عاجل

الثلاثاء 14/مايو/2024

حماس قوية في الخارج بديلاً عن إصلاح المنظمة

رشيد ثابت

الإمام حسن البنا حين كتب في التفسير لم يشرع فيه من الصفر؛ بل استكمل ما بدأه رشيد رضا وبدأ من حيث انتهى قبل وفاته من سورة الرعد؛ ولذلك أنا سأستن بهذه السنة الحسنة واختصر على القارئ وعلى نفسي وأبدأ من حيث انتهى الأستاذ ياسر زعاترة في أحد آخر مقالاته؛ والتي كانت بعنوان “إعادة تشكيل المنظمة…المهمة المستحيلة”.

أنا مع الأستاذ الزعاترة أن اصلاح المنظمة وفق التصور السائد للاصلاح هو أمر غير ممكن لكل الأسباب اللوجيستية التي ذكر – صعوبة إجراء انتخابات حقيقية في الخارج – والأسباب الأهم المتعلقة بغياب الرغبة في اصلاح هذا الجهاز المترهل من قبل المنتفعين ببقائه يافطة لشرعية تفردهم بالقرار الفلسطيني. لكن فوق ذلك أنا أعتقد أن الدعوة لإصلاح المنظمة هي في حد ذاتها مغالطة؛ لأنها دعوة لم تخرج الا في سياق الزعم بمتابعة الاصلاح السياسي في داخل فلسطين؛ وفي سياق مغالطة أننا أصلحنا أوراق الداخل؛ وصار ضروريا الآن العمل على ملف فلسطينيي الخارج.

داخليا فإن الوضع السياسي في فلسطين تطور فعلا بشكل كبير وحاسم؛ لكن من الخطأ القول إن ذلك حدث نتيجة تجربة إصلاحية يمكن متابعتها في الخارج. في فلسطين لا يزال النشاط السياسي غير راقٍ؛ وغير منصلح. هناك وزير في حكومة الوحدة استهل أول مهام عمله بالغاء كل القرارات التي اتخذها الوزير السابق من الفصيل المضاد. وزير آخر قام بملء الوزارة بمسلحين منفلتين من فصيله حتى كأن الوزارة عبارة عن ناد للتنظيم! أما التجاذبات على المستويات الأعلى – الأمن والأجهزة الأمنية – فيلخص حكايتها استقالة وزير الداخلية لأنه عاجز عن اصدار أمر لأي ضباط في جهاز أمني يتحرك خارج سيطرة الوزير؛ وخارج سيطرة رئيسه – رئيس الحكومة – وخارج النظام كله؛ فقط لأن قادته يشعرون أنهم ينتمون لفصيل هو فوق الوطن وفوق النظام السياسي كله!

إذا فلسطين داخليا لم تنفذ إصلاحا سياسيا حقيقيا؛ وكل ما هنالك أن حماس باتت حركة أكبر بكثير من أن يتم التجاوز عنها؛ ولم يكن هناك من بديل عن محاولة إشراكها في الانتخابات على أساس محاولة حصارها وإلجامها في موقع الأقلية؛ فعدم دعوتها للمشاركة في الانتخابات كانت تعني تغييب جسم فلسطيني كبير نال شرعية الإنجاز والإخلاص في أعين الجمهور؛ وهذا في حد ذاته خطر على أي نظام يقوم في غيابها. أما إشراكها فكان على أمل أن يتم حشرها في زاوية الأقلية؛ والدليل أن حديث “الانتخابات المبكرة” كحل للأزمة لا يتوقف عن التوارد على ذهن فريق بعينه في فلسطين: فهل من شيء مقصود بهذه الانتخابات المبكرة الا انتخابات تقصي حماس عن موقع الأغلبية؟ عفوا؛ لكنني لا أستطيع التفكير في معنى آخر للانتخابات المبكرة؛ خصوصا حين تصدر الدعوة من الطرف الخاسر فيها!

لذلك فإن ضمانة تحسن الوضع الداخلي سياسيا – أو على الأقل منعه من التدهور والضياع على نسق أعوام التسعينيات – كان في حماس قوية وحائزة على شرعية الجهاد وشرعية الصندوق. هذه كانت الضمانة داخليا؛ وهي الضمانة خارجيا أيضا!

فلسطينيو الشتات يعدون بشريا بالملايين؛ وهم أكثر عددا من عدد سكان الضفة والقطاع والأرض المحتلة عام 1948 مجتمعين؛ بل في ساحة واحدة مثل الأردن فإن عددهم يفوق عدد الفلسطينيين في أي من الوحدات الثلاثة السابقة كلا على حدة! ولن أبدأ الآن الحديث كرجال الدولة الرسميين عن أرقام الدخل وإحصاء الثروات لكن يمكنني القول باطمئنان أن امكانيات هؤلاء المادية – بسبب ظروفهم الأحسن نسبيا من الداخل في كثير من ساحاتهم – أكبر من امكانيات الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع. لكن بطبيعة الحال  ليس لهذه الأسباب وحدها يجب أن تبحث حماس عن تنظيمها الخارجي!

ففلسطينيو الشتات كانوا هم حملة الهم الجهادي المقاوم على مدى أعوام طوال من عمر القضية؛ وتحملت الساحات الأردنية واللبنانية نشاطا مقاوما كبيرا؛ وشهدت الكويت انطلاق أكبر تنظيمين فلسطينيين أبدا: فتح أيام عنفوان التزماها المطلق بالمقاومة؛ وحماس ممثلة بشخص الأستاذ خالد مشعل من أيام نشاطه في اتحاد الطلبة الفلسطينيين في الكويت؛ ومن أيام عاش ونشط في الكويت ثلة من زملائه الكرام في المكتب السياسي لحركة حماس.

وبسبب هذا التاريخ لمشعل ورفاقه فأنا أشعر أن دعوتهم للعمل على إطلاق التنظيم الخارجي لحماس بقوة؛ والعمل على انعتاق الجمهور الفلسطيني في الخارج من سلبيته – أشعر أنها دعوة ستخرج من القلب الى القلب وبدون حواجز.

ففلسطينيو الخارج بحاجة الآن لمن يقول لهم هلموا فهذا أوان الشد! قوموا الى العمل من أجل فلسطين لتخفيف حدة الضغط على اخوانكم في الداخل؛ فهم حملوا عبء المواجهة في العقدين الأخيرين دون كلل ودون ملل؛ فما ضعفوا وما استكانوا؛ ولا استقالوا من بيعة الحق ولا أقالوا العدو من الملاحقة والمجابهة رغم تكسر النصال على النصال.

كذلك ففلسطينيو الخارج – ولأسباب تاريخية وسياسية وجغرافية يطول شرحها – أقرب فكريا للتيار الإسلامي؛ وإن كانت ظروف فلسطين الداخل تسمح بشكل من أشكال الثنائية السياسية؛ فإن فلسطينيي الخارج أميل بحسب استقراء الانتخابات التي تعبر عنهم في بلدان لجوئهم – أميل للتيار الاسلامي بشكل حاد؛ وما انتخابات الجمعيات والنقابات واتحادات الطلاب في غير بلد الا دليل على ذلك.

ولهذا فإن طريق حماس إلى قلوب الجمهور الفلسطيني في الشتات سالكة؛ فعليها أن تقتنص اللحظة التاريخية؛ وتعمل على نفض غبار الترهل عن هذه الجموع؛ وتخرجها من أسر غياب الاطار الجامع؛ أو أسر الاعتقال في أطر جامدة مترهلة متكلسة أكل الدهر عليها وشرب؛ وما عادت قادرة على تلبية احتياجات فلسطينيي الخارج؛ بل اشتركت في تغييب الشأن الفلسطيني عامدة بحجج واهية واهنة تتصل بعدم الرغبة في استفزاز الأنظمة؛ والصبر على “دعوة” تتحرك بسرعة السلحفاة؛  وغير ذلك من الأسباب التي قتلت رغبة الفلسطيني في العطاء مع هذه التنظيمات.

هذا مجرد اقتراح يحتاج تأصيلا؛ ويحتاج بحثا في التحديات والحواجز؛ ولعله يكون لنا وقفات نحاول فيها شرح معنى انطلاق حماس الخارج ودلالاته؛ وأهمية العناية بشكل هذه الانطلاقة بين ساحة وأخرى حسب ما تقتضيه الحاجة والظروف؛ لكنني آثرت بين يدي مقالة الأستاذ الزعاترة أن أستعجل اطلاق رؤيتي للإصلاح الحقيقي للمنظمة؛ والذي لن يكون إلا من خلال نشوء حماس قوية في الخارج تفرض نفسها على اللاعبين؛ تماما كما فعلت حماس في داخل فلسطين من قبل!

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان

غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان

بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام تجددت الغارات الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، على عدة بلدات في جنوب لبنان. وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة غارات...