الثلاثاء 14/مايو/2024

ساركوزي الرئيس السادس لفرنسا الجمهورية الخامسة

عمر نجيب

عندما تستبدل دولة ما رئيسها وزعاماتها السياسية النافذة، يطرح دائما سؤال حول التوجهات الداخلية والخارجية للقيادة الجديدة، ويغدو هذا التساؤل أكثر أهمية وأوسع نطاقا إذا تعلق الأمر بدولة ذات نفوذ دولي وإقليمي واسع.

 من هذا المنطلق وبعد فوز نيكولا ساركوزي مرشح اليمين بالرئاسة الفرنسية، تطرح في المنطقة العربية والبحر الأبيض المتوسط تساؤلات حول السياسة التي ستتبعها باريس خارجيا وداخليا، وفي منطقة المغرب العربي يركز اهتمام كبير على متابعة سياسة سادة الإليزي الجدد في موضوع الهجرة والمهاجرين بحكم وجود ما يقارب أربعة ملايين مواطن من المغاربة والجزائريين والتونسيين في الأراضي الفرنسية يقوم الجزء الأكبر منهم بتحويل ما يناهز 5600 مليون دولار سنويا إلى بلدانهم الأصلية وهو ما يشكل عامل تنمية وتوازن هام.

المواقف والخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي اتخذها المتنافسان النهائيان في الانتخابات ساركوزي والاشتراكية روايال جعلت كفة التفضيل سواء بالنسبة للمهاجرين العرب والمسلمين في فرنسا أو للدول العربية والإسلامية ترجح إلى روايال ليس لأنها أفضل لقضاياهم وخاصة المصيرية وفي مقدمتها فلسطين والعراق بل لأنها كانت أهون الشرين، خاصة وأنه كانت هناك منافسة واضحة خلال الحملة الانتخابية بين الطرفين على إظهار التأييد لإسرائيل ولخصوم الأمة العربية خاصة فيما يتعلق بالسودان ولبنان وبالتالي اللهث وراء كسب ود ومساندة اللوبي الصهيوني ووسائل إعلامه التي تحتل المرتبة الأولى على الصعيد الفرنسي.

عودة شبح ثورة الضواحي

العديد من المراقبين اعتبروا أن انتخاب ساركوزي المجري الأصل ومن انتماءات دينية يهودية، سيشكل لحظة نهاية لما سماه البعض الحقبة الذهبية للتعاطف الفرنسي مع العرب في الفترة الديغولية والذي عرف تأرجحات متفاوتة مع كل رئيس جديد، كما حذر محللون من أن فوز ساركوزى يمثل خطرا على البلاد ويهدد بإغراق فرنسا في ممارسات القسوة والتركيز للسلطات في أيدي طرف واحد كما يهدد بتعميق الشرخ الاجتماعي خاصة في الضواحي التي تغلي على نار مشاكل اجتماعية واقتصادية متصاعدة والتي يعتبره شبانها الفقراء عدوا لهم.

بوادر التوتر وشبح عودة ثورة الضواحي التي هزت فرنسا في نهاية سنة 2005 عادت بعد ساعتين من إعلان فوز وزير الداخلية الفرنسي السابق، فبينما كان أنصار ساركوزي يحتفلون بالنصر، وقعت صدامات مساء الأحد في ساحة الباستيل في باريس بين متظاهرين شبان نددوا بالرئيس المنتخب والشرطة. ووقعت الصدامات في ساحة الباستيل إحدى ساحات باريس الرئيسية، حيث تجمع بضع آلاف من المتظاهرين المعارضين لساركوزي.

كذلك وقعت مواجهات في غرب فرنسا في مدينتي نانت وليون بين مئات المتظاهرين وقوات الأمن. وتجمع مئات المتظاهرين ضد ساركوزي في رين و2500 في تولوزو 1500 إلى 2000 في بوردو فضلا عن تجمع متظاهرين معظمهم من أنصار اليسار في مدن أخرى منها كليرمون فيران ومرسيليا وليل. وقد أحرقت خلال هذه الأحداث 367 سيارة في مجموع البلاد وأوقفت الشرطة 270 شخصا.

ويؤكد المراقبون أن ساركوزى يتحمل المسئولية عن تفاقم مشكلة الضواحي والتي ظهرت منذ سنوات نتيجة تخفيض الحكومة اليمينية وبضغط منه الميزانيات المخصصة لها، فقد قام ساركوزى بإلغاء شرطة الضواحي التي أقرها ليونيل جوسبان، وهى شرطة كانت تحرص على دور اجتماعي إضافة إلى الجانب الأمني بما يؤدى إلى نزع فتيل التوترات. وبذلك تحولت هذه الضواحي إلى مناطق تراجع فيها تماما مستوى الإسكان والخدمات مع انتشار بؤر الانحراف نتيجة التعطل المستمر عن العمل من جراء سياسات تمييزية تحول دون توظيف المغاربة والأفارقة في الوظائف الكريمة.

ولا يحظى ساركوزي بأي قدر من التعاطف بين الفرنسيين الذين ينحدرون من أصول جزائرية ويمثلون الجالية الكبرى بين مسلمي فرنسا وذلك نتيجة طبيعية لموقفه المتشدد والرافض لتقديم أي اعتذار عن حقبة الاستعمار الفرنسي للجزائر وما شهدته من فظائع ومجازر ومآسٍ. وعلى الرغم من أن ساركوزي حاول كسر حدة هذا الموقف العدائي عبر زيارة “انتخابية” قام بها إلى الجزائر في بداية سنة 2007، إلا أنه لم يجد حرجا عندما وقف ليستعرض ما بحثه من مواضيع ورؤيته لمستقبل العلاقات بين البلدين في التعبير عن رأيه الرافض للاعتذار عن مرحلة الاستعمار وعذاباتها، قائلا بالنص الحرفي: “لا يمكن أن نطلب من الأبناء الاعتذار عن أخطاء آبائهم”.

عداء مستمر للمهاجرين

ساركوزي في خطاب إعلان نصره في ميدان الكونكورد بباريس وأمام الآلاف من أنصاره لم يفعل شيئا لتهدئة مخاوف خصومه خاصة من شباب الضواحي الذين نعتهم سنة 2005 بالحثالة، كما لم يسع لتهدئة مخاوف المهاجرين خاصة العرب من حملة طرد وتضييق وقمع اشتهر بها منذ سنوات. فسياسته كوزير للداخلية تجاه العرب والمسلمين كانت هي سياسة القمع واعتماد ما يعرف بـ”الحل الأمني” أي استخدام القوة والردع بدلا من مناقشة الأوضاع والبحث عن الأسباب واعتماد سياسة التغيير في ظروف حياة هؤلاء الأجانب والمهاجرين. وساركوزي من هؤلاء السياسيين اليمينيين الذين ينكرون جزءاً هاما من أفضال المهاجرين الذين ساهموا بقسط وافر في إعادة بناء فرنسا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذين لا يزالون يشكلون رافدا رئيسيا في مسيرة الاقتصاد الفرنسي.

وتناول ساركوزي في خطابه قضايا الهجرة إلى فرنسا من القارة الأفريقية، ملمحا إلى عزمه فرض ضوابط على مسألة الهجرة، قائلا : “أقول لأفريقيا إننا نريد مساعدتها على التغلب على المرض والمجاعة والفقر وعلى العيش بسلام” قبل أن يضيف: “سنضع معا سياسة هجرة مضبوطة وسياسة تنمية طموحة “. ويذكر أن ساركوزي عبر عن عزمه إقامة وزارة خاصة للهجرة وتحديد متطلبات البلاد من المهاجرين، ويرى ملاحظون أن الأمر سيستقر على عملية انتقائية للمهاجرين على أساس الخبرة ومستوى التعليم والبحث عن الكفاءات العلمية مما سيشكل عملية استنزاف عقول من دول العالم الثالث وأفريقيا بشكل خاص.

قضية سترة الرأس كانت حاضرة أيضا في خطاب ساركوزي الذي أكد أن “فرنسا لن تتخلى عن النساء اللواتي يجبرن على وضع الحجاب”، في تلميح منه إلى إمكانية سن تشريع يحظر إجبار المسلمات على ارتداء الحجاب. وكانت فرنسا قد أصدرت قانونا يحظر ارتداء الحجاب بالمدارس والمؤسسات العامة وبدأ تطبيقه في سبتمبر 2004 تحت غطاء عذر علمانية الدولة، ساركوزي لم يخف كذلك عداءه لبناء مزيد من المساجد وعدم شجبه للهجمات الصليبية العنصرية على الإسلام، ومعارضته لانضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي وذلك تحت ستر دفاعه عن الخصوصية والقيم الفرنسية.

وهكذا عبر ساركوزي في خطابه عن رغبته في إنشاء اتحاد متوسطي بقوله : “حان الوقت لنبني معا اتحادا متوسطيا يكون همزة وصل بين أوروبا وأفريقيا “. ورأى المراقبون أن الهدف من هذا الاتحاد المتوسطي هو إيجاد إطار أوروبي بديل لتركيا عوضا عن الاتحاد الأوروبي وكذلك أسلوبا لحفاظ فرنسا على علاقاتها المميزة مع دول المغرب العربي، والتي قد تعرف بعض البرود خاصة مع الجزائر نتيجة رفض الرئيس الفرنسي الجديد الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية في الجزائر.

وخاطب ساركوزي كذلك شعوب حوض البحر المتوسط بقوله ان “المستقبل يقع هناك” وان عليهم تجاوز الكراهية وضمان انتصار حلم الحضارة “وحان الوقت أمامنا لبناء وحدة متوسطية تكون رباطا بين أوروبا وافريقيا”.

العلاقات مع الولايات المتحدة

فيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة تعهد نيكولا ساركوزي الرئيس السادس للجمهورية الفرنسية الخامسة بالالتزام بعلاقات قوية مع أوروبا والولايات المتحدة، وأضاف “أريد أن أوجه دعوة لشركائنا الأوروبيين الذين يرتبط مصيرنا بهم ارتباطا عميقا أقول لهم فيها إنني كنت أوروبيا طوال حياتي… الليلة عادت فرنسا إلى أوروبا”، والى “الأصدقاء الأمريكيين” أقول إن بإمكانهم “الاعتماد على صداقتنا وستقف فرنسا دائما إلى جانبهم وقت الحاجة” مشيرا أيضا إلى أن الصداقة تعني كذلك اختلاف الآراء.

وأكد على أن فرنسا ستكون “صديقة” للولايات المتحدة التي توترت العلاقات معها في عهد سلفه جاك شيراك بسبب غزو العراق عام 2003. وقال “أريد أن أقول لهم كذلك إن الصداقة هي قبول الصديق لحق صديقه في التصرف بشكل مختلف وان من واجب الأمم العظيمة مثل الولايات المتحدة ألا تعرقل مكافحة الاحتباس الحراري بل وان تتولى قيادة هذا الكفاح لأن ما هو عرضة للخطر هنا هو مستقبل البشرية جمعاء”. ولم يتطرق ساركوزي إلى الوضع في العراق والمأزق الأمريكي فيه ولم يردد الطلب الفرنسي التقليدي بضرورة وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية وحليفاتها من بلاد الرافدين.

ويطلق خصوم ساركوزي عليه اسم “ساركوزي الأمريكي” على خلفية إبدائه إعجابه بالقيم الأمريكية. لكن محللين سياسيين فرنسيين يرجحون ألا يكون التأييد الذي سيظهره للولايات المتحدة تأييدا أعمى، وعلى أي حال سيكون في سياسته أقرب إلى الولايات المتحدة مما كانت باريس منذ عهد الجنرال ديغول، وبالتالي سيصبح أبعد عن أن يجعل من فرنسا مدافعا عن قضايا العالم الثالث كما يتمنى البعض.

رد فعل البيت الأبيض أكد هذا التوجه، فقد اتصل الرئيس الأمريكي جورج بوش بساركوزي ليهنئه بالفوز، وقال انه يتوقع قيام علاقات طيبة مع الرئيس الجديد الذي جعل من أولوياته إصلاح الضرر الذي لحق بالعلاقات الفرنسية الأمريكية نتيجة التوتر بسبب حرب العراق. وفي الولايات المتحدة أشار معلقون أن فقدان واشنطن لحليفها بلير في لندن سيعوضه إلى حد ما صعود ساركوزي إلى قصر الاليزي.

وتطرق ساركوزي إلى قضايا خارجية أخرى فأشار إلى أن فرنسا ستقف إلى جانب قضية الممرضات البلغاريات المتهمات بنقل الايدز في ليبيا، مؤكدا أن بلاده لن تتخلى عنهن وان “فرنسا ستقف في صف المضطهدين في العالم” معتبرا أن تلك هي “رسالة فرنسا وهويتها وتاريخها”. وأضاف: “علينا معا كتابة صفحة جديدة في تاريخ فرنسا أثق بأنها ستكون صفحة عظيمة وجميلة”.

الانتخابات التشريعية

قدرة الرئيس الجديد لقصر الاليزي على تعديل سياسة فرنسا داخليا وخارجيا ستتحكم فيها كذلك نتيجة الانتخابات التشريعية التي ستجري في شهر يونيو المقبل، فإذا لم يفز فيها أنصار ساركوزي بأغلبية مريحة فإن ذلك سيؤثر سلبا على تفرغه لتطبيق خياراته، وقد كتبت صحيفة “ليبيراسيون” ان “فرنسا الأخرى ستبحث عن تعويض في صناديق الانتخابات التشريعية”.أما “لومانيتيه” فكتبت ان “الناخبين يمكنهم ألا يمنحوا يمينيي ساركوزي السلطات الكاملة والمشهد السياسي للسنوات الخمس المقبلة لن يتوضح إلا بعد الاقتراع التشريعي الذي سيجري في العاشر والسابع عشر من يونيو”، ودعت الصحيفة الشيوعية إلى شن “هجوم مضاد” في الاقتراع المقبل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات