الجمعة 31/مايو/2024

حكومة أولمرت بانتظار رصاصة الرحمة .. ولا بدائل مريحة للكيان الصهيوني

حكومة أولمرت بانتظار رصاصة الرحمة .. ولا بدائل مريحة للكيان الصهيوني
لا تبدو الحالة التي وصلت إليها حكومة الائتلاف الموسع في الكيان الصهيوني بقيادة إيهود أولمرت اليوم، والتي تهدد بقاءها واستمرارها في سدة الحكم؛ وليدة صدفة عابرة، أو نتيجة للأزمة المتصلة بإخفاق جيش الاحتلال في حرب تموز (يوليو) 2006 على الجبهة اللبنانية فحسب؛ بل إنها طبقاً لمراقبين سياسيين؛ تعود إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.
 
إذ يمكن أن يُعزى ذلك تحديداً إلى الظروف المتصلة بتأسيس حزب “كاديما” (ليس له من اسمه نصيب، فهو يعني: إلى الأمام)، الذي قام أساسا ليوفر مظلة حزبية تناسب مقاس الإرهابي آرئيل شارون، وتمكنه من التحرك تحتها لتنفيذ مشاريعه الصهيونية الكبرى في ذلك الحين، دون التقيّد بهوية الحزبين الصهيونيين التقليديين “الليكود” و”العمل”، حيث تمكّن على ما يبدو من تجاوزهما بشخصيته ذات الحضور، باعتباره من البقايا المتأثرة للجيل ذي الوزن الصهيوني الثقيل.

ووفقاً للمراقبين؛ فإنّ رئيس حكومة الاحتلال أولمرت يبدو في الظرف الراهن كمن يدور في حلقة مفرغة، في محاولة منه لسد الثقوب التي ما فتأت تنفتح الواحد تلو الآخر، في هيكل سفينة ائتلافه الحكومي التي يتهددها الغرق في أي لحظة، بعدما تكالب شركاؤه من أعضاء الائتلاف على دعوته بصوت خافت حيناً ومرتفع أحياناً أخرى، للخروج من الحلبة السياسية، وتنحيه عن منصبه رئيساً للوزراء.

                                      جذور الأزمة

وقد جاءت دعوة وزيرة خارجية الكيان الصهيوني تسيبي ليفني التي تلبس لبوس النصيحة، لرئيسها أولمرت للتخلي عن موقعه، بعد إعلان الوزير ايتان كيبل من حزب العمل عن رغبته في الاستقالة من الحكومة؛ لتزيد الطين بلة، في طريق محاولات الأول لترميم الائتلاف الذي يقوده حزب “كاديما”، بعد صدور تقرير”لجنة فينوغراد” المرحلي حول حرب سلطة الاحتلال الفاشلة على لبنان. ولا شكّ أنّ “نصيحة” ليفني لها دلالاتها، التي ربما يكون من بينها حرصها على ملء الفراغ أو جزء منه الذي سيتركه أولمرت، ربما بما يصعد ذات يوم إلى رئاسة الحكومة، على خطى غولدا مائير.

ولا تقف أزمة أولمرت السياسية الآن عند حدود انفصال الوزير العمالي كيبل، وما يشكله من مقدمات لانسحاب حزب العمل من الائتلاف الحاكم؛ بل تعدت ذلك إلى ارتفاع حدة الأصوات المنادية برحيله من حزب الليكود تارة ومن حزب العمل تارة أخرى، بل وحتى من قلب “كاديما” نفسه، مع تزايد ملحوظ في وتيرة تلك المطالبات.

                                    قلق الشارع الصهيوني

الصورة في الكيان الصهيوني في غاية الاضطراب وثمة إجماع من قبل الصحافة وقادة الرأي والمفكرين على أنّ أولمرت أخفق في تكرار صورة القيادات الكلاسيكية للكيان، بعد رحيل آخر من كانوا يسمون بـ”جيل العمالقة” (هم ليسوا كذلك في الواقع). والأدهى من ذلك والأمر، من وجهة نظر محللين صهاينة؛ أنّ هذه الحالة من القلق والفوضى قد انتقلت إلى الشارع، الذي لم يشهد أشد ضبابية من هذا الوضع المبهم من قبل فقد جابت المسيرات المطالبة برحيل أولمرت ووزير حربه بيرتس شوارع حيفا وتل الربيع والقدس وبئر السبع، وحتى “سديروت” التي تأخذ على أولمرت أنه لم يحمها بترسانته الكبيرة؛ من الصواريخ الفلسطينية الموصوفة البدائية.

ويرجح عدد كبير من المفكرين ومتابعي تحولات السياسة الداخلية الصهاينة رحيل أولمرت، الذي وجد نفسه على رأس الحكومة فجأة. فأولمرت من وجهة نظرهم لم يُؤهّل أصلاً لقيادة حزب أو حكومة لأنه باختصار ظهر في مرحلة غياب البلدوزر (آرئيل شارون) وغيبوبته المفاجئة.

وثمة من يقول داخل الكيان الصهيوني؛ إنّ الائتلاف الحكومي العريض الذي قاده “كاديما” بزعامة الإرهابي أولمرت، وشراكة حزبي العمل والليكود؛ كان عاملاً مهماً من عوامل الضعف الذي يعتري الكيان، وحكومته بالتحديد. فهذه التوليفة التي حملت طابع المحاصصة بعيداً عن المؤهلات والكفاءة؛ جعلت رجلاً أمضى حياته في إدارة بلدية القدس الاحتلالية على قمة الهرم السياسي حتى أنّ خصومه السياسيين وجهوا له انتقادات كثيرة، تقول فحواها إنه أدرى ألف مرة بفتح الشوارع وشراء حاويات القمامة من التحرك في دهاليز السياسة.

                             مشكلة محاصصة التوليفة الحكومية

وبحسب طائفة من المحللين الصهاينة؛ فإنّ مشكلة المحاصصة الحزبية نفسها في ائتلاف الكيان الحاكم؛ أوجدت شخصاً أقل دراية من أولمرت في موقع أكثر حساسية من موقع رئاسة الوزراء إنه وزير حرب الاحتلال عمير بيرتس. فقد جاء هذا إلى الحكومة على رأس حزب العمل، مدججاً بتاريخ من الملفات العمالية ومشكلات “الهستدروت” (تجمع نقابات العمال الصهيونية). ويرى هؤلاء الناقدون أنّ بيرتس ضليع في تحديد نسب البطالة، وما يترتب عليها من فقر في المجتمع، وفي كيفية احتساب ساعات العمل وأجوره، ومحاكم أرباب العمل، لكنّ خبرته في مجال الحرب ضعيفة جداً، ومع ذلك تولى وزارتها وظهر بأسوأ المواقف وهو ينظر إلى الجبهة الشمالية بمنظار مغلق العينين.

القوة العسكرية لدولة الاحتلال التي ساد لفترة من الزمن “أنها أسطورة لا تقهر”؛ ربما شكلت إحدى عوامل الإحباط والهزيمة في الشارع، قبل أن تكون على مستوى الجيش الصهيوني. فالشارع هناك ما زال غير مستوعب ما حصل في فترة أولمرت. إذ دكّت المئات من الصواريخ الفلسطينية مناطق الجنوب رغم إخلاء مستعمرات القطاع أما كاتيوشا حزب الله فطارت إلى ما هو أبعد من مستعمرات الشمال، وحطت في حيفا وما بعد حيفا. وقد ظهر جلياً أنّ الكيان فقد في عهد رئيس وزرائه الحالي قوة ردعه للعرب، الذين نجحوا في أسر ثلاثة من جنوده، دون أن تغني عنه ترسانته الضخمة من الأسلحة شيئاً.

                                       تأبين “أولمرت”

ومن نافلة القول أنّ الراقصين في حفل تأبين أولمرت سياسياً، والذي قد لا يطول كثيراً، هم كثر، يبدأون بالشارع الخائف الذي ما زال يرى في رئيس وزرائه العجز عن فعل أي شيء فهو لم ينتصر في حربه على المقاومة في لبنان ويقف عاجزاً عن وقف إطلاق صواريخ المقاومة على “سديروت” والنقب والمجدل، كما أنه أخفق أيما إخفاق في إعادة جنوده الأسرى في لبنان وفي غزة ولم ينجح في إيجاد لسان موحد للائتلاف الحكومي الذي يقوده وفوق هذا وذاك هو متهم ليس بالفساد الإداري زالمالي الذي تلاحقه الكثير من قضاياه.

يبدو أنّ مسالة رحيل أولمرت وحكومته المتعثرة مسألة وقت، وهي بانتظار من يطلق عليها رصاصة الرحمة، لكنّ الكيان الصهيوني الذي جرّب البدائل المتاحة لن يعثر على الأرجح على ما هو أفضل منها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات