكومة إلى اغتنام فرص الصفقات الأخرى، مشيراً إلى الصفقة المحتملة لقاء الجندي الصهيوني الأسير لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة جلعاد شاليط، للإفراج عن باقي الأسرى الأردنيين، وكذلك إلى وضع قضية الأسرى ضمن الأولويات الأردنية.

من جهته؛ كشف الناطق باسم لجنة أهالي الأسرى الأردنيين في سجون الاحتلال، صالح العجلوني، لـ”المركز الفلسطيني للإعلام”، أنّ إدارة سجن قفقفا الأردني تراجعت عن قرارها بإلزام الأسرى الأربعة بارتداء زي السجون، تحت إصرار الأسرى على معاملتهم كـ”ضيوف وليس كسجناء”.

وقال العجلوني إنّ هذه الصفحة طويت، لكنّ الأسرى لا زالوا بانتظار الرد الحكومي على طلبات تقدّموا بها للحكومة، منها إتاحة الفرصة لهم لعقد مؤتمر صحفي.