رفض فلسطيني وعربي يفشل مسعى عباس لاستدعاء القوات الدولية إلى غزة
ولا يخفى أنّ هذه الدعوة المتعلقة بالقوات الدولية، جاءت غير منفصلة عن حملة التحريض الخارجية التي يقوم بها عباس ضد حركة “حماس”، خلال جولته الأوربية الحالية، وقد لوحظ في هذا الصدد أنه دعا علناً وبطريقة فظة، في مؤتمر الاشتراكية الدولية الذي انعقد في جنيف إلى عزل الحركة، كما فعل أثناء لقاءاته بالمسؤولين الفرنسيين.
فكرة ليست بريئة
ووفقاً لمحللين سياسيين؛ فإنّ الحديث عن طلب قوات دولية كما هو مقرّر في القانون الدولي؛ إنما يكون للفصل بين أطراف عسكرية متحاربة، أو لحماية المدنيين من قوة احتلالية، وفي الحالتين فإنّ استدعاءها ليس له ما يبرِّره منطقياً في قطاع غزة، لأنّ القوات الصهيونية انسحبت منه عام 2005 ، فيما اختفى النزاع بين “حماس” وبين تيار من حركة “فتح” كان يسيطر على بعض الأجهزة الأمنية بغزة، بعد أن تمكنت الأولى من وضع حد له في القطاع قبل نحو ثلاثة أسابيع.
وبالتالي؛ فإنّ فكرة استدعاء قوات دولية في ظل الظروف الراهنة، بحسب مراقبين، ليست فكرة بريئة، بل تحيط بها الشبهات من أكثر من جانب. فهي أولاً على صلة بالأزمة الفلسطينية الداخلية، وتحديداً فيما يتعلق برغبة رئيس السلطة وفريقه لاستعادة ما يعتبرونه “الشرعية” في القطاع، بعد أن فقد رموزهم زمام السيطرة على الأجهزة الأمنية، أي أنّ هذه القوات يُراد منها أن تنحاز لطرف فلسطيني على حساب آخر، أو أن تُستغل من طرف فلسطيني ضد آخر.
تخدم الانقسام الفلسطيني
ثم إنّ هذه الفكرة، ثانياً، ستخدم الكيان الصهيوني بشكل مؤكد، ولذا لم يعترض عليها، بل ربما يدفع بها هو والولايات المتحدة بطرف خفي، لأكثر من سبب، مثل تفاقم الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي. فهي ستؤكد عملياً الفصل بين الضفة وغزة، وتساعد على ضرب المشروع الوطني الموحد. ولأن الانتخابات المبكرة ـ كما تلوح بها “فتح” والسلطة ـ لا تكون إلاّ بالتوافق الوطني، خصوصاً أنّ لحماس الأغلبية في مجلس تشريعي منتخب، لذا فإنّ إجراءها بدون موافقة الحركة سيزيد من حدة الانقسام في الشارع الفلسطيني.
وعلاوة على ذلك؛ فسيتم الاستفادة من مقترح عباس لنشر تلك القوات على الحدود المصرية ـ الفلسطينية كما يتوقع، لمنع ما يسمى بتهريب السلاح، وبذريعة أنّ مصر “لا تقوم بواجبها” في أداء هذه المهمة. ولتأكيد ذلك؛ فإنّ الاحتلال الصهيوني رفض دعوة السلطة الفلسطينية لاستدعاء قوات دولية قبل انسحابه من غزة لحماية الشعب الفلسطيني من جرائمه واعتداءاته، أو للفصل بين حدوده وبين الحدود الفلسطينية.
اختبار حقيقي للدعوة الغريبة
ويستغرب المراقبون من دعوة عباس لطلب هذه القوات لغزة فقط، ولأغراض “انتخابية” وفق ما يتذرّع به، ذلك أنّ رئيس السلطة كان يمكن أن يستدعي من أجل العملية الانتخابية مراقبين دوليين، بينما لا يطلبها للضفة الغربية والقدس حيث ما يزال الاحتلال قائماً، وبالإمكان أن يسهم وجودها في حماية سكانها من هجمات الاحتلال، لاسيما المدنيين منهم.
ولاختبار النوايا الحقيقية للاحتلال من القوات الدولية ـ ولعباس أيضاً ـ يفترض بعض المراقبين تكهنات عدة عن الخلفيات التي تمنع رئيس السلطة من اقتراح استقدامها لقطاع غزة والضفة الغربية معاً، ليُرَى رد الفعل الصهيوني بدقة، طالما أنه قد طرحها حالياً للقطاع فقط ولقيت قبولاً أو حتى تشجيعاً صهيونياً.
وبالنظر إلى جملة الأسباب السابقة وغيرها؛ جاء رفض الفكرة التي يروِّج لها عباس بدأب، من قبل الفصائل الفلسطينية الرئيسة وقوى المقاومة، ومن قبل دول عربية متعددة.
رفض الفصائل والشخصيات الفلسطينية
فضلاً عن حركة “حماس”؛ فقد رفضت طلب عباس لتمركز قوات دولية بالقطاع، أيضاً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة الجهاد الإسلامي وشخصيات فلسطينية، إضافة لعدد من الأجنحة العسكرية المقاومة التي قالت أنها ستتعامل معها (القوات الدولية) كقوات احتلال.
ويمكن تلخيص أهم انتقادات هذه الفصائل لهذا التوجّه الذي لم ترحب به، في ما يلي:
1ـ أنه يصبّ الزيت على نار الخلاف الفلسطيني الراهن، ويزيد من حدّة توتره بدلاً من البحث عن حل له من خلال الحوار.
2ـ أنه يشرع الأبواب أمام التدخلات الخارجية، ويندرج في إطار الاستقواء بالخارج.
3ـ أنه يُلحِق أضراراً بالمقاومة وأمنها، ويخدم أمن الكيان الصهيوني.
4ـ أنه قد يُسهِم في تدويل الأزمة الفلسطينية الداخلية، ويضيف إلى الشعب الفلسطيني احتلالاً آخر أو ضرباً من ضروب الوصاية الخارجية عليه.
5 ـ أنه قد يؤدي إلى ضرب الوحدة الوطنية، والتدخل في شؤون الشعب الفلسطيني الداخلية.
6 – أنه سيفتح الباب على مصراعيه أمام جبهة مواجهة جديدة ستضطر المقاومة الفلسطينية إلى خوضها، مع تلك القوات “الدولية” التي ستتعاون حتماً مع الجانب الصهيوني، علاوة على مواجهة قوات الاحتلال.
تحذير عربي
أما على المستوى العربي؛ فقد أكد مسؤول مصري مطلع رفض القاهرة لـ”فكرة جلب قوات دولية على حدود مصر مع قطاع غزة الفلسطيني”. وأوضح المسؤول “أنّ مصر أبلغت هذا الموقف لمحمود عباس، فيما وجّهت مصادر أردنية مسؤولة نقداً خفياً لأداء عباس تجاه هذه المسألة، لأنها من وجهة نظرها تسلِّح حكومة الاحتلال بورقة مهمة تطالب استناداً إليها بعدم الإقدام على أي خطوة على طريق التسوية للقضية الفلسطينية، قبل إجراء انتخابات تشريعية فلسطينية مبكرة، وتشكيل الحكومة التي ستنبثق عنها، وتمثل الأغلبية المقبلة.
أما الرئيس اليمني علي عبد الله صالح؛ فقد أعلن أثناء استقباله مبعوث رئيس السلطة إلى صنعاء، نبيل عمرو، معارضة بلاده لوجود قوات دولية في الأراضي الفلسطينية، مؤكداً أنّ “وجودها في ظل الاحتلال لا يستقيم مع حقائق الواقع الفلسطيني وما تقتضيه مصلحة الشعب الفلسطيني”، حسب ما شدّد عليه.
تغريد عباس خارج السرب
ليس هذا هو الإخفاق الأول لعباس، فقد أخفق قبلها في خطوات عدة، كان آخرها تأمين غطاء عربي لعزل “حماس” وشطبها نهائياً، وإنهاء أي مسعى فلسطيني أو عربي أو إسلامي يدعم إنهاء التأزم الراهن بينهما بالحوار والتفاوض، كما دلت على ذلك التصريحات الرسمية العربية المناقضة لرغبته.
ولاشك أنّ عدم تراجع عباس عن قراره باستدعاء قوات دولية ـ بغض النظر عن الصعوبات التي تكتنف إمكانية تحقيقه داخليا وإقليميا ـ؛ إنما يؤكد حقيقة أنه بات يغرد خارج السرب الفلسطيني والعربي والإسلامي، مراهناً على دعم الغطاء الخارجي (خصوصا الأمريكي ـ الصهيوني) الذي لا يستند إلى أرضية صلبة، وكنتيجة لذلك فإنه سيدفع بنفسه إلى مزيد من العزلة عن محيطه الداخلي، والعربي الذي يدعو أغلبه إلى الحوار وحل الخلافات في الساحة الفلسطينية بالتفاهم الأخوي، وتوحيد الصف الفلسطيني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

أهالي طلاب مدرسة بنات القدس يحتجون على إغلاقها من الاحتلال
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام احتج أهالي مدرسة بنات القدس، يوم الأحد، على إغلاق قوات الاحتلال مدرستهم التابعة لوكالة الغوث وتشغيل...

مركز حقوقي: فظائع سديه تيمان تستوجب محاكمة قادة الاحتلال كمجرمي حرب
بيروت- المركز الفلسطيني للإعلام أكد مركز فلسطين لدراسات الأسرى (مستقل) أن "ما كشفته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عن الانتهاكات الصادمة التي تُرتكب في...

الصحة بغزة: 19 شهيدا و 81 إصابة وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة وصول مستشفيات قطاع غزة 19 شهيدا، و 81 إصابة خلال 24 ساعة الماضية....

المقاومة توقع قوة إسرائيلية بكمين في حي الشجاعية
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، تنفيذ عملية مركبة في حي الشجاعية بمدينة غزة، أمس السبت، أسفرت...

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....

حماس: الموقف العربي من حرب التجويع والإبادة لا يرقى لمستوى الجريمة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام شددت حركة "حماس" على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة حرب مركبة في غزة، باستخدامها التجويع سلاحا ضد...