الجمعة 07/يونيو/2024

جهاد يفتري على المقاومة!

رشيد ثابت

الأستاذ جهاد الخازن كتب مؤخرا مقالا يدعو فيه لوضع الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الوصايتين الأردنية والمصرية على الترتيب؛ كحل لمشاكل الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة. عميد مدرسة “الحياة-أل بي سي” طلب أن يتم هذا في خيمة السعودية؛ وباسم دعوة منها لمؤتمر “مشايخ” العالم العربي حتى يسحب “صولجان” القيادة الفلسطينية من منظمة التحرير – وكل الفصائل الفلسطينية بطبيعة الحال – ويعاد إلى النظامين المذكورين؛ وذلك بحجة خلو الشعب الفلسطيني من قيادة واعية ونزيهة وقادرة.

من المؤسف يا صاحب الحياة أن الحياة في لندن كل هذه العقود لم تغير رأيك ولم تخرجك من إطار الإعلام الرسمي العربي التابع للنظام السياسي الرسمي العربي؛ ويبدو أن حضور ذلك النظام الرسمي ثقيل يفرض نفسه ضد قيم الديمقراطية وحرية الرأي؛ حتى لو كان الجنرال المعتق في السلطة الرابعة يسكن في عاصمة “الماغنا كارتا” وديمقراطية السبعة قرون! وإلا فبأي حق يسخر الخازن بحق الشعب الفلسطيني في اختيار قادته؟ ويعتبر أن الشعب قد أساء الاختيار وانتخب “متطرفين متخلفين” – كما قال الخازن حرفيا – ويتجاهل الخازن حق فلسطينيي الشتات في القرار ويختار لنا جميعا حكما أردنيا مصريا؟ هل صارت مفرزات الديمقراطية وقرارات الشعوب تخلفا والحلول العشائرية لقضايا الشعوب هي التقدم والرقي والحضارة؟

لكننا نفهم حقيقة مرامي السيد الخازن؛ فهو وإن كان كلامه في شكله الخارجي ضد منظمة التحرير وفصائل الفلسطينيين عموما؛ إلا أنه في الحقيقة مقال باسم مدرسة النظام الرسمي العربي المترهل المستبد غير الشفاف والمنصاع لأمريكا ضد فسحة الأمل والديمقراطية والحرية القادمة من فلسطين؛ وضد مدرسة المقاومة في فلسطين.ولا يهز هذا الرأي التمحك بالاقتتال الداخلي؛ فالأستاذ الخازن لو شاء الإنصاف لحكى الحكاية من أولها؛ ولسمى المجرم الذي يتمول أمريكيا؛ ويتسلح على عين الصهاينة؛ وينسق أمنيا معهم ضد حماس وضد المقاومة وشرع في التخريب وإطلاق النار؛ وهو فوق كل ذلك مارس خطة منسقة للتخريب وضعت ليس بعيدا عن بعض أجنحة النظام العربي الرسمي الذي مجده الخازن وسوق له على أنه أمل فلسطين وخلاصها! هل جريدة المجد الأردنية لا يتسرب منها ولا عدد واحد لبريطانيا يا ترى؟ أم أنها لا موقع لها على الانترنت؟

 لو شاء الخازن لفضح المخطئ الحقيقي في فلسطين واعتبره مجرما في حق فلسطين وثوابتها؛ ولاعتبره عميلا ضد مصالح الشعب الفلسطيني! لو شاء الخازن لتحدث عن فسادهم وسرقتهم وانتهابهم لفلسطين طوال سني عمر عصر التسوية؛ ولم يكتف بالحديث عن فسادهم الآن فقط ليبرر اندفاعه الجائر ضد خيارات الشعب الفلسطيني وضد انتخابه “المتطرفين المجانين” قادة وممثلين!

إذا مقال الخازن هو انتصار لمدرسة النظام الرسمي العربي الذي يريد أن يدجن الثغر الحر الأبي في فلسطين باسم ضمان الأمن والاستقرار؛ ولو كان ذلك على حساب حياة الناس وكرامتهم وحريتهم! وأنا حقيقة لا أعرف سببا واحدا يمنح الأفضلية للأنظمة الأردنية والمصرية في إدارة الأوطان؛ فهل نجح هذان النظامان في خلق التنمية المستدامة في بلديهما؟ أم أن عصور الحريات والكفاية النفسية والمادية قد ضربت أطنابها في الأردن ومصر من حيث لا ندري؟ ربما نسي السيد الخازن أننا خسرنا فلسطين بفضل عوامل وظروف معقدة كثيرة لم يكن من أقلها أهمية صفقة السلاح الفاسد في مصر؛ ومؤامرة الجنرال “غلوب” على القضية؛ وإن شاء الخازن أن نتحاسب فلنجلس ولنفتح كل الملفات؛ وسنجد أن لفلسطين في حق النظام الرسمي العربي ديونا ثقيلة؛ لم يسددها هذا النظام الرسمي الذي لطالما أضر بفلسطين وبشعبها وبقضيتها؛ فكيف يعود هذا الزبون السيئ الصيت خيارا مثاليا لفلسطين مرة أخرى؟!

حقيقة أنا عاجز عن عدم تكرار تسجيل استغرابي الشديد من دعوة الخازن لإنقاذ الشعب الفلسطيني بوضعه تحت رحمة بعض أكثر النظم العربية تورطا في الفساد؛ فكيف يرضا الخازن لنفسه دخلا سعودي المستوى وأجواء حرية لندنية؛ ويريد لفلسطين أن تكون رهينة حرس البادية والأمن المركزي؟

وكيف يظن أن فلسطين تضج بتخرصات وتفلتات فريق التسوية الفلسطيني الضعيف نسبيا والعاجز عن فرض خياراته المرفوضة وطنيا؛ ويظن أنها ستقبل على الانصياع لصاحب القدم الأكثر رسوخا في برامج التسوية والتماهي مع أمريكا؟!

للأسف؛ جانب الخازن الصواب في تشخيصه؛ فهو استغل سلوك وتصرفات منظمة التحرير المسيئة والمفحشة في غير ساحة وغير بلد ليبرر الانقلاب على القيادة والفصائل الفلسطينية ذات الجذور الشعبية وذات شرعية الإنجاز وشرعية الصندوق! إن من التدليس المعيب أن يوصف الشعب الفلسطيني بأنه أساء الاختيار مرتين؛ مرة حين انتخب “المتخلفين المتطرفين” ومرة حين اختار فساد فريق أوسلو وتفريطه! فالشعب الفلسطيني لم يختر بعض تلك الوجوه التي استولت على قيادته ومقدراته – برعاية النظام الرسمي العربي الفاسد الذي يريد الخازن أن يجيرنا له – وهي لم تكن يوما ممثلة لهذا الشعب!

ومع ذلك فقد جاء انتقاده لمن خربوا وانحرفوا في بيروت وعمان وقامروا بشعبنا في الكويت والعراق وفي كل الساحات رقيقا ناعما؛ واستعمله للتغطية على الحملة على حماس وحسب؛ فالرجل – وفقط في سبيل الانتصار للنظام الرسمي العربي الكبير – لا يرى ضيرا بالتضحية بجناح صغير منه في رام الله وغزة وانتقاده ونبذه؛ فهذا الجناح أثبت أنه فاشل ولا يصلح للأدوار الكبيرة؛ ولا يصلح لنيل ثقة أمريكا؛ كيف لا وهو للآن لم يسحق ديمقراطية فلسطين كما سحقت ديمقراطية الجزائر؛ ولم يقمع إخوان فلسطين كما قمع إخوان مصر؛ ولم يغسل ريب الوطنية الفلسطينية كما فعل “محمد رسول الكيلاني”؛ لا لانعدام الرغبة أو النية – لا سمح الله!!! – فاستئصاليو فلسطين حريصون لو استطاعوا على انتزاع حدقات عيون حماس من رؤوس أصحابها؛ لكن المشكلة ببساطة أنهم لم يستطيعوا ذلك ولن يستطيعوه إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا!

نحن لا نستطيع أن “نشتري” إدعاء بالحرص على فلسطين يبيع إرادتها لمصلحة حسابات غير فلسطينية تخص مصالح عائلة حاكمة هنا ورغبة شاب في وراثة كرسي أبيه هنالك! نحن لا نريد هذا الحرص علينا؛ خصوصا حين يكون مقرونا بالحملة على رموز فلسطين من فصائل الجهاد والمقاومة! فهل ندع حماس والجهاد الإسلامي وألوية الناصر صلاح الدين والأجنحة المقاومة الشريفة الأخرى في فلسطين ونتبنى نسخة أكثر تمرسا في الفساد وأكثر تمرسا في معاداة القيم الوطنية والعربية والإسلامية من التيار الاستئصالي في فلسطين؟!

أصلا هل بلغ نظامك الرسمي العربي رتبة في خدمة أمريكا تؤهله حقا لاستعادة الضفة والقطاع من الكيان الصهيوني؟ والله العظيم لقد كلفت أصحابك يا خازن شططا؛ فهم أصلا لا يريدون استعادة فلسطين؛ وحتى لو أراد بعضهم ذلك فهو لا يستطيع أن يفصح عن هذه الإرادة بين يدي “أولياء النعم”!

من الواضح أن السيد الخازن خالي البال من طموحات وآمال العرب؛ ولذلك أنا أنصحه بأن يخرج من عتمة خيمة النظام الرسمي العربي؛ وأن لا يرى العالم العربي فقط من منظارها أو منظار مؤتمر البحر الميت الذي يحل عليه ضيفا على نحو دائم؛ فهناك ليس بوسعك إلا أن ترى الصهاينة والأمريكان أو من لا يحبون الحياة من العرب إلا في معيتهم؛ وصدقني أن أهل الضفة من جنين إلى الظاهرية؛ وأهل القطاع من بيت لاهيا إلى رفح يكرهون أولئك القوم ويمقتونهم مقتا شديدا!

الأمة العربية تقترع للمقاومة يا “جهاد”! وهي تقترع للحرية والقرار المستقل؛ ولا ترغب في البقاء تحت سيطرة من يحظى على كتفه بتربيتات أكثر من “دايتون” أو “تشيني”؛ أو من تقبله الآنسة “كوندي” ويقبلها بكل قرف؛ وإن كنت لا تحسن قراءة هذا على وجوه أبناء أمة المقاومة والجهاد في العراق ولبنان وفلسطين فأنت فشلت في استطلاع الرأي العربي العام وحللت أبعد ما تكون عن فهم حاجات الجمهور؛ ومحقت رصيدك في الأهلية للحديث باسم شعب فلسطين عما يريد وعما ينبغي له!

والشعب الفلسطيني يا جهاد يعرف أنه لو أراد السلامة الآنية لاختار فريق زوار مؤتمرات البتراء والبحر الميت ؛ بل لاختار قبلهم روابط القرى؛ لكنه حين سلك الحرية طريقا؛ واتخذ المقاومة سلاحا؛ فهو اختار سبيله عن معرفة ومسؤولية؛ وقدر أنه مقبل على صعاب لا تبدأ من عدوان الصهاينة؛ ولا تنتهي عند حصار الإخوة وجورهم وظلمهم؛ ولن يرده عن طريقه هذه تكاثر الطعنات عليه وعلى مشروعه الوطني حتى من بعض أبنائه من أصحاب الهوى الأمريكي؛ ولن تؤثر في عزيمته شهادة هي بكل أسف مجروحة ومجافية للواقع؛ وتنتقص من مقاومته لمصلحة أيتام أمريكا: الصغار منهم في فلسطين أو الكبار منهم في محيطها العربي!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات