الإثنين 13/مايو/2024

سلطة أوسلو واستحقاقات ما بعد أوسلو

أ.د. محمد اسحق الريفي

رغم انتهاء اتفاقية أوسلو عملياً وتنكر الاحتلال لاستحقاقاتها، لا تزال السلطة الوطنية الفلسطينية تصر على التمسك باستحقاقات رتبتها على الشعب الفلسطيني بموجب هذه الاتفاقية، فتحولت بذلك إلى مجرد مؤسسة تقوم على تنفيذ استحقاقات ما بعد أوسلو التي تنطوي على التفريط بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

أنشأ المجتمع الدولي سلطة أوسلو بموجب اتفاقية أوسلو التي قامت على أساس وقف “المقاومة الفلسطينية” في مقابل تسهيلات مرورية وتجارية محدودة يقدمها الاحتلال للفلسطينيين، إضافة إلى حصول السلطة على مساعدات مالية من المجتمع الدولي، وذلك في سياق مرحلة مؤقتة كان مخططاً لها أن تفضي إلى مرحلة أخرى يتم فيها التفاوض على الحل النهائي، حيث تم ترحيل القضايا الجوهرية إلى تلك المرحلة.

ولذلك فقد ارتهن بقاء سلطة أوسلو واستمرار حصولها على الدعم المالي والعديد من المزايا، التي يستفيد منها كبار المتنفذين في السلطة، بقدرتها على جباية تلك الاستحقاقات لصالح الاحتلال.  وبعبارة أخرى، مكنت اتفاقية أوسلو الاحتلال من تقزيم مشروع منظمة التحرير الفلسطينية وحصره في الحصول على المساعدات الدولية ومجموعة من المصالح الشخصية الضيقة في مقابل تحول السلطة إلى غطاء للاحتلال وشرطي له.

وقد تكرست هذه الحالة التي آلت إليها السلطة من خلال الاتفاقيات الأمنية التي توصلت إليها مع الاحتلال والأمريكان في شرخ الشيخ عام 2000م، وفي القاهرة عام 2001م، ومن خلال موافقتها على الالتزام بوثيقة تينت وخطة ميتشل، وكلها تهدف إلى تحقيق أمن كيان الاحتلال ووقف هجمات المقاومة ومطاردة المقاومين وملاحقتهم واعتقالهم.

ولذلك أصبح الدور الأمني المنوط بالسلطة هو كل ما تبقى للجانب الفلسطيني من اتفاقية أوسلو وما تلاها من تفاهمات واتفاقيات، وهذا أمر مفهوم في سياق طبيعة هذه السلطة ودورها، وما فرضته على شعبنا من استحقاقات تجاه الاحتلال، وما تكفلت به من التزامات لضمان استمرار حصولها على المساعدات المالية.

ورغم وفاء سلطة أوسلو باستحقاقاتها وإخلاصها في تنفيذ التزاماتها تجاه الاحتلال، فشلت هذه السلطة “الوطنية” في الحد من الممارسات القمعية للاحتلال الصهيوني أو التخفيف من معاناة شعبنا، وهذا طبعاً لم يكن يوماً من أولوياتها، إلا بقدر ما تحفظ به ماء وجهها أمام الشعب الفلسطيني، كإزالة بعض الحواجز العسكرية، أو إطلاق بعض المعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال، أو زيادة عدد أيام تشغيل معبر رفح…

وفي كل مرة تستجدي السلطة الاحتلال القيام بما يسمى “إثبات حسن النوايا”، تتعرض لابتزاز الاحتلال وتخضع لإملاءاته، فتضطر إلى إعادة التنسيق الأمني مع الصهاينة المحتلين.  وقد استجابت السلطة في الشهر الماضي لمطالب الاحتلال والأمريكان بإعادة تفعيل اللجنة الأمنية الرباعية، لتؤدي السلطة استحقاقاتها الأمنية تجاه الاحتلال وتبدد تخوفاته الأمنية، وذلك من خلال القيام بإجراءات استباقية ووقائية ضد المقاومة الفلسطينية.

ومع دخول حركة حماس في المعترك السياسي وتمسكها بالمقاومة، أصبحت السلطة مطالبة أكثر من أي وقت مضى باستحقاقاتها الأمنية، بل زادت هذه الاستحقاقات بسبب حسابات خاطئة واعتبارات فئوية وحزبية ضيقة، وبسبب ارتباط المصالح الشخصية لجماعة أوسلو بالاحتلال والمجتمع الدولي الراعي لأوسلو، فاستمرار المقاومة يلغي دور السلطة، ويجعلها عبئاً ثقيلاً على المجتمع الدولي الداعم لها.

إن اقتصار صلاحيات السلطة على تنفيذ استحقاقاتها تجاه الاحتلال، خاصة في المجال الأمني، جعلها تفشل في توظيف الواقع الجديد الذي أوجده دخول حماس في المعترك السياسي في خدمة القضية الفلسطينية، بل على العكس من ذلك تماما، وكما هو مرسوم لها، تحولت السلطة إلى أداة بيد الإدارة الأمريكية لممارسة الضغط على الشعب الفلسطيني، وعرقلة عملية الإصلاح، ومنع ترتيب البيت الفلسطيني بطريقة تحرره من استحقاقات أوسلو الباطلة.

وكان الأولى للسلطة أن تدفع استحقاقاتها – تجاه الوطن والشعب – لمرحلة جيدة في مسيرة الجهاد والتحرير، بدلاً من التصاقها باستحقاقات باطلة، وذلك بالتمسك بالثوابت الفلسطينية وعدم التفريط بالحقوق، وعدم الرضوخ لإملاءات الاحتلال والإدارة الأمريكية، وفتح أفق جديد أمام شعبنا والاستجابة لطموحاته وتطلعاته.

ولكن، ومع الأسف الشديد، لم يكن من أولويات سلطة أوسلو، حتى في مرحلة ما بعد أوسلو، فتح أي أفق سياسي أمام شعبنا ليعمل من خلاله على تحرير أرضه واسترداد حقوقه، بل إن وجوده السلطة يهدف أساساً إلى قطع الطريق على شعبنا لإيجاد حل مشرف يحصل بموجبه على حقوقه كاملة، وعلى رأسها حق تقرير المصير على تراب وطنه فلسطين.

والأكثر من ذلك سوءاً، أن استحقاقات السلطة تجاه الاحتلال والمجتمع الدولي لا تسمح لها بالقيام بأي دور من شأنه أن يعزز صمود شعبنا في وجه الاحتلال وممارساته القمعية، كالسعي مثلاً لكسر الحصار الاقتصادي الجائر الذي بات يهدد وحدة شعبنا وصموده في وجه الاحتلال وحلفائه ورعاته، أو وقف الفلتان الذي يهدد بكارثة إنسانية في المجتمع الفلسطيني، أو وقف هرولة النظام العربي الرسمي نحو التطبيع مع كيان الاحتلال.

بل الأتعس من ذلك كله، أن نهج سلطة أوسلو التفريطي بات أرضية ينطلق منها الاحتلال نحو التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، وذلك لتصفية القضية الفلسطينية…

ونحن نشهد اليوم حالة من توظيف السلطة وأجهزتها العسكرية للحملة الأمنية في أداء جزء من استحقاقاتها الأمنية في مرحلة ما بعد أوسلو، وذلك في سياق الاستجابة للمطالب الصهيونية والأمريكية بتصدي أجهزة السلطة الأمنية للمقاومين ومنعهم من إطلاق الصواريخ على المناطق المحتلة المجاورة لغزة، وذلك على قاعدة انزعاج الاحتلال من هذه الصورايخ…!!

وهكذا سيستمر سعي سلطة أوسلو لاستغلال الفلتان والحصار والمعاناة، وكل حدث ومصيبة، في إيجاد فسحة لها لأداء استحقاقاتها الأمنية، والالتفاف على خيار الشعب الفلسطيني، وتجيير جهوده في الخروج من مآزقه لصالح هذه الاستحقاقات.

إن سلطة أوسلو لا تساوي عند الشعب الفلسطيني أكثر من الرواتب التي يدفعها المجتمع الدولي، وهي رواتب مرهونة برضوخ شعبنا لإملاءات الاحتلال المتمثلة في شروط اللجنة الرباعية، فما حاجة شعبنا إذاً لهذه الرواتب التي هي بيع – بالتقسيط المريح – لفلسطين ووسيلة لكسر إرادته والالتفاف على خياراته…!!

لقد أصبحنا نعيش في مرحلة استحقاقات مفتوحة، ندفع ثمنها من حقوقنا وحريتنا وكرامتنا وعزتنا ووحدتنا، فما حاجة شعبنا إذاً بسلطة وظيفتها جباية استحقاقات باطلة…!!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت مساء اليوم الاحد، مواجهات بين المواطنين والمستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة قصرة جنوب شرق نابلس....