عاجل

الإثنين 13/مايو/2024

الإرهاب العلماني في تركيا وحقيقة الصراع

أحمد الفلو

ربما كان أكثر أخطاء الإمبراطورية العثمانية جسامة هو ضعف الرقابة الإدارية والمالية على الشؤون الاقتصادية والمالية للدولة ففيما كانت الدولة منهمكة في صراعها ضد أوروبا من جهة وضد الفتن والنزعات الانفصالية في أنحائها كانت هناك سيطرة شبه كاملة ليهود الدونمة على كافة المجالات المالية و الاقتصادية وإدارة الديون في الدولة وذلك يعود إلى صلاتهم الوثيقة بأوساط المال والذهب العالمية وكان هؤلاء يؤسسون لقلب الدولة العثمانية عبر حركة قومية تركية هي جمعية الاتحاد والترقي مثل ((شمسي باشا)) واسمه الحقيقي شمعون زوي الذي كان منظراً للفكر القومي العلماني وصاحب ومدير وأستاذ المدرسة التي درس فيها الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك أثناء طفولته في مدينة سالونيك، أما الثاني فهو اليهودي((إيمانويل قاراصو)) أحد مؤسسي جمعية الاتحاد والترقي عام 1889، والثالث هو((“مؤنس تكين أل)) الذي كان يبدو تركيا قوميا مسلما، فاسمه الحقيقي (مويس كوهين) وكان مقربا جدا من أتاتورك وأحد أطبائه وفي نفس الوقت ثريا جدا وله علاقات ممتازة مع المؤسسات المالية الدولية .

إن أمثال تلك الشخصيات هي التي سيطرت على مفاصل الاقتصاد التركي بعد إنشاء الجمهورية التركية وهي التي تولت أرفع المناصب في الاقتصاد ورسمت ومازالت معالم و سياسات الإدارة المالية للجمهورية التركية الحديثة وبقيت هذه القوى الصهيونية العلمانية مهيمنة على الأوضاع الاقتصادية والتي لم تشهد سوى التردي والنزعة الاستهلاكية و المال الربوي والتضخم النقدي وتراكم الديون و مع بداية السبعينيات ظهرت الأحزاب والحركات الرافضة لهذه السيطرة للعلمانية الظالمة ولكن القوى العلمانية المهيمنة على الاقتصاد التركي شعرت باحتمال تقلص نفوذها فقررت فوراً تشكيل إطار رسمي منظم يحمي مصالحها الاقتصادية، ويحافظ على مكانتها السياسية وتأثيرها القوي في نظام الدولة، وفعلا تأسست جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك ((توسياد)) عام 1971 في إسطنبول.

كان عدد كبير من مؤسسي هذه الجمعية من اليهود العلنيين ويهود الدونمة، والمثير أن أول فقرة في النظام الداخلي لهذا التكتل الاقتصادي تتحدث عن الغاية من التأسيس وتنص حرفيا على ((تنمية التركيبة الاجتماعية المخلصة والوفية لأهداف ومبادئ أتاتورك في الحضارة العصرية، والعمل على ترسيخ مفهوم دولة القانون العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي)) . جمعية توسياد هذه يبلغ عدد أعضائها حاليا 545 شخصا هم الأكثر ثراء على الإطلاق في تركيا يمتلكون 1300 شركة يعمل فيها نحو 500 ألف شخص، وحجم تعاملها أو نشاطها الذي يتركز على الدول الغربية بشكل خاص يصل إلى 70 مليار دولار، وتتحكم في 47% من القيمة الاقتصادية التي تنتجها تركيا.

ومع بداية الثمانينيات وفي ذروة عصر الصحوة الإسلامية العالمية شهدت منطقة وسط الأناضول تدفقاً هائلاً لرؤوس الأموال من الأتراك المتدينين بالإضافة إلى ثروات المغتربين الأتراك في أوروبا و عددهم ثلاثة ملايين وأغلبهم يبحثون عن استثمارات ليست ربوية في بلادهم بل مشاريع إنتاجية صناعية وزراعية ضخمة انعكست على حياة الأناضول انتعاشا وازدهاراً مذهلاً ومما دعم ذلك التطور أيضا انفتاح الأسواق العربية والإسلامية و قيام مشاريع اقتصادية مشتركة تنموية هائلة الحجم  وقد أثارت هذه القفزات الاقتصادية مخاوف العلمانيين و قلق المرابين اليهود مما حدى بهم لإطلاق اسم(( الأموال الخضراء أو رؤوس الأموال الرجعية)) بهدف إثارة الفزع وتخويف الناس من الإسلاميين إن هؤلاء العلمانيين هم الذين كانوا يستفيدون من عمليات الإقراض عبر الحصول على معدلات فائدة وصلت إلى حوالي 70% وفوائد سوقية بلغت 35% مع نسب تنمية سنوية لم تتجاوز في أحسن أحوالها 2% سنوياً ضمن اقتصاد طفيلي استهلاكي منهك وذلك في الفترة ما قبل عام 2003 أي قبل وصول حزب التنمية والعدالة للحكم وانقلب السحر على الساحر فما أن وصل حزب العدالة إلى الحكم وعبر تخطيط ذكي ومحكم بعيد عن الفساد والرشوة واللصوصية التي كانت الحكومات العلمانية السابقة تمارسها فقد نجح الإسلاميون خلال أربع سنوات من الحكم من تكريس مبدأ الإنتاج الفعال والصناعة القوية والزراعة الواسعة واجتذاب رؤوس الأموال الأوروبية والعربية والإسلامية وافتتاح عدد كبير من المصارف الإسلامية وكذلك تمكنت حكومة أردوغان من تجفيف الكثير من منابع الفساد الحكومي والجريمة والدعارة إلى درجة أن أردوغان شخصيا أجرى عدة لقاءات مع الفتيات العاملات في بيوت الدعارة وقام بمصارحتهن حول أسباب امتهانهن لهذه المهنةومن ثَمَّ توفير بعض الوظائف المحترمة لهن، وبالتالي تضاءلت إلى حدٍّ كبير مساحةُ هذه البيوت وأنشطتها .

كما تم خلال فترة حكومة أردوغان تخفيض نسب التضخم من 35% إلى 8% وذلك عبر تخفيض معدلات الفائدة من 70% إلى 14 % وارتفعت الصادرات التركية من 72 مليار دولار إلى 195 مليار دولار وارتفع عدد السائحين من 9 ملايين سائح إلى 20 مليون سائح عبر ما يسمى السياحة النظيفة بالإضافة إلى إقرار قانون(( هيا يا فتيات إلى المدرسة)) بهدف محو الأمية للنساء وتم بناء 150 ألف وحدة سكنية بيت عتمي 2003-2005 للفقراء وتم إغلاق 22 مصرفاً بسبب الفساد والتلاعب كما تم تعزيز الحريات الفردية مثل حق التظاهر والتعبيرعن الرأي ومنع التعذيب ومنح الأقليات وخاصة الأكراد حقوق اللغة وممارسة التقاليد .

ولنا الآن أن نتساءل عن هوية هؤلاء الموتورين من أهل العلمانية الذين يريدون ديموقراطية تناسب مقاساتهم فقط لأنهم يعتبرون أنفسهم أوصياء على رغبة الشعب وكأن الشعب التركي مجموعة من القاصرين يريدون حرية التعري ولكنهم ضد حرية اللباس، إنهم مع كرامة المرأة ولكنهم مع حرية الدعارة كي تستمر مصالحهم في تجارة البغاء ومع الحرية والديموقراطية ولكنهم يختبئون وراء أحذية العسكر ليضمنوا العودة إلى السلطة مصدر الفساد واللصوصية إنهم مع حرية الاقتصاد ولكنهم يريدوه اقتصاد الرشوة والسرقة إنهم مع التعليم و لكنه تعليم الرقص والعري وليس الفيزياء إنهم مع حقوق الأقليات ولكنهم يؤيدون حق الأكراد في الموت والقتل كي يجد هؤلاء الجنرالات في مجلس الأمن القومي مبرراً لبقائهم .

ومن المهازل المضحكة الأخيرة أن معظم الرؤساء الأتراك السابقين قد تم انتخابهم بنسبة النصف أو أقل بكثير ولم يطالب أحد من هؤلاء بنسبة الثلثين والمضحك أكثر أن كل هذه التظاهرات لم تخرج ضد تزوير أو ضد مرشح يملك أقلية بمساعدة العسكر بل العكس تماماً.

ولكن لا يمكن بحال من الأحوال إنكار الخلفية الاقتصادية للمشهد السياسي الأخير في تركيا والذي يمكن تلخيصه بجبهتين متواجهتين الأولى تدافع عن مصالحها المادية و تضم لصوصاً وصهاينة و قوادين ومرابين ومجرمين استمرأوا الرذيلة ويستقوون بأحذية العسكر  أما الجبهة الأخرى فتدافع عن مصالح الشعب وتستقوي بالحرية والحق والعدالة وسلاحها النظام والوسائل السلمية والديموقراطية والأيام القادمة سوف ترينا من المنتصر.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات