الجمعة 07/يونيو/2024

أربعة جرحى.. وإصابات بالصدمة..والعديد من الإصابات بحمى الاستخذاء!

رشيد ثابت

حين تنطوي صفحة هذه المرحلة الساخنة من تاريخ الأمة؛ وتنكشف الغمة عن نصر مؤزر ضد كل قوات الغزو في فلسطين والعالم الاسلامي إن شاء الله – تحقيقا لا تعليقا – سيكتب المؤرخون المنصفون اسم صاروخ القسام كأحد فلتات صنيع المجاهدين التي ساهمت في إبقاء الأمة على المحجة البيضاء؛ ليلها كنهارها…

الصاروخ المصنع محليا معجز في أوجه عدة؛ فهو لم يطور في مركز أبحاث يتمول باحثوه بملايين الدولارات؛ ولم يصممه مهندسون متقاعدون من جيش الاتحاد السوفييتي؛ ولم يتسلح خبراؤه بشهادات الدكتوراة من “ستنافورد” أو “إم آي تي”.

وفي نفس الوقت نحن لا نحتفل به ونفرح فقط لأن مجموعة من الشباب الفلسطيني توصلت لتطبيق عملي نجحت فيه باختراع وقود صواريخ من البيئة المحلية؛ ووظفت معارف انسانية عدة في الكيمياء والديناميكا وحركة المقذوفات من أجل صناعة صاروخ يشتعل فتيله ويطير ويسقط وينفجر! فليس الأمر أن الإعجاب ببساطة المكونات وقلة التكاليف سيجعلنا نقبل ونغفر بساطة الإنجاز أو تواضع الأداء؛ فالحديث عن تواضع موارد هذا المشروع الفلسطيني لا يجيء إلا في سياق الثناء على أصحابه والإعجاب بمنجزهم قليل المؤونة على الشعب الفلسطيني؛ كثير الفائدة والعوائد عليه!

فنحن بصدد صاروخ ينجح في توتير آخر خلية رمادية في عقول قادة الكيان الصهيوني؛ وينجح في قتل عدد من الصهاينة؛ ويوقع منهم عددا أكبر – بالعشرات – ما بين الجرحى بإصابات بليغة وأخرى طفيفة لحد الإصابة بالهلع والصدمة؛ وينجح فوق هذا كله في خلق أول أزمة نازحين في فلسطين المحتلة عام 1948 بسبب نيران فلسطينية لا إسرائيلية؛ ويفر بموجبها ثمانية آلاف صهيوني من بيوتهم في “سيدروت”؛ وبعد عشرات المرات التي نزح فيها أهالي بيت لاهيا وجباليا وبيت حانون!

وبسبب هذه الإصابات؛ وبسبب خط التطور السريع لصاروخ القسام عبر سني عمره القليلة؛ وبسبب خشية الصهاينة من حزام ناري يتولد ويتوسع حول القطاع مهددا مغتصبات ومدن العدو في الجنوب الفلسطيني؛ فإن الصهاينة كما تقدم قلقون جدا من هذه الآلة الفاعلة في التصدي لغطرستهم وجبروتهم؛ وحق لهم أن يبذلوا في إيقافها كل وسائل ضغطهم العسكرية والسياسية والاقتصادية – هناك عشرات المواد التي يحظر على القطاع استيرادها بسبب الخشية من توظيفها في صناعة الصاروخ – ويمكن بكل موضوعية تفهم حاجتهم للخوف من تسلح خصمهم وقدرته على الإبداع الخلاق في ظروف الاحتلال والحصار منذ أربعين عاما…

لكن ما لا يمكن فهمه هو مضاعافات حمى التخذيل؛ وهستريا الاستخذاء التي تعصف بغير وجه من وجوه السياسة الفلسطينية؛ والتي لا يزيدها سقوط صواريخ القسام إلا اضطرابا وقلقا وغضبا لا يمكن تفسيره لصالح فلسطين بأي حال! فهل يكره فلسطيني أن يكون لدى أبناء شعبه آلة ردع واحدة تكفأ عشرات آليات القمع والقهر والجبروت الثقيلة في أيدي الصهاينة؟

وحتى لو كانت صواريخ حماس هذه غير بريئة النوايا والمنطلقات – بحسب أحد هؤلاء الذي وصف قذائف القسام “بالحمق” –  وتهدف فقط لإنفاذ مخططات “شريرة” داخل قطاع غزة ؛ وتوسيع مساحة نفوذ حماس والمقاومة فيها؛ فهي تؤدي هذا الدور بذكاء وفعالية؛ ونفوذ حماس يتسع بسببها فعلا بنجاح؛ وآخر ما تصح فيها صفة الحمق والغباء!

فما السر يا ترى في هذا التردي المحموم في لغة الطعن في المقاومة؟

لو نحينا عواطف هذا الرمز السياسي المضطربة جانبا؛ وركزنا في معنى كلامه لفهمنا أن الرجل معذور؛ فهو قلق على مستقبله وقلق على وظيفته وامتيازاته الخاصة؛ فالرجل يحب كثيرا زيارة شرم الشيخ وإيلات ويحب جنيف ويعشق حضور مؤتمر حاملي جوائز نوبل في البتراء – بالمناسبة: هو يذهب هناك بأي صفة؟!  – وهو ينظر لكل هذه الأمور ويراها مهددة بالتحول إلى سراب…

فالمبرر الوحيد لبقاء واستمرار دوره ودور جماعته السياسية كان ولا يزال في الدور الأمني الذي تلعبه؛ وبغياب الدور الأمني فإن فريق التسوية الفلسطيني يدرك أن لا وظيفة له ولا دور؛ وأن شرايين بقائه من دعم مالي وسياسي قادم من الغرب ستنقطع. فالدور الأمني في حماية الكيان الصهيوني من المقاومة هو السلعة الوحيدة التي تمنح هؤلاء فرصة للانتفاع بتمثيل فلسطين سياسيا؛ وهذا المورد يتسرب من أيديهم بفضل القسام وبفضل صواريخه؛ بسرعة بالغة.

وكل أبواق الطعن الفاحش في المقاومة وفي صواريخها تخشى دائما من تعاظم نفوذ المقاومة وقوتها؛ ويدركون أن الورقة الوحيدة التي في أيديهم – ضمان أمن” إسرائيل” – تذوي وتذبل وتجف؛ والفضل في ذلك كله لصواريخ القسام!

فهل يلام هؤلاء في الخوف على معاشهم؟ وهل يلامون في القلق على كل خطط السفر والتفاوض في الشهور والأعوام المقبلة والتي صارت كلها محل استفهام؟

نحن لا ندعو لمعاملة هؤلاء – بعضهم من مدرسة اليسار – بما كان “ستالين” سيعامل به القادة أو السياسيين في بلده لو أثنى أحدهم بين يديه على صاروخ ألماني؛ وانتقص من قيمة السلاح السوفييتي أو قلل من شأن جهود الجيش الأحمر لفك حصار “سان بيترز بيرغ”؛ لكن من واجب كل فلسطيني التصدي لهذه الأصوات الناشزة ورد حجتها الداحضة عليها؛ وفضح منطلقاتها المعادية للمشروع الوطني الفلسطيني؛ ولآمال وطموحات الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال والكرامة؛ والتمتع بوقفة عز في وجه عدو غاشم لا يفهم إلا لغة القوة!

وفي الدفاع عن القسام لا يجب أن يأخذ الفلسطينيون المستخذين والمرجفين ومن قتلتهم حمى الاستخذاء وحسب بالشدة والرد والردع؛ فحتى حين يكون الخطأ في حق صواريخ القسام غير مقصود؛ ولم يجر على لسان سياسي مشبوه؛ وغير خارج من منطلقات خيانية أو إرجافية؛ فإننا لن نألو جهدا في الرد على المستشار أحمد يوسف بحزم؛ فنطالبه بأن يختار كلماته في المرة القادمة بعناية؛ وأن يحسن الدعاية للحق الفلسطيني؛ وأن يفهم أن محاولة لفت النظر الى قوة سلاح العدو بجنب تواضع عدتنا لا يبرر وصف صواريخ القسام بأنها “ألعاب نارية”؛ فهذا وصف قبيح ينتقص من جهود من وصلوا الليل بالنهار حتى يحققوا لشعبهم النكاية في عدوهم؛ ولا يغفر له أن يكون قد قيل بنية حسنة أو انتزع من سياقه.

فليحفظ الله القسام كتائب وصواريخ؛ وليحفظ الله كل فصائل شعبنا المقاومة؛ ولا نامت أعين المستخذين الذين يحسبون كل صيحة عليهم؛ ويرون كل رشقة من صواريخ القسام هدما في صرح انتفاعهم وارتزاقهم بالقضية الفلسطينية!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات