الإثنين 12/مايو/2025

فنون دقّ الأسافين بين مسلمي فلسطين ومسيحييها تسويقاً لرواية إمارة ظلامية

فنون دقّ الأسافين بين مسلمي فلسطين ومسيحييها تسويقاً لرواية إمارة ظلامية

حملات تحريضية ضد حركة “حماس”، ينفخ في نارها مسؤولون ومتحدثون يتخذون من رام الله مركزاً لهم. تحريض لا يتوقف عند حد، بما في ذلك محاولة التلاعب بالنسيج الوطني الفلسطيني المتماسك، ودقّ الأسافين بين المجتمع الواحد بمسلميه ومسيحييه، واصطناع القصص الإخبارية المثيرة.

هذا ما جرى في الأسابيع الأخيرة على قدم وساق، وبلغ حدّ الزج بالعلاقة الودية المحكومة بالشراكة والانتماء الواحد، بين أبناء فلسطين المسيحيين والمسلمين، في أتون التحريض والاشتباك الإعلامي. وتسويقاً لرواية “الإمارة الظلامية” التي طابت لمحمود عباس، رئيس السلطة المدعوم أمريكياً، وتعزيزاً لمفردات مستقاة من الصحافة العبرية من قبيل “حماستان” وما في حكمها؛ جرى بدءاً من منتصف حزيران (يونيو) الماضي نسج حكايات مثيرة عن حملة اعتداءات ضد المنشآت المسيحية الفلسطينية في قطاع غزة، بدءاً من عباس ذاته، وانتهاء بجهاز التلفزيون الخاضع لإمرته، تماماً مثل مليشيات الاختطاف النشطة في أنحاء الضفة.

في هذا السياق تماماً؛ كان الدكتور إلياس جان آرتين، البالغ من العمر 46 عاماً، وهو من سكان حي الرمال بمدينة غزة، قد فوجئ بأنّ زملاءه من الأطباء في المستشفى الأوربي، أخذوا يستفسرون منه عن حيثيات ما نُقل عنه عبر “تلفزيون فلسطين”، وهو يتهم حركة حماس والقوة التنفيذية بالاعتداء على “مدرسة راهبات الوردية” ودير اللاتين بمنطقة “تل الإسلام”غربي مدينة غزة. الدكتور آرتين أبدى استغرابه مما نُسب إليه، ونفى تلك المزاعم جملة وتفصيلا، معبِّراً عن امتعاضه من انتحال اسمه لأغراض قال عنها إنها “دنيئة وتهدف إلى صب الزيت على النار”.

جاء ذلك بعد أنّ أقدمت المحطة المسماة “تلفزيون فلسطين” على انتحال اسم الطبيب المرموق آرتين، في سياق تقرير مختلق يوافق هوى رواية تحريضية، محبوكة بعناية في الأروقة الخلفية المحيطة برئيس السلطة محمود عباس.

وقال الدكتور إلياس جان آرتين، الذي يعمل رئيساً لقسم الجراحة بالمستشفى الأوربي في حديث صحفي له تعليقاً على ذلك إنّ ما حدث من انتحال لشخصيته واسمه يُعتبر “من أكبر الفظائع” التي أذهلته، مؤكداً أنّ ذلك يأتي في إطار الحملة المبرمجة التي يشنّها طرف فلسطيني عبر “تلفزيون فلسطين”، لإحداث الشرخ والوقيعة بين المسلمين والمسيحيين في قطاع غزة، بل في فلسطين والعالم بشكل عام.

وحذّر الدكتور آرتين من مغبة التعاطي مع مثل هذه الادعاءات والأباطيل “التي لا يمكن لها أن تذيب جزءاً ولو بسيط من العلاقة الوطيدة بين المسلمين والمسيحيين في قطاع غزة”، مشدداً على أنّ معظم المواطنين المسيحيين في غزة تربطهم علاقات وثيقة مع حركة حماس وقادتها.

وأضاف الدكتور آرتين متابعاً “أنا شخصياً تربطني علاقات مميّزة مع عناصر وقيادات حركة حماس، حيث أنّ الكثير من القيادات الحمساوية كان لي الشرف العظيم بعلاجهم وعلاج أبنائهم، بحكم عملي كطبيب”.

وتابع آرتين قوله “لم أذكر في يوم من الأيام أنّ خلافاً حدث بيني وبين أحد من المسلمين، ولاسيما من عناصر وقيادات حماس، فأنا أعتزّ بأني أنتمي إلى شعبي الفلسطيني الذي حافظ ومازال يحافظ على العلاقات الفلسطينية العظيمة، التي لا تفرِّق بين مسيحي ومسلم”.

وأشار الطبيب الفلسطيني البارز، إلى أنّ محاولات البعض لإرباك الساحة الفلسطينية وإدخالها في أتون الحرب الأهلية فشلت، ولا سيما أنّ الأمن الذي نشهده في هذه الأيام لم نشهده منذ عقود، مستبعداً بشكل قطعي أن يكون لحركة حماس وجناحها العسكري أي ضلع فيما تعرضت له مدرسة اللاتين المسيحية من اعتداء.

وأوضح الدكتور إلياس جان آرتين أنّ “الدعايات المسمومة” التي تخرج من هنا وهناك حول مستقبل قطاع غزة، بأن أوضاعه سيئة في ظل حكم حركة حماس باطلة ولا أساس لها من الصحة، مؤكداً أنّ الهدف منها الإظهار للعالم الخارجي عبر الوسائل الإعلامية أنّ غزة “تغرق بالدماء”، وأن الأمن معدوم فيها، داعياً كافة الأطياف الفلسطينية من مسيحيين ومسلمين إلى توحيد الصف الوطني من أجل التغلب على كافة العراقيل والعقبات التي تواجه شعبنا، بهدف تحقيق الطموحات التي ننشدها، كما قال.

وجدّد آرتين تأكيده على علاقته الشخصية الطيبة مع “حماس” وقيادتها قائلاً “علاقتي مع حماس أكثر من علاقتي مع فتح، وكلما واجهتني أي مشكلة أثناء عملي في المستشفى أتوجّه إليهم للعمل على حلّها”.

وتعليقاً على ما قام به “تلفزيون فلسطين”، الذي بات بعض المواطنين يصفونه بـ”تلفزيون الفتنة” من تقمّص لشخصية الدكتور آرتين؛ قال الناطق باسم حركة “حماس” فوزي برهوم، “إنّ فشل الماكنة الإعلامية التابعة لحركة فتح والتي تحاول التحريض على حركة حماس، من خلال نشر الأكاذيب والأضاليل، جعلها تتّجه إلى محاولة الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين، من خلال اتهام حماس بحرق مدرسة اللاتين بغزة، وتقمّص شخصيات مسيحية بأسماء مصطنعة لصالح ترويج الإشاعات والأكاذيب التي ليس لها أساس من الصحة”.

واعتبر برهوم أنّ ما حدث من تقمّص لشخصية الدكتور آرتين؛ “دليل واضح على إدانة تلفزيون فلسطين وكشف زيفه وأباطيله التي مارسها في السابق ومازال يروِّجها”، مؤكداً احترام حركة “حماس” للمسيحيين والعاملين بالمؤسسات الدولية، “حيث العلاقة الحميمة والوطيدة التي تربطنا بهم، وذلك من الواجب الشرعي والأخلاقي”.

وعلق برهوم على الاتهامات التي كان قد أطلقها رئيس السلطة محمود عباس لحماس بالمسؤولية عن الاعتداء على مدرسة اللاتين بغزة، قائلاً “أعتقد أنّ المسيحيين، وعلى لسان الأب مانويل مسلّم رئيس طائفة اللاتين في قطاع غزة؛ رفضوا تلك الاتهامات لحماس”. وأكد برهوم أنّ حماس تعمل على حماية المقدسات المسيحية وكذلك المؤسسات الدولية بما فيها الصليب الأحمر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينين “الأونروا”، بما يتيح لتلك المؤسسات تأمين مصالحها وحياة عامليها وممارسة عملها بشكل طبيعي.

وكان الأب مانويل مسلّم، رئيس طائفة اللاتين في قطاع غزة، والذي يحظى بالاحترام في المجتمع المحلي بالقطاع، قد وصف الاعتداءات التي استهدفت مدرسة “راهبات الوردية” ودير اللاتين في غزة، خلال حملة دحر التيار الانقلابي بالأجهزة الأمنية، بأنها استغلال من بعض اللصوص للأحداث التي نجمت عن الاشتباكات الميدانية، موضحاًَ أنّ مسلحين ملثمين قاموا بنهب المدرسة وإضرام النار فيها خلال الاشتباكات التي وقعت في محيط المقرات الأمنية التي سيطرت عليها “حماس”.

وأضاف الأب مسلّم أنه تم خلال الاعتداء إحراق نسخ من الإنجيل وتدمير الصلبان داخل المدرسة والكنيسة، وسرقة بعض أجهزة الحاسوب، وجرى تقدير قيمة الأضرار التي لحقت بالمدرسة والكنيسة بأكثر من مائة ألف دولار، مشدداً على أنّ مثل تلك الأحداث لن تؤثر على صفو العلاقات بين المسلمين والمسحيين، وقال “المسيحيون لا يخافون. المسيحيون بين شعبهم، وقوتهم من شعبهم وصلابتهم من صلابة شعبهم، وبالتالي لن يدخل (ما يعكر الصفو) بين هؤلاء الناس، ولا أي مفسد أو مغرض يقدر أن يهدم علاقة بنياناها بدمنا وبشهدائنا وبصراعنا سنوات طويلة”.

من جانبها؛ كانت حكومة تسيير الأعمال الفلسطينية، قد نددت على لسان الدكتور باسم نعيم، بالهجوم الذي تعرضت له المدرسة الدينية والدير، لافتاً الانتباه إلى أنّ الجهات التي تقف وراءها تهدف إلى إشعال الفتنة، وقال “نحن كحكومة فلسطينية وباسم دولة رئيس الوزراء الأستاذ إسماعيل هنية، نعبِّر عن استهجاننا وإدانتنا واستنكارنا لهذا الحادث الآثم، وبكل تأكيد لم يرتكب مثل هذا الحادث إلا إنسان جبان لا يدرك عواقب مثل هذه الفعلة الشنيعة، وكذلك لا يدرك عمق العلاقة التي حاول أن يخرِّبها بهذا الحادث الآثم ما بين المسلمين والمسيحيين في هذا البلد”.

وكان محمود عباس قد حمّل حركة حماس في خطابه التحريضي ضدها منتصف حزيران (يونيو)، مسؤولية الاعتداء على الكنيسة، طبقا لما أوردته “وفا”، غير أنّ الأب مسلّم رفض تحميل أي جهة المسؤولية، وأضاف أنّ المسيحيين عاشوا بسلام وأمان مع المسلمين في فلسطين منذ سنوات طويلة، متهما الذين قاموا بالاعتداء بمحاولة إثارة فتنة بين أبناء الديانتين.

وتأكيداً لحسن الصلة والشراكة الوطنية؛ بادرت حكومة تسيير الأعمال، وكذلك حركة “حماس”، باتصالات وزيارات للمنشآت الدينية المسيحية المعنية في غزة، وسط لفتات تضامنية. كما أنّ استعادة قطاع غزة للأمان المفقود، وقطع دابر الفلتان الأمني والفوضى المسلّحة، أتاح لشركاء الوطن جميعاً حالة من الاستقرار الداخلي بدت حتى وقت قريب وكأنها مستحيلة الحدوث.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات