عاجل

الثلاثاء 14/مايو/2024

القمني هو الحل!!

خليل محمود الصمادي

كان السيد القمني مثار جدل واسع قبل عشر سنوات على صفحات الجرائد والمجلات كروز اليوسف وأخواتها، وعلى بعض المواقع الالكترونية؛ بسبب الآراء التي تبناها ، وادعى أنه تلقى تهديدات عديدة على بريده الإلكتروني تدعوه للتوبة فاعتزل الكتابة ، وها هو اليوم يعود بآرائه المثيرة للجدل مرة أخرى ومنها ما نشر على بعض المواقع الالكترونية بعنوان ” الإسلام هو الحل ” ساخرا من هذا الشعار الذي لم يعد يصلح لهذا الزمان والمكان على حد زعمه ، طارحا بديلا عن الشعار يتلخص في أن الحل يكمن في أفكاره التي بشَّر بها قبل عشر سنوات ونيف.

” الإسلام هو الحل ” شعار ينطوي على مفاهيم عميقة لا يدركها إلا من فهم الإسلام وليس مجرد شعار مفرغ من المضمون ، فهو كما في شهادة ” لا إله إلا الله ” ينطوي على مفاهيم عميقة لا يدركها إلا من عرف معنى الشهادة ، أهمها العبودية المطلقة لمن يستحق العبادة دون سواه، والحرية والشجاعة والإيمان والمساواة.

 شعار ” الإسلام هو الحل ” حقيقة قرآنية وتاريخية، وعلمية ، هو الحضارة بعينها إذا طبق بروحه ومفاهيمه ، وما نراه من زخرف الدنيا كما في أوروبا أو أمريكا التي أصبحت اليوم قبلة الكثيرين ممن يعادون الإسلام بعد أن نقلوا كفالتهم من موسكو إلى واشنطن.

هل الحل في احتلال البلاد والتنكيل بالعباد وقتل الأحياء من بشر وحيوان وشجر، وإبادات جماعية لكل من يخالفهم الرأي، وما القشور التي يبثونها لنا إلا تخدير وملهاة حتى ينخدع المنخدعون ، ما نراه اليوم من إعجابك بالغرب ليس حضارة بل هو مدنية ، تقدم وامتلاك لأسباب القوة ، وحرب شعواء على المخالفين لهم .

الحضارة هي ارتقاء بالإنسان وتحقيق العبودية لله، و مساواة الناس في الأحكام، ثم التقدم المادي الذي يخدم البشرية ، وعمارة الأرض ، ومن ينكر امتلاك الأمة الإسلامية لمقومات الحضارة لأكثر من عشر قرون خلت؟ وما انتشار الإسلام في أصقاع المعمورة إلا دليل على هذه الحضارة ، أما ما تباكى عليه السيد القمني من الأشورية والفرعونية والبابلية فأين حضارتهم اليوم فلو كانت حضارة كما ادعى لما بادت، بل سادت لأن النفس البشرية تتوق لما يحقق أحلامها وطموحها وتسعى لبنائها وتطورها.

لا يذكر السيد القمني من تاريخنا الإسلامي إلا الظلم والاستبداد، وهذا نوع من الانتقائية لا يرقى للبحث العلمي ، أنا لا أنكر أنه كان في كثير من الدول والعصور الإسلامية ظلم واستبداد سببه الصراع على الحكم ، ولكن في الوقت نفسه كان هؤلاء المستبدون عادلين في كثير من الأحيان، فالقارئ الجيد للتاريخ كما السيد القمني والذي أمدَّ المكتبة العربية بعدد من الكتب التاريخية كيف يفوته العصور الذهبية الإسلامية عصور الفتوحات والعلم والمكتبات والتي شهد بها المنصفون من المفكرين الغربيين قبل المسلمين !! فمن الإجحاف اتهام العصور الإسلامية كلها أو دولة الخلافة بالظلم والاستبداد والتخلف

 ألم يقرأ عن الدولة الأولى في العالم لاثني عشر قرنا من الزمن إذ كانت المدينة المنورة والكوفة ودمشق وبغداد والقاهرة وأخيرا إستانبول كما واشنطن اليوم من حيث القوة والمنعة والاعتزاز، يقف على أبوابها الكثيرون طمعا في لقاء الخليفة أو شيخ الإسلام ؟

 ألم يعلم أن الدولة العثمانية ” المستبدة ” شرعت أبوابها لليهود الذين طردتهم حضارة إسبانيا بعد محاكم التفتيش التي طاولت كل من خالفهم الرأي؟

 وفي الوقت نفسه هل كان العالم الآخر ـ الذي تباكى عليه ـ ينعم بالحرية والديمقراطية وتداول الحكم حتى حكم على الخلافة الإسلامية بالاستبداد ، ألم يعلم عن حروبهم المقدسة وقتلهم الملايين ؟ وما الحربان العالميتان الأخيرتان إلا دليل على همجية هؤلاء القوم إذ ذهب ضحيتها ملايين من البشر!! وإن لم يعلم عن هيروشيما ونكاكازي فتلك مصيبة وإن اعتبر ما حل بهما حضارة فالمصيبة أعظم !!

هل دعم إسرائيل من قبل العالم الغربي ، وحصارهم للشعب الفلسطيني ،ورفضهم استقبال أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين شعبيا، والوزراء الممثلين لحكومة الوحدة الوطنية حضارة وتقدم !!

عزيزي السيد :منذ مئة عام ونحن نجرب النظريات الغربية والشرقية وكان الإسلام مغيبا فلمَ لم تنجح هذه التجارب؟ فهل المشكلة في الإسلام أيضا ؟!! لقد ازداد تخلفنا وتبعيتنا ، وتفشت المشكلات التي لم تجدوا لها حلا إلا باتهامكم الإسلام هو سبب التخلف فلم لم يكن الآخرون المناوئون لهذا الشعار سبب التخلف وقد حكموا البلاد والعباد وتملكوا المقومات والقوة، وفي ظلهم شرعت لكم الأبواب وأصبحتم المنظرين والمستشارين والناصحين والمحرضين في بعض الآحايين!!

الحقيقة أنه بعد أن يئس الناس من شعارات الخمسينات والستينات وبعد الفشل الذريع لتجارب غريبة عن المجتمع ومفاهيمه لجأ الناس للفطرة ورفع بعضهم الشعار الذي لم يعجب أصحاب شعار” كل ما عدا الإسلام هو الحل” ، بالرغم من التضييق عليهم وملاحقتهم واتهامهم بأبشع التهم، ويبدو أن كثيرين سيموتون بغيظهم لأن لا شعار يضاهيه في أيامنا هذه بالرغم من المحاولات العديدة لتأميمه أو مصادرته

 إنه شعار وإن لم يعجبك وحتى لو تهكمت عليه يسري سريان النار في الهشيم لأن النبتة التي زرعتموها لم تثمر إلا هشيما خاويا اكتشفه الناس وسارعوا في اجتثاثه .

يبدو أنَّ لا حل لمشكلات العالم الإسلامي إلا بالشعار الذي لم يعجبك لقد جربنا ما ناديتم به ، ولم يبق للمناوئين إلا نموذجهم المفضل أمريكا، وأنت تعلم إلى أي مدى وصلت محبة أمريكا في العالم كله، بسبب حضارتها المزيفة!!

وأخيرًا ألم تقرأ عن العدالة والتنمية في تركية التي حرمت من رفع هذا الشعار علنا فحملوه في عقولهم وقلوبهم وارتقوا بتركيا بشهادة المنصفين من المحللين والدارسين ، ألا تتفق معي أن تركيا اليوم أفضل من الأمس وقبل الأمس ، فهل وقف الإسلام حجرة عثرة أمامهم، أم أنه كان المعين لهم على التطور والتقدم والنظافة والمساواة ، فإن لم تقتنع لا تسأل أحدا من الإسلاميين فقد يكون متحيزا، أو متعصبا ، بل اسأل الأصوات التي حصدوها وادرسها بطريقة علمانية أو علمية واعرف كم تضاعفت خلال عقد من الزمن في البلديات والبرلمان ، وجميع المؤسسات الاجتماعية، فأين التخلف والتردي مما طرحته في مقالك؟!!

وليست التجربة التركية وحيدة هناك تجارب كثيرة ولكن المشكلة سيدي أن يسمح لأصحاب هذا الشعار أن يعملوا في جو من الحرية والإنسانية لا أن يعاملوا كما قال الشاعر:

         ألقاه في اليم مكتوفا وقال له ** إياك إياك أن تبتل بالماء     

هناك برامج عديدة لمن يرفعون هذا الشعار ومسألة البرامج أصبحت نغمة قديمة لحَّنها من فشلت برامجهم، ولكن المشكلة أنكم لا تريدون أن تطلعوا على برامج غيركم.

 الإسلام هو الحل الذي ينبثق منه بلا شك ” العلم هو الحل ” ليس للعالم الإسلامي وحده بل للعالم كله الذي يعيش اليوم في ظلم وطغيان ومعايير مزدوجة، وربما تستغرب من هذا الكلام وقد استغرب قبلك سراقة بن مالك يوم كان يلاحق من فرّ بدينه من حضارة قريش المزعومة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

في ذكرى النكبة.. حتى النزوح لم يعد ممكناً

في ذكرى النكبة.. حتى النزوح لم يعد ممكناً

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام تمرّ هذه الأيام ذكرى النكبة الفلسطينية التي وقعت عام 1948، في الوقت الذي يعيش فيه أهل غزة نكبة جديدة، أو هكذا أراد...