عاجل

الثلاثاء 13/مايو/2025

دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914

دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914

لولا جوانب من فصول بعض الكتب والمؤلفات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لكان كتاب الباحثة نائلة الوعري «دور القنصليات الأجنبية في الهجرة والاستيطان اليهودي في فلسطين 1840 – 1914» جديداً في موضوعه، وأكاد أقول وحيداً في ذلك. وهو فعلاً وحيد ورائد في تكريس نحو 400 صفحة وفي خمسة فصول، لتصب كلها في موضوع واحد.

صدر الكتاب حديثاً عن دار الشروق في عمان ورام الله، وتم الإعلان في الكتاب أن ريعه سيذهب الى مؤسسة القدس لدعم مشاريع تنموية في مدينة القدس.

اعتمدت الباحثة في تحقيق كتابها على وثائق منشورة وغير منشورة وأراشيف سرية وغير سرية لسفارات وقنصليات ووزارات خارجية ومراكز أبحاث، إن كانت في القدس – الأرشيف الصهيوني وسواه – وفي الآستانة – اسطنبول – عاصمة الدولة العثمانية، أو في عواصم الدول التي ساهمت قنصلياتها مساهمة مهمة في هجرة اليهود وتوطينهم في فلسطين واقتسم عدد منها أملاكاً وبلاداً من الدولة العثمانية كبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، والنمسا. كما اعتمدت الباحثة في جهدها الدؤوب والمُضني والمكلف وقتاً وجهداً وإمكانات لإنجاز كتابها على سجلات البلديات والمحاكم الشرعية في كل ا لمدن الفلسطينية التالية: القدس ويافا وعكا ونابلس وحيفا وغيرها، كونها هي التي تولت تسجيل ما تم بيعه والاستيلاء عليه وتوثيقه – بشتى الطرق والأساليب الشرعية وغير الشرعية – من أملاك وبيوت وأراضٍ أميركية – تتبع الدولة – وخصوصاً للعائلات والأفراد. هذا إضافة الى اعتمادها على مجموعة من المراجع والمخطوطات والمذكرات – مطبوعة وغير مطبوعة – من بينها مذكرات السلطان عبدالحميد الثاني نفسه الذي زادت في عهده (1876 – 1908)، وتيرة التكالب الاستعماري للاستحواذ على أملاك الدولة العثمانية، وعلى تكثيف حركة الاستيطان اليهودي في فلسطين بمساعدة قناصل تلك الدول.

فلماذا اختارت الباحثة السنتين المنوه عنهما 1840 – 1914 كمجال لدراستها؟

* إذا ما كانت الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام بقيادة نابليون بونابرت 1798 – 1801 قد تركت تأثيراتها المهمة في مركز السلطنة وفي بلاد الشام ومصر، خصوصاً أنها خرقت التفاهم غير المكتوب بين الدول الأوروبية الاستعمارية بعدم المس بأملاك السلطنة العثمانية التي كانت منتشرة على قارات ثلاث، هي: أوروبا، آسيا وأفريقيا. لتأتي الحملة الفرنسية خارقة ذلك «التوافق»، ولتبادر بريطانيا رداً على الخرق الفرنسي، الى مساعدة السلطنة والقوى الحلية – والي عكا أحمد باشا الجزار وغيره – في إحباط مساعي الحملة الفرنسية وإفشالها. مع ذلك فإنها أشرت وسارعت من وتيرة التدخلات الأجنبية في شؤون الولايات العثمانية، خصوصاً في بلاد الشام، وأسست لدعوة اليهود الى إقامة وطن قومي لهم في فلسطين – هكذا أعلن نابليون إذا ما ساعده اليهود في حربه بالمنطقة -.

ثم جاءت حملة إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا على بلاد الشام، وسعيهما إذا ما قُدر لهما الوصول الى الأستانة نفسها، الفرصة المهمة الثانية لتدخل الدول الأوروبية الاستعمارية في شؤون السلطنة ومساعدتها في طرد قوات إبراهيم باشا من بلاد الشام وإجباره على العودة الى داخل الحدود المصرية – السودانية، وتم ذلك ما بين عامي 1830 و1840. ومنذ ذلك العام 1840 وانعقاد مؤتمر لندن للدول الأوروبية والتفاهم بينها على معالجة أمور السلطنة العثمانية ومشاكلاتها، فإن وتيرة التدخلات الأوروبية ازدادت، خصوصاً أنها اعتبرت نفسها قد حمت السلطنة من السقوط في مواجهة خصمها وواليها محمد علي باشا. لذا فإن طلباتها ازدادت وأخذت أطماعها بأملاك السلطنة تتكشف تدريجاً. كما أخذت صراعاتها بين بعضها بعضاً طابعاً تنافسياً مكشوفاً، ولعبت قنصلياتها في مدن بلاد الشام الرئيسة أدواراً مهمة في تنفيذ سياسات دولها، ورصد كل ما تقوم به الدول المنافسة ومتابعته، ووضعت كل منها – الدول – نصب أعينها الأملاك المعنية التي تريد السيطرة عليها. وقد عالجت فصول الكتاب الخمسة فصولاً من هذه المسيرة التراجعية في قوة السلطنة وانحسار نفوذها وتدهورها، ووقوع الضحايا من أملاكها بين أيدي الطامعين الأوروبيين، خصوصاً في البلاد الشامية، ومن بينها التمهيد للمأساة الفلسطينية. وذلك بتسريع وتيرة تهجير اليهود من أوروبا وإسكانهم في فلسطين على حساب الفلسطينيين العرب حتى قيام الحرب العالمية الأولى سنة 1914. ومن ثم إعلان وعد بلفور الانكليزي سنة 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين كتحصيل حاصل لما كان قد تم إرساؤه وتنفيذه من قبل.

امتيازات وقناصل

فكيف نفذ قناصل الدول الأوروبية وسفراؤها في إضعاف الحياة العامة وحتى الخاصة في الولايات العثمانية، وكيف ساهموا في التمهيد لإرساء الوطن القومي لليهود في فلسطين، واحتلال مصر والبلاد الشامية والمغرب العربي من قبل القوى الاستعمارية؟

تُعيد الباحثة الأمر الى نظام الامتيازات الأجنبي – وغيره من الأسباب – الذي تم توقيعه بين ملك فرنسا فرانسوا الأول والسلطان العثماني سليمان القانوني سنة 1535.

أي في زمن كانت الامبراطورية العثمانية من القوة والمنعة، بحيث أنها لم تخش من آثار ومترتبات نظام الامتيازات هذا.

وبحسب ما تم التعريف به، فإنه يمنح الرعايا الأجانب المقيمين في الدولة العثمانية حقوقاً يمكنهم فيها عدم الخضوع لسلطات التشريعات الأهلية، كالقضاء والضرائب وغير ذلك. وكان يسمح للدول الغربية من إقامة محاكم خاصة بها. مما جعل تلك الامتيازات باباً للتدخل الأجنبي وإثارة الفتن الداخلية، وخطوة مهمة للسيطرة الأجنبية بعد ذلك، خصوصاً بعدما ضعفت الدولة العثمانية. الغريب أن اتفاقية نظام الامتيازات بين فرنسا والسلطنة العثمانية والتي جددت سنة 1735، وعقدت الدول الأوروبية الأخرى أمثالها مع السلطنة، لم تنص على أن يتم التعامل بالمثل في بنودها!

ومن أهم بنود تلك الاتفاقية:

* منح فرنسا حرية التنقل والملاحة في سفن مسلحة وغير مسلحة، وحق التجارة والمتاجرة في أرجاء الدولة العثمانية كلها بالنسبة الى رعايا ملك فرنسا، ومنح فرنسا حق التمثيل القنصلي مع حصانة قنصلية للقنصل وأقاربه والعاملين معه. يحق للقنصل الفرنسي النظر في القضايا وأن يستعين بالسلطات المحلية لتنفيذ أحكامه. أما في القضايا المختلف عليها، والتي يكون أحد أطرافها من رعايا السلطان العثماني، فلا يُستدعى ولا يستجوب رعايا الملك الفرنسي ولا يُحكم عليهم إلا بحضور ترجمان القنصلية الفرنسية، وحق العبادة لرعايا فرنسا، وغير ذلك من أمور.

واضح أن إجحافاً وافتئاتاً على مصالح السلطنة ومواطنيها قد وقع جراء هذه الامتيازات وأخذ يتكشف مع الأيام، خصوصاً بعد أن سارت على منوال الفرنسيين دول أوروبية أخرى. وأخذت توسع وتزيد من تدخلاتها ونشاطاتها في ما يعنيها ولا يعنيها من أمور السلطنة ومواطنيه. وعندما كان الأهالي يبادرون الى الشكوى من ذلك، فإنهم كثيراً ما كانوا يصطدمون بتلك الامتيازات التي أصبحت دولية، وليجدوا أن سلطانهم ودولته لا يمكنهما إلا إصدار «الفرمانات» التي تبقى حِبراً على ورق ومن دون قوة تنفيذ حقيقية!

الخلاصة التي توصلت اليها الباحثة من ذلك: ان الدول عندما تضعف فإن أي طامع قوي يمكنه النفاذ من ثغرات الضعف والاتفاقات ليُعلي من مصالحه ويكرس تدخله ويزيد ويضاعف منه. هكذا نفذت البلدان الأوروبية: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، النمسا، وغيرها من نصوص اتفاق الامتيازات الجائر ومن الضعف الذي أخذ يعتري الدولة العثمانية، وكرست مصالحها، وسرعت من وتيرة التراجع والانهيار في بنيان السلطنة، ومن وضع أسس ومداميك إقامة كيان صهيوني في فلسطين. إذ ان كل دولة من الدول السابقة وغيرها، أصبح لها حق حماية رعاياها والرعايا الذين يدينون بدينها أو مذهبها من رعايا السلطنة. كما انها فرضت حمايتها ورعايتها للرعايا اليهود في السلطنة. ولكل حاج أو زائر يفد حديثاً ويريد البقاء والعيش، خصوصاً في القدس والمدن الفلسطينية الأخرى. وكان لقنصليات تلك الدول في المدن الشامية والمصرية، وخصوصاً في فلسطين الدور المجلى والبارز في هذا الأمر.

لنقرأ نص رسالة وزير الخارجية البريطاني الى قنصله في القدس عام 1858 حيث جاء فيها: «ان حكومة بريطانيا تحاول جاهدة تكريس الوجود البريطاني في القدس وبالتالي في المدن الأخرى لحماية مصالحها الحيوية ورعاياها من الطائفة اليهودية، وعليكم القيام بواجبكم لحماية اليهود الوافدين الى فلسطين بذريعة الرحلات المقدسة التي سُمح لهم بها وإن تحولوا من دون قيام الباب العالي بمنعهم من الإقامة، وهذا واجب عسكري تُسألون عنه»!

وهناك رسالة سابقة من وزير الخارجية البريطاني بالمرستون وجهها للقنصل وليم يونغ في القدس سنة 1839 دعاه فيها الى تقديم كل عون ومساعدة ممكنة لليهود في إقامة خمس مزارع لهم – في فلسطين – وحمايتهم كذلك.

علقت الباحثة، ان رسالة بالمرستون – في نظر عدد من المؤرخين – عُدت واحدة من أبرز مدخلات النفوذ القنصلي الأوروبي والبريطاني خصوصاً في فلسطين وأشارت الباحثة الى أن نظام الامتيازات الأجنبي في السلطنة مثل رافعة أساسية للنظام القنصلي وسهل لها عملها في التخريب والتمزيق والتدخل، كونها: تمتعت – القنصليات – بنفوذ كبير اكتسبته من نصوص ولوائح الامتيازات التي حصلت عليها من الباب العالي.

– أدت الامتيازات التي حصلت عليها الدول الأوروبية الى خلق حال من التنافس وصراع القوى بين الدول الأوروبية على مناطق النفوذ في ممتلكات الدولة العثمانية، ولعبت القنصليات دوراً مهماً في ذلك.

– كما ان ذلك ساهم في تدفق الإرساليات الدينية والتعليمية والتبشيرية وغيرها، وأقيمت مراكز ثقافية ومدارس تعليمية وتبشيرية وكنائس وأبرشيات عدة. وادعت كل دولة من الدول الأوروبية انها ترعى وتحمي أقلياتها وطوائفها ومذاهبها الدينية، وقام صراع مرير في هذا الأمر، الى درجة قيام الفتن، وتوتير الطوائف وافتعال المشاكل، وتحريض فئات من الشعب على فئات أخرى دينياً وقبلياً، كما حدث في جبل لبنان سنة 1860، وكما حدث في نابلس وصفد والقدس وغيرها.

صحيح ان مناخاً علمياً وتعليمياً ازدادت وتيرته بين الناس، خصوصاً بين الطوائف المسيحية من رعايا الدولة العثمانية، وهذا وجه إيجابي يمكن تسجيله لنتائج التنافس الأوروبي. مع ذلك فإنه كان ممسوكاً وموظفاً في الأساس لمصلحة الدول الأوروبية الراعية.

هكذا فإن نظام الامتيازات وتدخلات القناصل في كل كبيرة وصغيرة من حياة السلطنة والناس وفرض حماية الأقليات بما فيهم وأساساً اليهود وتوطينهم في فلسطين، أدى – بحسب ما ذكرت الباحثة – الى:

1 – تمزيق أركان الدولة العثمانية في شكل تدريجي.

2 – مضاعفة وتيرة الأطماع الأوروبية في المنطقة.

3 – عرقلة إمكان تطور الرأسمال الوطني ومنع قيام صناعات وطنية تنافس الصناعات الأجنبية التي أخذت تتدفق على البلاد بعد قيام الثورة الصناعية في أوروبا، وتنافس مراكزها على استيراد المواد الأولية وتسويق المواد بعد تصنيعها وتصريفها.

توطين اليهود ونهاية السلطنة

تذكر الباحثة ان مشاريع عدة طُرحت في سياقات زمنية مختلفة لتوطين اليهود في فلسطين من قبل دول أوروبية عدة، ومن قبل رسميين وغير رسميين في هذا المجال… منها – بحسب ما ذكرت الباحثة -:

– ان رجل الأعمال اليهودي الانكليزي موسى مونتفيوري أجرى مباحثات مع محمد علي باشا – قبل فشل حملة ابنه إبراهيم على بلاد الشام – أسفرت عن حص

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

المقاومة تقصف عسقلان وأسدود وغلاف غزة

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تبنت " سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم، قصف اسدود وعسقلان ومستوطنات غلاف غزة برشقات...