الأحد 12/مايو/2024

النكبة وحق العودة

د. محمد إبراهيم المدهون

النكبة وذكراها ضوء أحمر يشتعل في منتصف أيار من كل عام ليتذكر شعب اللجوء (الذي يمثل أكثر من ثلثي الشعب الفلسطيني) ما لم ينسه، ويحيي ما لم يمته، ويعيش مجدداً على أمل حق العودة ويعزف على أنغام الذكرى لحن العودة ليرهف العالم سمعه إلى الشعب الوحيد اللاجئ في القرن الحادي والعشرون وهو يقترب من ذكرى عقده السادس في لجوء وتشرد وحرمان.

النكبة مشروع استعماري غربي رأس حربته المشروع الصهيوني يهدف إلى حماية إمبراطوريات الغرب التي كانت ترى أن المنطقة العربية يتوفر لها مقومات التراث في التاريخ والجغرافيا والدين واللغة وإن نهوضها ووحدتها ستشكل تهديداً استراتيجياً لإمبراطوريات الغرب، فكان القرار بزراعة جسم غريب. فكان الكيان الصهيوني كياناً إحلالياً، وصاحَبَ تلك المرحلة ضعف في جسد الأمة في شتى النواحي سمح للإمبراطورية الغربية أن تنفذ مشروعها، فكانت النكبة التي ينبغي محوها ببناء أجيال جديدة تملك مقومات محو المرحلة ومشروعها الاستعماري، وذلك باعتماد فلسطين وقضيتها مركزية الصراع الكوني.

إن الشعور اليقظ بحق العودة والعمل له أحيا مشروع الحق الفلسطيني ليحاصر مشروع الاجتثاث والتمدد الصهيوني ويلجمه. نعم لم يستطع المشروع الفلسطيني هزيمة المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية لما يملكه المشروع الصهيوني من إمداد وعون، ولا أعتقد أنه يملك ذلك.

ولكنه شرف عظيم أن يمتلك المشروع الفلسطيني الذي يعيش على حلم العودة القدرة على الصمود ومشاغلة المشروع الصهيوني وإدمائه والحكم عليه بالتراجع على صعيد الأرض والإنسان.

الرغبة العارمة في كسر شوكة المشروع الفلسطيني القائم على حلم العودة والانغراس في الأرض أيقظ في عقلية المشروع الصهيوني ما أسماه مشاريع التوطين القائمة على إسكان الفلسطيني حيث يكون بعيداً عن أرض الميعاد فكانت المشروعات تلو المشروعات الهادفة إلى التوطين وما أسموه التعويض مقابل إسقاط حق العودة ولكن كل ذلك لم يُخرج الفلسطيني عن دائرته ومشروعه في العودة التي ما يزال يعيش حلمها فكان الفشل الذريع لكل مشاريع سلب الحق والإقرار الفلسطيني بالتنازل عن هذا الحق المقدس وبقي الفلسطيني منتظراً على بوابة الوطن لا يعيش في فلسطين ولكن تحيا فلسطين في سويداء قلبه حيث حل أو ارتحل متمسكاً بمفتاح البيت وكوشان الطابو ليثبت حقه يوم يعود أو يعود ولده إلى أرضه.

القضية الفلسطينية وبؤرتها حق العودة في مفترق طرق خطير حيث الخطورة الكامنة في التحرك السياسي الجاري على أساس المبادرة العربية في إسقاط حق العودة وما يمثله ذلك من ضياع للقضية والحق.

إن الحذر السياسي في هذه المرحلة الدقيقة ضرورة وطنية وذلك باعتماد أن كل من ينزلق إلى مربع المساومة على حق العودة الذي لا يتحقق إلا بدحر الاحتلال إنما ينزلق في أتون الخيانة الوطنية.

إن الاحتفاظ بحق العودة وإن لم يتحقق بمثل صيانة للمشروع الوطني مع استمرار العمل على تحقيق العودة وذلك بطرح مشروع موحد لتنفيذ حق العودة أو على الأقل إحياء حق العودة وتناقله عبر الأجيال. وإعادة بناء منظمة التحرير يمثل قضية محورية في طريق صيانة حق العودة وتنفيذه حيث أن المنظمة تشكل بيت الفلسطينيين جميعاً والمؤسسة التي ينبغي أن تسعى لتحقيق آمالهم وطموحاتهم في العودة.

إن التداعي وتكامل الجهود وتوحدها من أجل ابتكار وتنفيذ مشروعات صيانة حق العودة تربوياً وفكرياً عبر المتاحف والمؤتمرات والرحلات وإيقاظ دليل حق العودة وترسيخ ثقافة حق العودة عبر إحياء الوعي الجمعي بحق العودة عبر المدارس ومناهجها وإحياء يوم دراسي وإعلان مسابقة تصميم شعار حق العودة مع إحياء القصيدة “عائدون” وتشجيع البحث العلمي بمسابقة “رواية الجد” حول القرية والهجرة واللجوء، وإحياء أسماء المدن الفلسطينية عبر المخيمات الصيفية، وعبر المؤسسات بالإبداع في سبل التعاطي مع النكبة واعتماد رمز لذكرى النكبة في الداخل والشتات وباعتماد سبل للتواصل بينهم، مع تسجيل الحركة الفكرية والثقافية واعتماد “كتاب تاريخ اللجوء والهجرة” مع إصدار كتاب سنوي يرصد حركة الشعب الفلسطيني نحو العودة والتحرير.

وإعلامياً عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة وتداعيها بشكل موحد لإحياء العودة وحقها، وعبر المفكرين والخطباء والوعاظ كل ذلك في مسيرة متكاملة تصون حق العودة وتفعيل برامج لتطبيقها في كل مكان.

الليالي الفلسطينية حبلى وتلد كل جديد، وإن إحياء ملف العودة وحقها مهمة وطنية من الدرجة الأولى تسقط أمامها الكثير من الأولويات، وتفتح المجال خصباً أمام المجموع الفلسطيني أن يتحرك للأمام على أساس حق العودة في جملة من السياسات والبرامج والأنشطة متجاوزين حالة الاستقطاب السياسي المقيت والانفلات الأمني بتقديم أولوية العمل للمصلحة الوطنية العليا وعلى رأسها حق العودة وصيانته وتنفيذه.
 
*رئيس ديوان رئيس الوزراء

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات