مصانع الاحتلال في الضفة.. حرب صامتة على صحة الفلسطينيين وبيئتهم

لم تقتصر الأعمال التدميرية التي تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني على البشر فقط، بل هي ماضية في قتل روح الجمال على الأرض الفلسطينية.
فقد عانت البيئة الفلسطينية بمختلف عناصرها من مظاهر التدمير الصهيوني، فلا الهواء والماء بعيد عن عواقب عنجهية الاحتلال، حتى ألوان الربيع حُرم منها الفلسطينيون، لدواعٍ أمنية كما الحال دائما.
ولم تكن أزهار شقائق النعمان والأقحوان وحدها في وجه تلك الاعتداءات، فالسموم التي تنشرها المصانع والمستعمرات الصهيونية سبّبت العديد من المشكلات المستعصية للفلسطينيين وللبيئة المحيطة بهم.
بركان ينفذ قتلاً بطيئاً
وأحد الأمثلة على ذلك يتمثل في المنطقة الصناعية الصهيونية “بركان” المقامة على أراضي محافظة سلفيت بالضفة الغربية، والتي تسبِّب ضرراً بيئياً كبيراً، عبر تلويث البيئة من مياه وتربة وهواء، وتعود بأضرار صحية على أهالي المنطقة من الفلسطينيين.
وتواصل تلك المصانع سكب مياهها العادمة ومخلفاتها السامة في وديان المحافظة، خاصة في وادي بلدة بروقين غرب سلفيت، حيث بات رعاة الأغنام يخشون رعي أغنامهم قرب ذلك الوادي.
حرب على الهواء والماء والتربة .. والإنسان الفلسطيني
وتطلق تلك المصانع الغازات السامة في هواء سماء المحافظة، ما تسبّب في تلويث الهواء وخاصة في المنطقة الغربية من المحافظة، والتي تشمل بلدات بروقين وكفر الديك ومسحة ودير بلوط والزاوية وحارس وكفل حارس.
وأوضحت المصادر الطبية الفلسطينية أنّ تلك المصانع تسببت في ارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان، خاصة بلدة دير بلوط والقرى المحيطة بتلك المصانع أو القريبة منها، نظراً لأنّ العملية الصناعية فيها لا تراعى الشروط الصحية والمعايير البيئية، خاصة بعد أن قامت سلطات الاحتلال بنقل المصانع من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948 إلى محافظة سلفيت، بعد أن ثبتت خطورتها على الصحة العامة.
وقد صادرت سلطات الاحتلال من الفلسطينيين آلاف الدونمات، بغرض إقامة مناطق صناعية في الضفة الغربية التي يوجد فيها ما لا يقل عن سبع مناطق صناعية تابعة للمستعمرات.
صناعات واسعة تحت ستار تعتيم
ورغم التعتيم على نوعية الصناعات الصهيونية ونشاطاتها وكميات إنتاجها ومخلفاتها في الضفة؛ فإنّ التقديرات تشير إلى وجود أكثر من مائتين وخمسين مصنعاً صهيونياً فيها، معظمها متخصصة في صناعات شديدة التلويث للبيئة وللصحة العامة، مثل الألمنيوم والأسمنت والمعلبات الغذائية والألياف الزجاجية والمطاط والكحول والسيراميك والرخام ومواد التنظيف الكيماوية والأصباغ، علاوة صناعات تشكيل المعادن وطليها وصناعة البطاريات، وصناعة المبيدات والأسمدة الكيماوية، والغازات، والصناعات البلاستيكية، ودباغة الجلود، وصباغة النسيج، فضلاً عن وجود مصانع ذات طابع عسكري.
ومن بين المدن التي تعاني من مصانع الاحتلال تلك؛ تبرز قلقيلية، فالقرى الشمالية للمدينة والتي تضم حجا والفندق وجينصافوط وكفر لاقف؛ تحيط بها أربع مستعمرات، وهي “معاليه شامرون”، و”جنوت شامرون”، و”كارنيه شامرون”، و”عمانوايل”، وجميعها يختزل ضرراً أكبر من حجمها لقلقيلية والقرى المحيطة بها.
فالمزارع الفلسطيني أبو محمد، يقول والحسرة تملأ قلبه على منظر شجر الزيتون، “جفّت زيتوناتي ويبست حتى قبل أن يكبرن، وجفت الأرض، بسبب ما يلقونه علينا من مصانعهم”.
فهناك خمسون دونماً من أراضي قرية جينصافوط المزروعة بأشجار الزيتون تم إعدامها، من قبل المصانع المتواجدة على أراضي القرية، ويعود ذلك إلى المغاسل ومصانع المخللات، فالمياه المالحة التي يصبها المستعمرون على الأراضي الفلسطينية تتسبب في إتلاف التربة وإحراق الأشجار المزروعة هناك.
أما مصانع “جيشوري”، فتقع في المنطقة الغربية من مدينة طولكرم، على حدود مستعمرة “سنعوز”، حيث يتم تصنيع المواد الأشدّ خطورة وتدميرية على البيئة، مثل الاسبست، والألياف الزجاجية، والمبيدات، والغازات القابلة للاشتعال.
وفي سنة 1984 أقرت المحكمة الصهيونية بالتأثيرات الخطيرة لهذه المصانع، وأمرت بإغلاقها، إلاّ أنها وبعد خمس سنوات أعادت المصنع إلى العمل.
عواقب خطيرة
وقد أفاد تقرير صادر عن وزارة الزراعة الفلسطينية، أنّ 17 في المائة من أراضي طولكرم أُصيبت بالتلوّث، وأنّ المنطقة المحيطة بالمصانع الصهيونية غير صالحة للاستغلال كلياً، أما المناطق القريبة فتعاني من إنتاج ضعيف بسبب التلوث. وبيّن التقرير أنّ خسائر الفلاّحين الفلسطينيين قُدِّرت بأكثر من 270 ألف دولار.
ويتحدث المزارع الفلسطيني أبو شاكر عن مشكلته مع تلك المصانع التدميرية بالقول “إنّ النباتات تتأثر بشكل كبير من الجوّ المحيط بها ونوعية الهواء، فمزروعاتي تعاني من التسمم بسبب المواد الكيميائية التي ينفثها المصنع، حيث يتجمع الغبار على الأوراق ويمنعها من النمو، وهذا يؤثر بشكل كبير على المحصول ويسبِّب لي خسارة كبيرة”.
وقد باتت مع مضي الوقت أكثر وضوحاً تلك المخاطر التي تسببها المصانع المقامة في منطقتي طولكرم وقلقيلية، والتي تنتج مواد ونفايات ضخمة، وتستخدم أراضي الضفة كمكبات لنفاياتها. إذ تنتج عن تلك المصانع مشكلات تنفسية يعاني منها سكان المدينتين، ومنها الربو الشعبي والسعال التشنجي المزمن وصعوبة التنفس، ويشكو السكان أيضاً من آلام خطيرة في الرأس والحكة والتهابات في العين، وفي الآونة الأخيرة ازدادت حالات الإصابة بسرطان الرئة، وهو ما يؤشر إلى حرب من نوع مختلف تشنها “عملية الاحتلال” بمستعمريها ومصانعهم ومخلفاتهم القاتلة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...