الإثنين 12/مايو/2025

إطفاء الحرائق لا يجدي نفعاً مع التيار الانقلابي الذي يخوض مشروع الفتنة

إطفاء الحرائق لا يجدي نفعاً مع التيار الانقلابي الذي يخوض مشروع الفتنة
أعادت شخصيات قيادية في حركة “حماس” فتح ملف ما تطلق عليه التيار الانقلابي بحركة “فتح” في توقيت متزامن مع الحوارات التي أجراها المسؤولون الأمنيون المصريون معها، ومع الفصائل الفلسطينية الأخرى بالقاهرة، قبل أيام قليلة، لنزع فتيل الاقتتال الداخلي، ولمناقشة إمكانية قبولها بتهدئة جديدة مع الكيان الصهيوني.

ورأى مراقبون أنّ التصريحات التي صدرت عن هذه القيادات لا تسعى إلى التصعيد الإعلامي بقدر ما تريد لفت الانتباه إلى ضرورة المكاشفة الحقيقية، ومعالجة الأسباب العميقة للاقتتال، حتى لا يكون وقف إطلاق النار في غزة والذي أنهى الاشتباكات الأخيرة بين حركتي “فتح” و”حماس”، مجرد إطفاء للحرائق فقط.
 
                                 معالجة الأسباب الجوهرية

وكان عضو المكتب السياسي لحركة “حماس” عزت الرشق أكثر تحديداً في معالجته لهذه النقطة، عندما قال في حوار صحفي إنّ معالجة الأسباب الجوهرية هي الضمانة لعدم تكرار الاشتباكات بين حركتي “فتح” و”حماس”، مطالبا حركة “فتح” “بالأخذ على يد “التيار الإنقلابي الذي يريد جر الساحة الفلسطينية إلى الإقتتال”، لأن ما تم ـ كما يرى ـ حتى الآن ليس أكثر من تطويق لحالة التوتر.

وقد يكون الأمر أكثر إلحاحاً مع توفر أدلة مدعمة بالوثائق والمستندات على استمرار التيار الانقلابي باستهداف تجربة “حماس” في الحكم، كما كشف عن ذلك النائب ووزير الداخلية السابق سعيد صيام، بغرض “إجهاضها وتحييدها عن المشهد الفلسطيني الراهن”، أو في ظل  الخروقات التي يقوم بها ذلك لاتفاق الهدنة الموقعة بين حركتي “فتح” و”حماس” كما أومأ إلى ذلك الدكتور صلاح البردويل، الناطق باسم كتلة”التغيير والإصلاح” البرلمانية التابعة لحماس، معتبراً أنّ تزامن الاختراقات مع تصاعد العمليات العسكرية الصهيونية ضد حركة المقاومة الإسلامية “ليس أمراً بريئًا”.

ورغم ذلك؛ فإنّ “حماس” تعتقد أنّ حركة “فتح” كتنظيم ليست في مواجهة معها، لأنه لا مصلحة لها بذلك، وتجزم بأن التيار الانقلابي يشن حرباً عليها، مثلما يشن حرباً على “فتح” بذات الوقت، لأنه ينفذ أجندة ليس لها صلة لها بحركة “فتح” البتة، بحسب تصريحات القيادي في “حماس” سعيد صيام.

                           لا قرار في “فتح” باستهداف “حماس”

وتتفق قيادات من “فتح” مع هذا التصوّر، وتحاول أن تكون بمنأى عن الانقلابيين الذين تتبرأ منهم ومما يقومون به بحق “حماس” والحكومة. وفي هذا الصدد يقول القيادي البارز في حركة “فتح” أحمد حلس، إنّ حركته لم تتخذ قراراً تنظيمياً بمواجهة حركة “حماس”، وأنها سترفع الغطاء التنظيمي عن أي شخص يقوم بعمليات قتل ضد أبناء الشعب الفلسطيني، مشيراً إلى أنّ الشعب يعرف بالضبط من يقتل أبناءه، في إشارة واضحة لأشخاص في الأجهزة الأمنية يتدثرون بعباءة حركة “فتح” وبغطاء أنهم حركة وطنية تدافع عن مصالح الشعب.

وبرأي المراقبين؛ فإنّ ما يعقِّد المشكلة استقواء هذا التيار ببعض الأجهزة الأمنية، لاسيما حرس الرئاسة، لذا تطالب “حماس” وفصائل أخرى، بضرورة تحييد المؤسسة الأمنية عن أي خلافات سياسية داخلية وإعادة تأهيلها لتصبح معنية بحماية الشعب الفلسطيني، بعكس ماهي عليه الآن، فهي كما يقول عزت الرشق “يتحكم بها تيار من داخل فتح عمد إلى إقحامها لتكون طرفاً في المشكلات الداخلية”.

                                        حرب بالوكالة

ويبدو أنّ الأجهزة التي يتمتع ذلك التيارالانقلابي بحضور واضح فيها؛ باتت جزءاً من الخطط الأمنية الأمريكية، التي تصمم من أجل استرضاء للجانب الصهيوني مثل “خطة دايتون”، حيث كشفت تفاصيلها عن قيامها بتقديم مبلغ يزيد عن 55 مليون دولار، لشراء سلاح وعتاد وتدريب لحرس الرئاسة، وهو ما يُعتبر برأي “حماس” وعدد من الفصائل وقوى المقاومة “مشروع فتنة داخلية من خلال تقوية أطراف فلسطينية على حساب أخرى”.
 
وفوق ذلك؛ قامت حكومة الاحتلال بالموافقة على كافة التسهيلات لإنجاح هذه الخطة، على اعتبار أنها تسهم في دعم ما تسميها “الأطراف المعتدلة” في الساحة الفلسطينية، وتحديدا في حركة “فتح”، وهزيمة “حماس”، كما صرح بذلك علناً نائب وزير الحرب الصهيوني إفرايم سنيه. ويمكن أن يتعزز هذا التوجه في اختراق الساحة الفلسطينية الداخلية من خلال اجتماعات التنسيق الأمني، التي تتم بين هذه الجهات الأمنية الفلسطينية وبين المؤسسات الصهيونية المماثلة من حين لآخر.

ولعل هذا ما دفع رئيس كتلة “التغيير والإصلاح” التابعة لحركة “حماس”، سعيد صيام، إلى القول وبلغة واضحة ومحددة لا لبس فيها؛ بأنّ هذا التيار المتضرر من فوز “حماس” في الانتخابات التشريعية الأخيرة “يقود انقلاباً على هذه النتائج بوسائل مختلفة”، ويتهمه صيام بكل ثقة من خلال وثائق يؤكد أنّ حماس تمتلكها “بقيادة حرب بالوكالة عن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية لإفشال حكومة الوحدة الوطنية”.

                                الانقلابيون يسرقون “فتح”

ويبدو أنّ الأصوات الناقدة والمحذِّرة من هذا التيار المتفشي في “فتح” وفي أجهزة الأمن الفلسطينية، لم يعد مقتصراً على “حماس” وفصائل أخرى، بل بدأت ترتفع من داخل “فتح” وبعض قوى المقاومة التابعة لها (أجنحة كتائب الأقصى) أصوات معارضة له، ومستغربةً صمت رئيس السلطة محمود عباس عنه وعن تصرفاته التي تؤذي الحركة من وجهة نظرها. فقد نادى القيادي البارز فيها أحمد حلس خلال الفترة الأخيرة بعمليات إصلاح لحركة “فتح” وعدم حرفها عن مسارها الوطني، معرباً عن مخاوفه الجدية من سرقة حركة “فتح”، أو تشكيل حركة جديدة من قبل شخصيات تربطها علاقات مع الجانب الأمريكي. وقال حلس “لا نعبد أشخاصاً ولا نرهن مصير حركتنا لأشخاص مهما كانت حيثيتهم”، وطالب محمود عبَّاس بالانحياز إلى الحركة ومصالحها، وليس لمصالح شخصيات بعينها لا تعمل إلاّ وفق أجندات خاصة بها، مؤكداً أنّ الحركة بكل كوادرها بدأت في مواجهة ما وصفه أي اعوجاج، أو خطوات غير شرعية تعيق العمل التنظيمي الصحيح.

وانتقد قيادي آخر في “فتح” ما وصفه بمحاولات التدخل الأجنبية في أوضاع الحركة الداخلية، قائلاً إنه قد “بلغ ببعضهم (حدّ) أن واظب على لقاءات واجتماعات تناولت الوضع التنظيمي للحركة”، في إشارة واضحة إلى قادة التيار الانقلابي، مشيراً إلى أنّ التدخل في وضع الحركة بلغ مستويات غير مسبوقة.

وقال عثمان أبو غريبة، عضو المجلس الثوري لحركة “فتح” في مقال له نشر في الثالث من حزيران (يونيو) الجاري “لقد أصبح التدخل الأجنبي في شؤون الوضع التنظيمي للحركة يتم على أيدي أطراف عدة، سواء من قبل الولايات المتحدة أو أطراف أوروبية، بمسميات مختلفة، وسواء على مستوى الرسميين أو غير الرسميين، وكأنّ البناء التنظيمي هو مسألة فنية، أو يمكن أن يتم بروح ورياح مستوردة”، مستهجناً الحدّ الذي وصلته تلك التدخلات بقوله “إنّ أمر التدخل الأجنبي في خيارات الحركة بلغ في السابق حدّ الأسماء التي يمكن أن تكون على القائمة أو لا تكون في الانتخابات التشريعية الماضية، كما جرى التدخل حتى في أسماء تشكيلات اللجان والأطر ذات الطابع التنظيمي الصرف”، وفق ما كشف عنه.

                            تغلغل “تيار دحلان” في أطر  الحركة

ويبدو أنّ حدة الاستياء من سيطرة هذا التيار على حركة فتح آخذة في الاتساع، وهذا ما رصدته مؤخراً مجلة “الأهرام العربي” في استطلاع لآراء عدد من قيادات الحركة في قطاع غزة والضفة الغربية، الذين أعربوا عن غصبهم لأنّ  محمد دحلان، الذي يُنظر إليه باعتباره المحرك الفعلي لهذا التيار، قد “خطف الحركة بموافقة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس”.

وبيّنت المجلة أنّ ما وصفته بتيار محمد دحلان استطاع خلال الأشهر القليلة الماضية أن “يتغلغل” داخل العديد من أطر الحركة، ليكون هو التيار السائد وسط “غفلة” من الأطر والقيادات التاريخية بالحركة، وفي مقدمتهم أعضاء لجنتها المركزية وأعضاء مجلسها الثوري. فهؤلاء باتوا في مقاعد المتفرجين ولا يقدمون علي التحرك والأخذ بزمام المبادرة، وهو ما نجح فيه دحلان ومجموعته، خاصة رشيد أبو شباك مدير الأمن الداخلي وسمير المشهراوي، بحسب المجلة، محملة إياه مسؤولية الصدام المسلح مع “حماس”.

                                 الوقفة الجريئة المطلوبة

ويتضح مما سبق أنّ إيقاف التيار الإنقلابي في حركة “فتح” عند حده لم يعد مسؤولية حركة “حماس” التي تبدو وكأنها أكبر المتضررين من تحركاته، بل لابد من عزله داخل حركة “فتح” التي بدأت تستشعر من خلال تصريحات قياداتها وكوادرها بأنه المسؤول عن جرّ الحركة إلى مواجهة خاطئة وخاسرة مع “حماس” باعتبار أنّ ذلك يفضي إلى فتنة داخلية، تتمثل بالاقتتال الداخلي الذي تكرّر وقوعه أكثر من مرة، كونه يضرّ بالمصلحة الوطنية العليا. كما أنّ ذلك التيار يحاول الهيمنة على مقدرات ومفاصل الحركة التنظيمية لتحقيق مآرب شخصية تلتقي مع أجندة تخدم المصالح الأمريكية ـ الصهيونية، وهو ما كشفت عنه الاتفاقات والخطط والاجتماعات الأمنية لهذه الأطراف، وترجماتها خلال الفترة الماضية.

وبرأي المراقبين للساحة الفلسطينية فإنّ ذلك يقتضي أولاً وقفة جريئة من كل قيادة “فتح” وخاصة محمود عباس ذاته، للفصل بين التنافس الحزبي والخصومة الشريفة لتنظيمين كبيرين (فتح وحماس) لكل منهما برنامجه وطموحاته السياسية؛ وبين تنفيذ أجندات تضر بالمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني، وتهدد السلم الاجتماعي والأمني فيه.
 
كما تقتضي تلك الوقفة، ثانياً، فضح مؤامرات هذا التيار، ومحاولة عزله تنظيمياً من قبل تكتل الإرادات الشريفة داخل التنظيم، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود، والإبداع في التكتيكات، كما يستلزم، ثالثاً، تعاوناً وثيقاً بين مؤسستي الرئاسة والحكومة لوضع خطة مشتركة لتحجيم هذا التيار في الأجهزة الأمنية التي يتغللل فيها.
 
بغير هذه السياسة؛ فإنه لا ضمانة لمنع تجدد الخلافات بين “حماس” وهذا التيار الذي يستهدفها، ويسعى لتأجيج نار الصراع معها، ونسف أي اتفاقات وطنية كاتفاق مكة المكرمة، أو اللقاءات والحوارات التي ترعاها الحكومة المصرية وغيرها قبل أن يجف حبرها. وبتعبير آخر؛ فإنّ بقاء الوضع على حاله يعني أنّ الساحة الفلسطينية ستراوح مكانها في مربع إطفاء الحرائق من حين لآخر من طرف المشفقين على الوضع الفلسطيني الداخلي، لكنّ ما يخشاه المراقبون أن تتفاقم الأمور، وتخرج عن نطاق السيطرة، مع المحاولات المتكررة لهذا التيار الإنقلابي للنفخ في نار الفتنة، وبحيث لا تنفع معه الوساطات الأخوية الداخلية والخارجية، وعندها سيدفع الوطن ومن فيه ثمن السكوت على شرور هذه الفئة، لا قدر الله.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات