الإثنين 12/مايو/2025

عباس يفشل في توفير غطاء عربي لعزل حماس وقطع الحوار معها

عباس يفشل في توفير غطاء عربي لعزل حماس وقطع الحوار معها
تلقى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس صفعة قوية لم تكن في حسبانه في لقاء شرم الشيخ، ففي الوقت الذي كان يؤمل فيه أن يمنحه الاجتماع الرباعي غطاء على المستويين العربي والدولي لتوجّهه المدعوم أمريكياً وصهيونياً في محاولة عزل “حماس” ورفض إجراء أي حوار معها؛ جاء خطاب الرئيس المصري الذي دعت دولته للقاء ورتبت التحضيرات المتعلقة به، ليحمل له ولرئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت مفاجأة غير سارة، وذلك حينما دعا إلى “إنهاء الخلافات، وتوحيد الصف الفلسطيني من خلال العودة للحوار، والخلوص إلى موقف مشترك يتحدث باسم شعبهم وقضيتهم”.

                               اتساع مساحة التأييد للحوار

ويبدو أنّ مساحة التأييد للحوار بين الفصائل على مستوى الساحة الفلسطينية المأزومة آخذة بالاتساع عربياً ودولياً، وهو ما سيزيد من حرج رئيس السلطة الفلسطينية وفريقه الرافض لها بتعنّت. فقد شدّد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى على أنّ “الحوار بين الأطراف الفلسطينية هو السبيل الأوحد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في فلسطين” على حد تعبيره، ووصف مطالبة الرئيس محمد حسني مبارك بالحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني “بالأمر المهم”.

وفي الاتجاه نفسه؛ أعرب مجلس الوزراء القطري عن ترحيبه بالدعوة التي أطلقها الرئيس مبارك لحركتي “فتح” و”حماس” بالعودة إلى الحوار، وطالب الحكومة القطرية “بوقف تبادل الاتهامات على الصعيد الإعلامي لتهيئة الأجواء لعودة الحوار”.

وبالأساس فإنّ موقف المملكة العربية السعودية كان ولا يزال مع عودة “فتح” و”حماس” إلى اتفاق مكة مكرمة الذي رعته، ورغم تأييد الرياض لشرعية رئيس السلطة، فإنها لم تلغ شرعية المجلس التشريعي ووقفت موقفاً متوازناً إزاء طرفي الأزمة. ويتوقع مراقبون أن يكون للمملكة دور مستقبلي في استئناف المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين.

وعوضاً عن لقاء كان متوقعا عقده بين عباس وخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في عمّان الأربعاء (27/6) الجاري؛ فقد ذكرت مصادر مقربة من أجواء الاجتماع أنّ السعوديين طلبوا إلغاء الاجتماع وربما إرجاءه دون تحديد موعد دقيق، خلافاً لرغبة عباس.

                      سباحة ضد تيار المصالح الفلسطينية والعربية

 
على المستوى الدولي؛ برز الموقف الروسي حاسماً في رفض الموقف الأمريكي ـ الصهيوني المنحاز لعباس، والداعم له في استمرار في تأزيم الأوضاع الفلسطينية لا سيما بين “فتح” و”حماس”، محاولة نزع غطاء الشرعية عن الأخيرة. فقد انتقد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف السلوك الأمريكي ـ الصهوني “الذي يتبنى سياسة فرِّق تسد بين الفلسطينيين”، كما قال، وشدّد على ضرورة توحّد الصف الفلسطيني، وأن لا تكون الأراضي الفلسطينية ساحة لحرب أهلية.

وفي ظلال هذه المواقف المتسارعة؛ يبدو أنّ الجدار الذي أراد رئيس السلطة وفريقه المحيط به إقامته إثر التطورات الأخيرة في قطاع غزة لعزل “حماس”، بغطاء عربي وإسلامي، قد أنهار قبل تشييد اللبنات الأولى فيه. ليس هذا فحسب؛ بل سيجد عباس ومن معه أنهم في موقع لا يُحسَدون عليه إن استمرّوا في مواقفهم الراهنة، لأنهم بذلك يسبحون ضد تيار المصالح الفلسطينية العليا والأمن القومي العربي، خصوصاً وأنّ الأنظمة الرسمية العربية انتبهت مباشرة وقبل فوات الأوان على ما يبدو لخطورة الوقوع في شراك هذا المخطط الذي لا تخفى الأصابع الأمريكية ـ الصهيونية التي تحرِّكه خدمة لمصالحها.

وبهذا بات واضحاً سقوط دعوة رئيس السلطة والفريق المسيطر على حركة “فتح” لعدم الحوار مع “حماس” ما لم تعتذر عما اضطرت للقيام به في غزة، وتعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل إنهاء سيطرة “التيار الدحلاني” على الأجهزة الأمنية، وذلك لأسباب عديدة، كما أشار إليها مراقبون للوضع الفلسطيني والعربي: 

1ـ فمن المفارقات التي كانت مستغربة للشعب الفلسطيني والعربي والتي اختزنتها ذاكرتهم، أنه في الوقت الذي كان عباس يصر على عدم الحوار مع “حماس” كان يجلس على طاولة واحدة مع رئيس حكومة الاحتلال في اجتماع شرم الشيخ الذي وُصفت أجواءه بالدفء السياسي. بل من هناك أطلق عباس دعوته للبدء في ما قال إنها مفاوضات سلام مباشرة مع الصهاينة، مكرِّراً التزام الحكومة غير الدستورية التي عيّنها بشكل تعسفي واختار سلام فياض رئيساً لها بالاعتراف بالكيان الصهيوني.

2ـ كما أنّ تسارع الخطوات المريبة والتي مضت بعيداً في اختراق المألوف قد أربك تعامل المستوى الرسمي العربي مع عباس وفريقه. ومن ذلك تلك الإقالة الخاطفة لحكومة الوحدة الوطنية، وإنشاء حكومة طوارئ بشكل غير دستوري، وإعلان عباس عن تعليق العمل بمواد في النظام الأساسي للسلطة، وإصداره حزمة من المراسيم المثيرة للجدل، ورفض الحوار مع “حماس”، علاوة على مسارعة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتأييد هذه الخطورات، والحديث عن رفع الحصار عن الضفة الغربية، والإفراج عن الأرصدة المحتجزة لدى الاحتلال دعماً لعباس الذي جرى اعتباره الآن فقط “شريكاً” يمكن استئناف المفاوضات معه.

وبالتالي؛ فإنّ دعوة عباس الأخيرة، من حيث يدري أو لا يدري؛ تُعتبر برأي مراقبين حلقة ضمن مخطط كبير اسمه سياسة حصار “حماس”، بعد انتصارها السياسي الذي توّجته بأغلبيتها البرلمانية في المجلس التشريعي، والذي بدأ بعدم الاعتراف بها، ومحاولة إفشالها، ومرّ بمرحلة السعي إلى جرّ الأراضي الفلسطينية إلى حالة من الفلتان الأمني والحرب الأهلية. 

                     مآل تعنت تيار “فتح” المدعوم أمريكياً وصهيونياًً

3 ـ هناك أيضاً خشية عربية من أنّ خطوة عباس قد تؤدي إلى تكريس فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإقامة الدويلة الفلسطينية التي يجري التبشير بها كخلاصة لاتفاقات أوسلو في الضفة الغربية فقط، لأنّ عدم المسارعة في التئام شملهما جغرافياً وسياسياً مجدداً، من خلال إعادة الحوار والتفاوض من قبل رأسي السلطة والشرعية الفلسطينية (الحكومة والسلطة، وكذلك فتح وحماس)، قد يسهم في تحقيق الاستراتيجيات العليا المتطابقة أمريكياً وصهيونياً في هذا الفصل، وإقامة دولة ذات حدود مؤقتة في الضفة، في حين تبقى غزة التي يرغب الاحتلال أن تكون حالة خاصة من مسؤولية دولة عربية هي مصر، والتعامل معها بشكل من الأشكال، بحجة عدم إمكانية الاحتلال للتعامل مع حركة مقاومة تسيطر على هذه البقعة. ولا شك أنّ هذا السيناريو مرفوض مصرياً وعربياً، وقبل ذلك غير مستساغ لدى المزاج الفلسطيني العام.

4ـ أبدت حماس عقب التطورات الأخيرة في غزة استعدادها للعودة إلى الحوار بدون قيود أو شروط، وبعد دعوة الرئيس مبارك في لقاء شرم الشيخ لتوحيد الصف الفلسطيني من خلال العودة للحوار، أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني الشرعي إسماعيل هنية ترحيبه بالدعوة، موضحاً أنّ “حماس” جاهزة للشروع في الحوار الوطني مباشرة، في حين لا يزال عباس ومعه التيار المتنفذ في “فتح” على موقفهما الرافض لذلك، حتى الآن على الأقل.

ولا يمكن للأطراف العربية في هذا الصدد أن تتجاهل استمرار عباس وفريقه في إهمال الدعوات الفلسطينية والعربية الداعية للحوار الداخلي وصولا إلى حل الإشكالات في البيت الفلسطيني والعربي، مقابل المرونة التي تبديها “حماس”. وقد ظهر “فريق رام الله” بالفعل بمظهر المتعنتين، وهو ما يؤدي بالتدريج إلى عزلهم هم عن الآخرين، لا عزل “حماس” عن المحيط العربي، حتى لو دعمهم الأمريكيون والصهاينة. ويبقى من الواضح لكافة الأطراف؛ أنّ احتكار الشرعية لا يمكن أن تتأتى لعباس وفريقه مهما ذهبا بعيداً في تجاهل خيارات الناخبين الفلسطينيين وصناديق الاقتراع والمجلس التشريعي. وفي كل الأحوال؛ فإنّ التوجهات الرامية لعزل “حماس” لصالح أجندة صهيونية ـ أمريكية لا شك تصطدم في الآجل أو حتى العاجل بمصلحة عربية ترى في هذا النهج خطراً على الأمن الإقليمي بوجه خاص  وعلى الأمن العربي بوجه عام.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....