الثلاثاء 14/مايو/2024

الانتخابات المبكرة لا تحل المشكلة

سري سمور

كثر الحديث عن السيناريوهات المتوقعة أو المقترحة في ظل استمرار الحصار الجائر المفروض على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع منذ فوز حماس بانتخابات المجلس التشريعي مطلع العام الماضي، ورغم تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد اتفاق مكة المكرمة استمر الحصار وتواصل وكأن شيئا لم يكن،فبدأت تعلو أصوات متباينة في دعواتها: هناك من دعا لحل السلطة ،وهناك من قال إن عمر الحكومة الحالية لن يتجاوز الثلاثة أشهر ،وهناك من قال بأن هذه آخر حكومات السلطة إذا تواصل الحصار،وهناك من اعتبر أن إجراء انتخابات مبكرة هو السبيل الأضمن للخروج من الأزمة!

وعند مناقشة الطرح الأخير أي إجراء انتخابات مبكرة تحضرني قصة أكد رواتها أنها حدثت فعلا وهذا لا يهم كثيرا بقدر المغزى منها؛ فعلى ذمة الرواة فقد تقدم شاب لخطبة فتاة من أقاربه، وأقاربه وهم أهل الفتاة أعطوه موافقة مبدئية ؛ولما سألوا ابنتهم عن رأيها قالت بأنها ستقوم بعمل استخارة(صلاة ودعاء) قبل إعطاء الجواب فقالوا لها:على بركة الله،وبعد أيام سألوها ما نتيجة الاستخارة فقالت لهم:أن النتيجة سلبية أي أنها ترفض الاقتران بالشاب قريبها،فقال لها أهلها حسنا :استعيذي بالله من الشيطان وأعيدي صلاة ودعاء الاستخارة،ففعلت وكانت النتيجة سلبية ،فطلبوا منها أن تعيد الكرة مرة ثالثة ففعلت وكانت النتيجة سلبية ،فقال أهلها لها وقد ضاقوا ذرعا:اسمعي يا بنت عليك بإعادة الاستخارة ولو مئة مرة حتى تكون النتيجة موافقتك على الزواج من هذا الشاب!

إن حالة شعبنا باتت كحالة هذه الفتاة ،فعلينا أن نجري انتخابات تكون نتيجتها مقبولة من العم سام ومن “شلومو” ومن أوروبا ومن بعض الأطراف العربية وإلا فالحصار والتجويع مصيرنا ،ولكن من يروج لفكرة الانتخابات المبكرة يبدو ضامنا أن نتيجتها ستكون مغايرة لسابقتها في 25/1/2006م استنادا لعدة أمور منها:-

1) إن الناخب الفلسطيني سيصوت هذه المرة بمعدته لا بعقله وضميره نظرا لما عانى من شظف في العيش ،ولأن البعض روّج لنظرية:”لص يطعمني خير من شريف يجوعني” ،وبدأت بعض الشائعات تسري بأن خمسة رواتب ستدفع كاملة دفعة واحدة في حال تغيرت التركيبة البرلمانية والحكومية،وأنه سيتم الإفراج عن جميع الضرائب المحتجزة من قبل حكومة الاحتلال!

2) بعض نتائج الانتخابات في العديد من المؤسسات التعليمية والنقابات المهنية رغم أن وسائل الإعلام تبالغ في حجم فرق الأصوات بعناوينها التي تبرزها عند فوز طرف ما في انتخابات جامعة معينة لم تفز فيها الكتلة المحسوبة على حماس منذ تأسيسها مثل الجامعة العربية الأمريكية قرب جنين وتقلل من أهمية نتائج انتخابات جامعة بيرزيت التي أكدت أن شعبية حماس ليست بالسوء الذي تم تصويره أو يتم تخيله.

3)  الاستناد للوعود من جهات في الإدارة الأمريكية وغيرها بأن الحصار سيرفع فورا عندما تجري انتخابات تخسر فيها حماس مواقعها الحالية، ناهيك عن الأحاديث التي تنشرها بعض الصحف والأخبار التي يتم تسريبها عن دعم مالي كبير لجهة فلسطينية بعينها!

4)  بث دعاية مبرمجة أن برنامج حماس لا يختلف عن برنامج منافسيها وأن حماس تخلت عن ميثاقها وتنكرت لشعاراتها وأنها نقضت ما خطه قادتها الشهداء من مواقف وآراء وأنها أصبحت حركة مغايرة تماما لتلك التي كانت أيام الياسين والرنتيسي،وأن حماس هي سبب الفلتان الأمني الذي تعيشه مناطق الضفة والقطاع وأن حالة الفلتان ستنتهي بمجرد ابتعاد حماس عن الحكم!

5)  احتمال حدوث عمليات تزوير لعملية الاقتراع وهذا قابل للحدوث وعلى نطاق واسع في بعض المناطق، عدا عن تقديم الإغراءات المالية المباشرة لبعض الناخبين والوعود بالترقيات والتعيينات للبعض الآخر.

بناء على ذلك يرى دعاة الانتخابات المبكرة أن فوزهم في الانتخابات المبكرة مؤكد لا محالة، ولكن ما هي مخاطر هذا الطرح وتبعاته؟وهل فعلا ستحل المشكلة في حال إجراء انتخابات مبكرة؟

إن إجراء انتخابات مبكرة يحمل تبعات سلبية كثيرة فلسطينيا وعربيا بل حتى عالميا ومنها:-

1) فشل مشروع الوحدة الفلسطينية ومبدأ الشراكة السياسية وهذا أمر يؤثر على كل ألوان الطيف الفلسطيني وليس طرفا دون الآخر،ويسمح باختراقات خارجية أكثر مما هو موجود فعلا للحالة الفلسطينية.

2) بهذا يتم الإيحاء بل التأكيد أن وجود الحركات الإسلامية في الحكم ضرره أكثر من نفعه بل كله ضرر وبهذا يتم إرسال رسائل سلبية للحركات الإسلامية الراغبة في الشراكة في العديد من الدول العربية.

3) إحباط جميع القوى والدول والفعاليات المناوئة للهيمنة الأمريكية في العالم بأسره والتأسيس لفكرة أن لا أحد يستطيع أن يقول لواشنطن:لا، وإلا فإن مصيره الحصار والعزلة.

4) وهذه أخطر نقطة:جعل أو تحويل قضية شعب أرضه محتلة ومقدساته تتعرض للهدم إلى قضية رواتب موظفين ،وبهذا تستطيع أي حكومة إسرائيلية مواصلة الابتزاز السياسي  من بوابة التلويح بالحصار المالي وحتى لو جاءت حكومة جديدة ولم ترضخ لجميع الإملاءات وقائمة المطالب التي تتولد عنها قوائم أخرى أطول وأصعب فالحصار خيار جاهز!

من هنا يتبين لنا أن فكرة الانتخابات المبكرة فكرة عبثية وترف إعلامي وسياسي لا مبرر له ،ويدفع الأمور نحو حالة الاستقطاب والانقسام الوطني فيما يستمر المحتل بإجراءاته الإجرامية على الأرض، والأفضل الخروج بموقف وطني موحد لا يخضع للابتزاز ولا يركن للوعود التي ثبت بالتجارب المريرة كذبها وزيفها،وبهذا قد ينتهي الحصار أو يتآكل تدريجيا، أو يكون الجميع في مواجهته والتصدي لتبعاته، والتفكير بجدية بجدوى وجود سلطة في ظل الاحتلال وحجم الربح والخسارة من هكذا سلطة! 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات