الجمعة 31/مايو/2024

المدن الفلسطينية المحتلة.. سجل حافل بالانتصار على الغزاة عبر التاريخ

المدن الفلسطينية المحتلة.. سجل حافل بالانتصار على الغزاة عبر التاريخ
المدن الفلسطينية ذات تاريخ عريق، ضارب الجذور في أعماق الحضارات الإنسانية. وقد تصدت هذه المدن التي يحتلها الصهاينة منذ سنة 1948 عبر مسيرتها التاريخية لكل الغزاة الذين حاولوا إخضاعها لسيطرتهم، ومنهم الفرس واليونان والبيزنطيون والصليبيون وغيرهم، وانتصرت عليهم في نهاية المطاف، وهي بمشيئة الله ستنتصر على الاحتلال الراهن الذي ابتليت به منذ النكبة التي حلت بها، وستعود لها ابتسامتها المشرقة من جديد، ويتحقق لأهلها الذين هُجِّروا منها قسرا حلمهم بالعودة إلى أحضانها الدافئة، بعد عقود عجاف من صقيع المنافي.

وتالياً نبذ عن الجوانب التاريخية والجغرافية والسكانية لهذه المدن، وأهم الأحداث والمنعطفات التاريخية التي مرت بها، بما في ذلك ظروف احتلالها على أيدي العصابات الصهيونية قبل 59 سنة.

                                    مدينة القدس المحتلة

تُعدّ مدينة القدس من أقدم مدن الأرض في التاريخ، فقد هُدمت وأعيد بناؤها أكثر من ثماني عشرة مرة. وترجع نشأتها إلى خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث عمّرها الكنعانيون، وأعطوها اسمها، وفي عام ثلاثة آلا قبل الميلاد سكنها العرب اليبوسيون، وبنوا المدينة وأطلقوا عليها اسم مدينة السلام، نسبة إلى سالم أو شالم “إله السلام” عندهم. وقد ظهرت في هذه المدينة جماعة آمنت بالتوحيد، برعاية ملكها “ملكي صادق”، وقد وسّع هذا المللك المدينة، وأطلق عليها اسم “أورسالم” أي مدينة السلام.

وحملت القدس العديد من الأسماء عبر فترات التاريخ، ورغم هذا التعدّد إلا أنها حافظت على اسمها الكنعاني العربي.
وقد شُيِّدت النواة الأولى للقدس على تلال الظهور (الطور أو تل أوفل)، المطلة على بلدة سلوان، إلى الجنوب الشرقي من المسجد الأقصى، لكنّ هذه النواة تغيّرت مع الزمن وحلت محلها نواة رئيسية تقوم على تلال أخرى مثل مرتفع بيت الزيتون (بزيتا) في الشمال الشرقي للمدينة، بين باب الساهرة وباب حطة، ومرتفع ساحة الحرم (مدربا) في الشرق، ومرتفع صهيون في الجنوب الغربي، وهي المرتفعات التي تقع داخل السور فيما يُعرف اليوم بالقدس القديمة.
 
وتمتد القدس الآن بين كتلتي جبال نابلس في الشمال، وجبال الخليل في الجنوب، وتقع إلى الشرق من البحر المتوسط، وتبعد عنها 52 كيلو متراً، وتبعد عن البحر الميت 22 كيلو متراً، وترتفع حوالي 775 متراً عن سطح البحر الميت، وهذا الموقع الجغرافي والموضع المقدس للمدينة ساهما في جعل القدس المدينة المركزية في فلسطين.

وكانت القدس لمكانتها موضع أطماع الغزاة، فقد تناوب على غزوها وحكمها في العهد القديم: العبرانيون، الفارسيون، السلقيون، الرومانيون، والصليبيون. ومنذ الفتح الإسلامي سنة 637 للميلاد كانت القدس مشرقة بوجهها العربي بعد أن دانت للعرب المسلمين في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، ثم التحقت في العهد الحديث بحكم العثمانيين عام 1517م.

وقد بلغت مساحة أراضي القدس حوالي 20790 دونماً، وقُدِّر عدد سكانها في عام 1922 بحوالي (28607) نسمة، وفي عام 1945 حوالي (60080) نسمة، وفي عام 1948 حوالي (69693) نسمة، وفي عام 1967 حوالي (65000) نسمة، وفي عام 1987 حوالي (130600) نسمة، وفي عام 1996 أصبح العدد حوالي (254387) نسمة.

وقامت المنظمات الصهيونية المسلحة في 28/4/1948 باحتلال الجزء الغربي من القدس، وفي عام 1967 تم احتلال الجزء الشرقي منها، وفي عام 27/6/1967 أقرّ البرلمان الصهيوني ضمّ شطري القدس، وفي 30/7/1980 أصدر الكنيست قراراً يعتبر القدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني.

وقد تعرضت القدس للعديد من الإجراءات العنصرية تراوحت بين هدم أحياء بكاملها مثل حي المغاربة، ومصادرة الأراضي لإقامة المستعمرات، وهدم المنازل العربية أو الاستيلاء عليها، والضغط على السكان العرب من أجل ترحليهم.

وكانت أكثر الأشكال العنصرية بروزاً هي مصادرة الأراضي، فقد صادر الكيان الصهيوني ما يزيد على 23 ألف دونم، من مجموع مساحة القدس الشرقية البالغة 70 ألف دونم، منذ عام 1967، وأقيم عليها حوالي 35 ألف وحدة سكنية لليهود، ولم يتم إقامة أي وحدة سكنية للعرب. ومازال الكيان الصهيوني مستمراً في مصادرة الأراضي من القدس. وتحيط بالقدس حوالي عشرة أحياء سكنية، وأكثر من 41 مستعمرة، تشكل خمس كتل استعمارية. وتُعتبر القدس من أشهر المدن السياحية، وهي محط أنظار سكان العالم أجمع، يؤمها السياح لزيارة الأماكن المقدسة، والأماكن التاريخية الهامة، فهي تضم العديد من المواقع الأثرية الدينية، ففيها: الحرم الشريف، حيث مسجد الصخرة المقابل لبناء المسجد الأقصى وحائط البراق، وكنيسة القيامة، والجامع العمري، كما أنّ فيها كنيسة القيامة. كما يقع إلى شرقها جبل الزيتون، الذي يعود تاريخه إلى تاريخ القدس، فيضم مدافن ومقامات شهداء المسلمين، وتوجد على سفحه بعض الكنائس والأديرة مثل الكنيسة الجثمانية التي تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للمسيحيين.

والقدس حافلة بالمباني الأثرية الإسلامية النفيسة، ففيها أكثر من مائة بناء أثري إسلامي، وتعتبر قبة الصخرة هي أقدم هذه المباني، وكذلك المسجد الأقصى. وفي عام 1542م شيّد السلطان العثماني سليمان القانوني سوراً عظيماً يحيط بالقدس، يبلغ محيطه أربعة كيلومترات، وله سبعة أبواب هي: العامود، الساهرة، الأسباط، المغاربة، النبي داود، الخليل، الحديد. وقد تعرض المسجد الأقصى منذ عام 1967 إلى عشرات الاعتداءات، تراوحت بين التدمير والهدم، والإحراق، وإطلاق الرصاص، واستفزازات الصلاة. وشهدت القدس عدة مذابح ضد الفلسطينيين ومازال الفلسطينيون وسكان القدس يتعرضون للاستفزازات والإجراءات العنصرية الصهيونية.

                                  مدينة المجدل المحتلة

المجدل كلمة آرامية بمعنى البرج والقلعة والمكان العالي المشرف، وهي بلدة كنعانية قديمة كانت تسمى “مجدل جاد”. و”جاد” إله الحظ عند الكنعانيين. تقع المدينة إلى الشمال الشرقي من غزة، وتبعد عنها 25 كيلو متراً، وهي قريبة من الشاطئ على الطريق بين غزة ويافا.

تبلغ مساحة أراضيها 42334 دونماً، بما فيها مساحة المدينة 1346 دونماً. ويحيط بأراضيها قرى حمامة وبيت دراس والجورة ونعليا وجولس وبيت طميا وكوكبا والسوافير. وقُدِّر عدد سكانها عام 1922 بـ (5097) نسمة، وفي عام 1946بـ (10900) نسمة.

واشتهرت المجدل بصناعة الأقمشة، وكان فيها نحو800 نول لحياكة الأقمشة القطنية والحريرية التي كانت تُباع في أسواق فلسطين.

ويعتبر الجامع الكبير من أبرز آثار المجدل، وقد بناه سيف الدين سلار، وهو من أمراء المماليك عام 1300م. وكان في المجدل مدارس للبنين وللبنات منذ بداية الاحتلال البريطاني، ووجد فيها مجلس بلدي ابتداء من 1920.

وقد قامت المنظمات الصهيونية المسلّحة بهدم المجدل، وتشريد أهلها البالغ عددهم (11496) نسمة، وكان ذلك في 4/11/1948، ويبلغ مجموع اللاجئين منها في عام 1996 حوالي ( 70595)، وقد أقام الصهاينة على أراضيها مدينة “أشكلون” التي تسطو على تاريخ عسقلان الفلسطينية.

                                    مدينة بئر السبع المحتلة

وهي مدينة قديمة، سكنتها القبائل الكنعانية، دعيت بئر السبع على الأرجح نسبة إلى آبار سبعة قديمة بها، وقيل أنها دعيت بذلك نسبة إلى البئر التي حفرها سيدنا إبراهيم والنعاج السبعة التي قدمها لزعيم المنطقة (إبيمالك) لخلاف وقع بين رعاتها.

وازدهرت بئر السبع وعُمِّرت في عهد الأنباط والرومان، وكانت محطة للقوافل التجارية التي تعبر البلاد. وكانت في القرن الثاني الميلادي قرية كبيرة بها حامية عسكرية رومانية، وقد عرفت بعد الفتح الإسلامي ببلدة عمرو بن العاص، حيث أقام بها قصراً له. إلاّ أنّ قلة الأمطار وكثرة المحول، وتحوّل طرق المواصلات أدى إلى تأخر هذه البلدة وخرابها، وقد أعاد العثمانيون بنائها عام 1900 للميلاد، وجعلوها مركزاً لقضاء يحمل اسمها، وكانت في الحرب العالمية الأولى قاعدة للجيوش العثمانية. وقد احتلها البريطانيون بتاريخ 31 تشرين أول (أكتوبر) 1917، فكانت أول مدينة فلسطينية تحتلها القوات البريطانية.

وتُعتبر بئر السبع مركزاً للتجارة والاتصالات بين تجار القدس والخليل وغزة والمجدل والقبائل البدوية. ويقع قضاء بئر السبع جنوبي فلسطين، ويحده من الغرب قضاء غزة، ومن الشرق الأردن، وجنوب البحر الميت ووادي عربة، ومن الشمال قضاء الخليل، ومن الجنوب خليج العقبة وشبه جزيرة سيناء.

وفي منتصف أيار(مايو) من عام 1948، تشكلت حامية للدفاع عن المدينة، مؤلفة من أفراد الشرطة المحلية والهجانة، وعدد من المناضلين والشباب المتطوعين من أبناء المدينة من البدو، وتولى قيادتهم عبد الله أبو ستة. وخاضوا معارك باسلة دفاعاً عن المدينة أمام هجمات المنظمات الصهيونية المسلحة، وسقطت المدينة بأيدي الصهاينة في صباح 21/10/1948 بعد معركة ضارية وغير متكافئة.

لقد حاول الصهاينة إبعاد وتشريد البدو من الصحراء الفلسطينية (النقب) من أجل زيادة السكان اليهود، لذلك حرموا البدو من رخص البناء أو الاستقرار في المنطقة، واستمرت هذه السياسة منذ عام 1948 حتى الآن. وقد انتشرت في قضاء بئر السبع المنشآت العسكرية الصهيونية والمستعمرات التي تتزايد يوماً بعد يوم وتتحول إلى مدن مثل “ديمونا” و”عراد”، و”إيلات” (أم الرشراش)، و”سديروت”، و”نتيفوت”، و”افقيم”، و”يروحام”، و”سدي بوكر” وغيرها.

وقُدِّرت مساحة أراضي القضاء بحوالي 12.577 كيلو متر مربع، أما عدد سكان القضاء، فقد بلغوا عام 1922
(75.254 نسمة)، وقُدِّروا في أواخر عهد الانتداب البريطاني بنحو 100 ألف نسمة. أما مساحة مدينة بئر السبع فتبلغ 2890 دونماً. وقد بلغ عدد سكانها عام 1922 حوالي 2356 نسمة، وعام 1945 قُدِّروا بنحو 5570 نسمة.
 
وتقع مدينة بئر السبع إلى الغرب من البحر الميت بنحو 75 كيلومتراً، وإلى الشرق من البحر الأبيض المتوسط بنحو 85 كيلومتراً، وترتفع عن مستوى سطح البحر بـ 175 متراً. وتقع المدينة في الجزء الجنوبي لفلسطين، وفي الجزء الشمالي لصحراء فلسطين (صحراء النقب)، على نصف قاعدة المثلث الذي تشكله الصحراء تقريباً. وقد تطورت مدينة بئر السبع، حيث بُنيت فيها دار للبلدية ومضخة للمياه ومطحنة للحبوب ومسجد ومدرسة للبنين، وغُرست الأشجار على جنباتها، إضافة إلى خط السكة الحديد الذي ربطها بباقي مدن فلسطين وحتى الحدود المصرية. ويتألف قضاء بئر السبع من مجموعة قبائل كبيرة هي: الجبارات، والعزازمة، والترابين، والتياها، والحناجرة، والسعيديين. هُجِّرت أعداد كبيرة منهم باتجاه غزة بعد نكبة 1948، واستقروا فيها، وبقي قسم منهم في بئر السبع.

                                    مدينة الرملة المحتلة

هي إحدى المدن التي أقيمت في العصر الإسلامي الأموي، والفضل في إقامتها يعود إلى سليمان بن عبد الملك، الذي أنشأها عام 715هـ وجعلها مقر خلافته. والرملة ذات ميزة تجارية وحربية، إذ تُعتبر الممر الذي يصل يافا (الساحل) بالقدس (الجبل)، وتصل شمال السهل الساحلي بجنوبه.

كان أهل الرملة أول تأسيسها أخلاطاً من العرب والعجم والسامريين، ثم أخذت القبائل العربية تنزلها، وأخذت الرملة تتقدم في مختلف الميادين، حتى غدت من مدن الشام الكبرى ومركزاً لمقاطعة فلسطين، ومن أعمالها بيت المقدس وبيت جبرين وغزة وعسقلان وأرسوف ويافا وقيسارية ونابلس وأريحا وعمّان. وقد بقيت الرملة عاصمة لفلسطين نحو 400 سنة إلى أن احتلها الفرنجة عام 1099 للهجرة.

تبلغ مساحة أراضيها 38983 دونماً، وقُدِّر عدد سكان الرملة عام 1922 بـ (7312) نسمة، وفي عام 1945 بـ
(15160) نسمة، وفي عام  1948 بـ (17586) نسمة.

والرملة كغيرها من مدن وقرى فلسطين قاومت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات