بلير .. خدمة الكيان الصهيوني تتواصل من رئاسة الوزارة إلى الرباعية

وتحدث الدبلوماسيون السابقون في حينها عن استيائهم لتبني رئيس الحكومة البريطانية آنذاك لخطة رئيس الوزراء الصهيوني في تلك المرحلة، آرائيل شارون، أحادية الجانب، والتي اشتملت على الانسحاب من قطاع غزة، واصفين سياسة شارون تلك بـ “غير الشرعية”، معتبرين الأمر بأنه “تخل عن مبادئ دعمتها الأسرة الدولية لحل الأزمة (بين الفلسطينيين والصهاينة) خلال 40 عاماً”، على حد تعبيرهم.
ترحيب أمريكي ـ صهيوني مبرّر
وذكر محللون بريطانيون أنّ الأخطاء الفادحة التي ارتكبها بلير في مجال السياسة الخارجية لبلاده، لاسيما في السنوات الست الأخيرة من ولايته، تكمن في أنه اختار أن يقف ودون شروط مع الولايات المتحدة، في وقت كانت فيه واشنطن في قبضة جماعة “المحافظين الجدد” المؤيدين للكيان الصهيوني من جهة، ولتجاهله على نحو منتظم نصائح الدبلوماسيين العاملين بمكتب شؤون الكومنولث والشؤون الخارجية (وزارة الخارجية)، مفضلاً بدلاً من ذلك أن يتلقى نصائحه من اتباعه المقربين ومستشاريه الخصوصيين الذين كان بعضهم ـ كما قال الكاتب المعروف المتخصص بالشؤون العربية البريطانية باتريك سيل ـ في بعض الحالات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالكيان الصهيوني.
ولعلّ ما سبق يفسِّر جانباً من مسارعة البيت الأبيض للترحيب بتعيين بلير في مهمته مبعوثاً جديداً للرباعية الدولية في الشرق الأوسط، والدفع بذلك الأمر بعد استقالته من رئاسته للحكومة البريطانية قبل أيام، واتصال الرئيس الأمريكي جورج بوش به لشكره على موافقته التفرغ لهذه المهمة.
كما لم يكن مستغرباً بموازاة ذلك؛ ترحيب وزارة الخارجية الصهيونية، على لسان المتحدث باسمها مارك ريغيف، بتعيين بلير، معتبراً أنّ الكيان الصهيوني سعيد “لفكرة العمل معه” بوصفه صديقاً لحكومة الاحتلال. فيما قال المتحدث باسم رئيس الوزراء الصهيوني إيهود أولمرت إنّ الأخير “يعتقد أنّ بلير يمكن أن يترك تأثيراً مهماً”.
وتضمّ الرباعية الدولية كلاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا. وهي تسعى منذ 2003 لدفع خطة أعدتها تعرف بـ”خارطة الطريق| للتوصل إلى ما يقال إنه “إرساء للسلام في الشرق الأوسط”، على أساس مبدأ قيام دولتين (فلسطينية وصهيونية) تعيشان جنباً إلى جنب في سلام وفقاً لمخططات الرباعية. لكن هذه الخطة بقيت حبراً على ورق منذ إطلاقها، أما الرباعية فكثيراً ما بدت “أحادية” جراء هيمنة الولايات المتحدة عليها.
الأمريكيون يواصلون السيطرة عليه
ومقابل هذا الترحيب الصهيو ـ أمريكي؛ فإنّ هناك ارتياباً فلسطينياً من مهمة بلير الجديدة على مستوى الشارع والفصائل الفلسطينية، للأسباب نفسها، ولم يُخْفِ الفلسطينيون عدم ترحيبهم به أو ثقتهم بدوره.
وربما للأسباب ذاتها شكّك بعض الدبلوماسيين الأوروبيين في قدرة بلير على حشد تأييد علني واسع النطاق من الفلسطينيين، بينما عبّرت روسيا عن انتقادها لاختيار بلير في هذا المنصب.
وفي إطار ردود الفعل التي صدرت فلسطينياً بهذا الشأن؛ قال الناطق باسم رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور غازي حمد إنّ “التجربة مع توني بلير خلال سنوات ترؤسه للوزراء في بريطانيا لم تكن مشجعة، إذ كان غالباً ما يتبنى الموقف الأمريكي وليس له موقفه المستقل والمحايد والمؤثر تجاه ما يجري في الشرق الأوسط، لكن مع ذلك نتمنى أن يكون منصفاً وعادلاً وأن يستوعب حقيقة الصراع الدائر في الشرق الأوسط بما يمكنه من الإسهام في حله”.
بدوره؛ ندّد المتحدث باسم حركة “حماس” فوزي برهوم، بقرار تعيين بلير مبعوثاً للرباعية. وقال إنّ شخصية توني بلير “غير مرغوب فيها وغير مرحّب بها فلسطينياً، لأنه لا يليق لها أن تكون أمينة على طموحات الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال والإفراج عن الأسرى وعودة اللاجئين”.
وأشار برهوم إلى أنه لا يتوقع أن يلعب بلير دوراً منصفاً، بل “سيبقي منقاداً من قبل أمريكا، ولن يؤدي دوراً حقيقياً تجاه حل عادل للقضية الفلسطينية”، وفق تحذيره.
وكان الترحيب الفلسطيني الوحيد قد جاء من طرف السلطة التي يتبنى فريقها اتفاقات أوسلو، وتحظى بدعم أمريكي ـ صهيوني معلن. فقد قال صائب عريقات، الذي يحمل وصف “كبير المفاوضين الفلسطينيين”، إنّ رئيس السلطة محمود عباس يرحب بتعيين بلير. ولم يُخْفِ عريقات أنه تمت استشارة عباس بذلك، وأعلن أنّ الأخير سيعمل جنباً إلى جنب بلير للتوصل إلى ما سماه “حل الدولتين”.
آراء الشارع الفلسطيني
ميدانياً؛ اعتبر الشارع الفلسطيني تعيين توني بلير مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية الدولية بأنه “لن يغيِّر” شيئاً لصالح الفلسطينيين. وأوضحت شريحة من المواطنين في قطاع غزة قام “المركز الفلسطيني للإعلام” باستطلاع رأيها، أنه على النقيض من ذلك سيخدم هذا التعيين المصالح الصهيونية، وربما سيخفي مخططات مريبة قد يكون من بينها محاولة فصل الضفة الغربية عن غزة.
وقالت المواطنة علا الحلو (24 عاماً)، إنّ “كل ما يحدث هو لخدمة مصالح الكيان الصهيوني، ومن الممكن أن يكون تعيين بلير مخططاً لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، لأنهم قطعوا أي اتصال بين الضفة وغزة”. ولم تُبدِ الحلو أي تفاؤل “من حدوث أي اتفاقيات بين حماس وبلير، لأن عقلية بلير تختلف عن عقلية حماس”.
كما شكّك المواطن وليد حجاج (35 عاماً)، في إمكانية مساعدة بلير للفلسطينيين في إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الكيان الصهيوني، وقال “إنّ بريطانيا هي التي جاءت بالاحتلال الصهيوني وأنشأت لهم (الصهاينة) وطناً قومياً، فهل ستقيم للفلسطينيين دولة في بلدهم؟!”.
وأضاف حجاج وهو تاجر في غزة “عندما كان بلير رئيساً لوزراء بريطانيا لم يفعل شيئاً، ولا أعتقد أنه سوف يفعل الآن أي شيء، وهو لن يغيِّر في السياسة الراهنة”. ورأى أنّ “قرار تعيين بلير هو قرار يهدف للتضييق على حركة حماس أساساً، وتابع قوله إنّ الشعب الفلسطيني “عاش في فترة غيبوبة سابقة ولا يدري بما يحدث من حوله، وإلاّ لما وصلنا إلى هذه المرحلة”.
ورأى الطبيب منذر (32 عاماً)، والذي فضّل عدم ذكر اسم عائلته، أنّ “فرصة بلير كانت في السابق في انتهاج سياسة عالمية لبريطانيا ولكنه لم يفعل شيئاً، وهو الآن لن يستطيع فعل شيء حتى لو أراد، لأنه لن يتعامل مع حركة حماس إلا بموافقة الحكومة الأمريكية”.
وقال المواطن معمر لولو (32 عاماً)، الذي يعمل في مكتب عقارات، “لا أعتقد أنّ وجود بلير سوف يساعد القضية الفلسطينية، لأنه لم يساهم من قبل في مساعدة الشعب الفلسطيني عندما كان رئيساً لوزراء بريطانيا”.
بين لبنان وبلير
وبالعودة إلى سياسات بلير تجاه العالم العربي إبان ترأسه لحكومة بلاده، والتي لا تجعله محل ثقة لعمل يتعلق بأمن المنطقة ومستقبلها؛ تنتصب آخر فضائحه الإنسانية، وهي رفضه للنداءات الدولية الداعية للتوصل إلى وقف سريع لإطلاق النار بين الكيان الصهيوني و”حزب الله”، بعد أن شنّ الجيش الصهيوني حرباً على لبنان في الصيف الماضي تضرّر منها المدنيون اللبنانيون العزّل وبنية بلادهم التحتية. وقد اقتفى بلير بذلك نهج الرئيس الأمريكي جورج بوش، في محاولة لإتاحة الفرصة لجيش الاحتلال من أجل إتمام مهامة العسكرية التدميرية، والإجهاز على حزب الله اللبناني، ولكن دون جدوى.
ويبقى واضحاً بالنسبة لكافة الأطراف في المنطقة، أنّ سجل توني بلير في علاقاته مع كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والعالم العربي والشعب الفلسطيني؛ لا تسمح بأية مساحة للتفاؤل عربياً وفلسطينياً، بعد أن أُسندت له مهمة الرباعية الدولية مؤخراً. بل ثمة خشية لدى المراقبين من أن يستخدم منصبه للاستمرار في خدمة الكيان الصهيوني كما قطع عهداً على نفسه في آخر عشاء سنوي للمنظمة المسماة “أصدقاء إسرائيل” البريطانية، حينما قال مخاطبا الحشد المؤيد للكيان الصهيوني “ستبقى بريطانيا الصديق القديم والداعم لـ”إسرائيل”، صداقة حقيقية ودائمة في كل الأوقات العصيبة والجيدة على حد سواء، ولن نساوم في علاقتنا على المصالح السياسية”، حسب ما ذكر، وهو ما سيقوم بترجمته بشكل صارخ وفق ما يبدو في موقعه الجديد.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يقتحم مجمع المدارس في حلحول ويشدد إجراءاته العسكرية في الأغوار
الخليل - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب عدد من الطلبة بالاختناق، اليوم الأحد، جراء اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي منطقة مجمع المدارس في بلدة حلحول...

إصابة مواطنين برصاص الاحتلال في بنت جبيل جنوبي لبنان
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب شخصان برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الأحد، في بلدة مارون الراس الحدودية، قضاء بنت جبيل، جنوب لبنان....

حماس: الموقف العربي من حرب التجويع والإبادة لا يرقى لمستوى الجريمة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام شددت حركة "حماس" على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ترتكب جريمة حرب مركبة في غزة، باستخدامها التجويع سلاحا ضد...

السلطة تقطع رواتب عدد كبير من الأسرى في سجون الاحتلال
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام أقدمت السلطة على قطع رواتب عدد من الأسرى والأسيرات، والمحررين والمحررات، في خطوة أثارت استياء واسعًا في...

الأورومتوسطي: إسرائيل تقتل امرأة فلسطينية كل ساعة في قطاع غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل بالقصف المباشر على قطاع غزة ما معدله 21.3 امرأة...

الصحة تحذر من تسارع مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وزارة الصحة من أن مؤشر النقص الحاد في الأرصدة الدوائية في "تسارع خطير"، فميا أفادت بأن مستشفيات القطاع استقبلت...

الأونروا تحذر من ضرر غير قابل للإصلاح مع إطالة أمد الحصار الإسرائيلي
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن إطالة سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى...