دافوس انتهاز الفرص في البحر الميت.. 2007

بعد أيام.. ينعقد منتدى دافوس البحر الميت من جديد.. هذا البحر الذي يستمتع به كل سواح العالم.. عدا أهل الأغوار القائم على أرضهم.. الذين أصبحوا يدفعون غاليا ثمن الاقتراب منه.. حتى أصبح تناول القهوة على شاطئه يكلف أكثر من الدخل اليومي لعائلة منهم، تحت مسمى «الدخولية» إلى الفنادق التي أنشئت لاحتضان دافوس!!

15 رئيس دولة وأكثر من 1200 مشارك من 55 دولة.. ليس بينهم غوراني واحد من سكان الغور.. عدا بعض خدم الفنادق ربما..

منتدى دافوس الاقتصادي العالمي مؤسسة خاصة تمول عن طريق مساهمات الشركات الكبرى، فماذا نتوقع من هذه الشركات الناهبة.. حين تدعو للّقاء وكلاءها من الشخصيات السياسية والمالية البارزة؟ أو فرائسها التي تخطط لافتراسها؟؟

دافوس البحر الميت.. منذ المؤتمر الأول.. وهم كبير.. يحاولون فرضه علينا..

وعدونا بالكثير وقالوا إنهم سيعصروننا.. حتى اعتقدنا أننا سنخرج بعد دافوسهم في البحرالميت بلا فقر ولا جوع ولا برد ولا جهل ولا مرض.. ونسينا أنهم لا يعرفون إلا غلي الحصى في الماء.. والجعجعة بلا طحن..

في البحر الميت يأتي من كل بقاع الأرض.. أرباب العولمة.. ناهبو خيرات العالم وأساطين الهيمنة على الفقراء، وممثلو قوى الشر التي تغتصب أراضي الشعوب الضعيفة.. حيث لا يزعجهم أحد بسبب الأمن المضمون والجغرافيا.. ليغتنموا الفرص التي نتيحها لهم.. كما يقولون، فيلتقون معا.. ليثبتوا على أرضنا العربية نفسها، شرعية اغتصابهم..

وقد قال كلاوس شواب مؤسس المنتدى بصراحة: «إن للمنتدى دورا في قضية الشرق الأوسط!!».

وعدونا بالكثير.. ولكن منذ دافوسهم الأول.. ارتفعت الأسعار ولم ترتفع الدخول.. ولم نعد نملك من ثمن الوقود ما يمكننا من رفع البرد عن أطفالنا..

وتساوى تقريبا ثمن الغاز والديزل مع البنزين..

وأضرب من الظلم والعوز عمال البوتاس والفوسفات ومهندسو القطاع الخاص وعمال المياومة، وما زال عمال الاتصالات مضربين حتى اليوم.. وحملة شهادات الدكتوراه.. وحتى عمال شرق آسيا المخدوعون في المدن المؤهلة..

ناقشوا في دافوسهم السابق المصاعب التي تواجهها خريطة الطريق بين «إسرائيل» والفلسطينيين.. فكانت النتيجة أن رأينا حرب لبنان.. ومذابح جنين واجتياح نابلس ورفح؟؟

وكنا رأينا احتلال العراق.. وأبو غريب وغوانتانامو..

في المنتدى المسمى منتدى الفرص، أتيحت الفرص ليتكلم كولن باول.. ليؤكد أن إبادتنا حق من حقوق «اسرائيل» للدفاع عن نفسها.

وأتيحت الفرص لبيريس وبريمر، فتكلما عن الأخلاق.. والإصلاح.. والحريات.. والمناهج.. والإرهاب.. وعن ظلم المرأة في بلادنا.. وسوقا أتباعهما في العراق.. تحدثا عن كل شيء ينقصهما أو يزعجهما.. ولكنهما أكدا هيمنتهما.. وأكدا تبعيتنا وعبوديتنا.. التي لن يسمحوا لنا بالتمرد عليها..

أكد المنتدى هيمنة الشركات الكبرى على كل شيء.. وأن الطرق كلها يجب أن تمر من تل أبيب والتطبيع معها.. ولم يتحدث عن معاناتنا..

دعا المنتدى الشركات الإسرائيلية إلى استغلال الفرصة و«الواقع الاقتصادي الجديد في العراق» لتعطي دفعة كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي برمته.. «بالمشاركة في العطاءات المختلفة وبيع منتجاتها هناك»!!

نعم.. هذا هو دافوس البحرالميت.. مهما حاولوا أن يجملوه ويزينوه..

لم يتكلموا فيه عن أسباب الاحتلال في العراق وفلسطين.. ولم يناقشوا فقرنا ومعاناتنا.. وقتل شعوبنا وإبادتها.. فماذا ينتظرنا هذا الأسبوع من دافوسهم الجديد؟

المطلوب تبعية لأمريكا وشركاتها.. والمطلوب دمج الكيان الصهيوني في المنطقة والتنسيق معه ومن خلاله فقط..

في منتدى سابق أعلنوا عن الاتفاق على إلغاء الجمارك بين الأردن و«إسرائيل» بشكل كامل عام 2010، وعلى تحرير التجارة بينهما حتى عام 2010، و«تحديد قواعد المنشأ» بينهما لينقل العلاقات الاقتصادية الأردنية «الإسرائيلية» إلى مستوى «العلاقات الاستراتيجية» كما قال إعلام الحكومة..

وعدونا بالاستثمارات في الصناعة والزراعة.. ولم تقم إلا استثمارات العقارات..

وعدوا بنهضة سياحية.. فأغلق الكثير من فنادق وادي موسى تحت وطأة الديون..

قالوا «في دافوس.. سيردمون الهوة الرقمية بين الأغنياء والفقراء، وسيجعلون الفرص متكافئة، أمام جيل متسلح بالتعليم والمعرفة»، فقرروا رفع كلفة التعليم ونشأت حركة «ذبحتونا» بين الطلاب؟؟

صحيح أن بعض الاستثمارات العربية في مجال العقارات.. قامت كما قالوا.. ولكن هل يلزم أن نجمع في البحر الميت.. الصهاينة والأمريكيين وكل شركات الهيمنة.. ليأتي سعد الحريري ويعقّد حياتنا في العبدلي؟ أو لتأتي بعض الاستثمارات العربية إلى العقبة؟!!؟

زوار دافوس شهدوا أن الأردن يوفر بيئة مناسبة لرجال الأعمال.. ولم يشهد أحد أنه يوفر بيئة مناسبة لنا..

وأخيرا.. جاءوا ليسبحوا في البحر الميت.. ونغرق نحن.. في البحر الذي لا يغرق فيه أحد..

* صحيفة السبيل الأردنية