عاجل

الثلاثاء 14/مايو/2024

حل السلطة أم العزة و الكرامة.. يا حماة المشروع الوطني

أمين راشد

يصعب على النفوس التي جبلت بالذل وتمسكت به وقدمت القرابين تلو الأخرى على أعتابه .. حتى استمرأ عليها واتخذته منهج حياة .. أن تعيش لحظة عزة واحدة أو حتى أن تحلم به .. بل قد يصل الحال مع هذه النفوس أن ترفض وتستنكر وبشدة أي أصوات تدعو إلى عزة أو كرامة ولو كانت لغيرها .. ضاربة بعرض الحائط كل المناورات والتكتيكات التي طالما تغنت بها وبررت فيها مواقفها الانهزامية .. لكنه ليس غريباً في هذا العصر الذي استنطق رويبضات -وإن سبق أسماؤها الدال والألف والميم وغيرها- .. فعاثت تعلّم الناس معنى العزة على أضواء الذل .. والانتصار تحت ظلال الهزائم .. وحماية الأوطان من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي أبعدتنا عن الأقصى أميالاً وأميالا..

في الفترة الأخيرة .. صدرت بعض التصريحات على ألسنة العديد من الناطقين باسم حركة حماس وكذلك الأخ إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني .. فاستفزت لتوها العديد من حماة الفكر الانهزامي .. وكأنها ارتكبت كبيرة من الكبائر وأقضت مضاجعهم .. وأنا في هذه الحالة أتفهم ردة فعلهم السريعة المباشرة .. فكيف يستقر باله أو يهدأ قراره من فتحت له أبواب الدنيا بالرضا والمباركة الغربية إذا علم أن كل ما جناه سيذهب أدراج الرياح .. ومن المعروف في علم النفس أن “الطبع يغلب على التطبع” .. ففي موقف واحد ولحظة استفزاز قد يكشف المرء عن حقيقة ما بداخله .. وطبيعته النفسية وأهدافه المدفونة .. وهنا بانت الحقيقة .. واتضحت معالم مشروعهم الوطني .. وكشف عن حماته “الأوفياء” الذين قدموا كرامتهم وعزتهم في سبيله من أجل كراسيه ومناصبه البراقة..

هذا ما حدث حين وصلت أصداء “حل السلطة” إلى أذهانهم .. فتدافعت التصريحات مدافعة شديدة دون التأكد حتى من صحة التصريحات فهل هي حقيقية أم لا ؟؟!! لكنا تجاوزنا هذه المسألة فإعلامهم التضليلي بأساليبه وأدواته نسف الفروق بين الحق والباطل .. كيف لا وأصفى منابعه من أعكر ينابيع الإعلام الموجه ضد القضية الفلسطينية .. ولا نفتري إن قلنا ذلك .. فبإمكان أي فرد أن يحصل على صحف صهيونية ويقارنها بإعلام أولئك!! وتساءلت مرة أخرى .. هل غاب عن أذهانهم أن هذه الورقة قد تستخدم للضغط على المجتمع الدولي والدول العربية بشكل خاص من أجل فك الحصار .. فمن الغباء أن نمزق أوراقنا الرابحة وإن لم نستخدمها حيناً .. لكنني وقتها نسيت أن تكتيكاتهم وحنكتهم السياسية تجاوزناها في اتفاقيات أوسلو وغيرها .. مع العلم أن التصريحات لم تكن كما أراد أن يخلص فهمهم لها ..

لقد أنطقهم الله الذي أنطق كل شيء .. وهو على كل شيء قدير .. فلقد تكشفت حقيقة المشروع الوطني الذي يعضون عليه بالنواجذ .. ونطقوا بما أخفوا وقالوها علانية .. وإن التصريحات التي توالت رداً على تصريحات قادة حماس التي تمثلت بـ”دراسة كل الخيارات الأخرى على طاولة الإجماع الوطني ومنها خيار حلّ السلطة .. إن لم يفك الحصار” .. هذه التصريحات بعمقها وحنكتها .. كانت القنبلة التي تفجرت بوجه أصحاب الأجندات الخاصة -وإن كانوا تنظيماً بحاله- .. وحرّكت ألسنتهم للرد عليها وبقوة وحصولهم على هذا الشرف .. حتى قبل أن تردّ حكومة الكيان الصهيوني نفسها أو حتى الإدارة الأمريكية .. فأدانت ردودهم تصريحات قادة حركة حماس ورفضت خيار حل السلطة أو حتى دراسته .. وإن تلك الردود لها من الأهمية لنقرأها بشكل حقيقي:

(*)إن الردود -على تصريحات حماس المتمثلة بدراسة خيار حلّ السلطة بجدية- كانت متسرعة وغير مسؤولة .. فدراسة مغزى التصريح هامة جداً .. وإبراز ورقة حل السلطة في هذه اللحظة كانت من الذكاء في وقت يستمر فيه الحصار على الشعب الفلسطيني .. فجاءت الردود متوازية مع سياسة الحصار أكثر من مقاومته ومحاولة فكه وكسره ..

(*)إن الضغط على الشعب الفلسطيني .. وسياسة الحصار المفروض تهدف بشكل أساسي للعودة مرة أخرى إلى مربع الذلّ ومستنقع التفريط .. وإن رفض خيار حلّ السلطة إعلامياً وبالشكل الذي شهده الجميع يعد غباءً سياسياً يتمثل في الكشف عن ثغرة فلسطينية تتمثل في موضع خلاف محدد .. وتلويح جديد ولمز لرعاة الحصار لمواصلة حصارهم أو الضغط والضرب على مكان محدد بعينه..

(*) إن الرد على التصريحات ورفض حتى دراسة خيار حلّ السلطة .. تنبئ وبشكل صريح أن “السلطة” عند هؤلاء غاية كبرى وليست وسيلة للتحرير قد تثبت فشلها أو نجاحها الأيام .. وبذلك تسقط كل المفاهيم الأخلاقية بالتضحية في سبيل تحقيق الكرامة .. فأُسقطت الكرامة من أجندتهم .. وقد سبق أن صدرت بعض التصريحات من قادتهم بأن “الخبز أهم من الديمقراطية” تسويقاً لخططهم الخبيثة.. لكننا نقول لهم: “إن العزة والكرامة أهم من الخبز ومن الديمقراطية”!!

(*) إن الردود على تصريحات حماس وللأسف إثبات لوجود فئة لا زالت ترقص على الجراح .. وتقتات على آهات الجرحى والثكالى .. وتخدم مصالحها الشخصية متمثلة بسعيها للسلطة لمجرد وجودها فيها .. والدليل على ذلك أنها جرُبت في السابق وكانت في السلطة ولم تنتج غير الفساد الشامل والتنازلات المتواصلة ..

(*)إننا نفهم رفض دراسة خيار حل السلطة .. كمغازلة جديدة للإدارة الأمريكية وإثبات حسن سير وسلوك لها لا أكثر من ذلك .. لعل سُحُب الذل تغرقهم مرة أخرى بأموال الهزيمة .. فمواقفهم تباع بيعاً .. والكل قرأ عن الثلاثة ملايين دولار التي وصلت لصالح مكتب أحد قادتهم بعينه ..

إنها لكارثة كبرى حين يحاصرنا الذي يفترض أن يكون معنا .. وأردت من خلال هذا المقال الذي سيتبعه ما بعده بإذن الله تعالى .. توضيح ماهية الحصار من الداخل الفلسطيني .. حتى يدرك الجميع وسائل التثبيط التي تمارس في بلادنا وتشارك بشكل فاعل في الحصار وتهدف إلى زراعة موانع الصمود في المجتمع الفلسطيني .. لتركيع هذا الشعب والنيل من إرادته .. وإن ذرفت دموع التماسيح وطافت حول الكعبة مرات ومرات ..
وفي المرة القادمة سنتحدث عن حصار آخر في الداخل الفلسطيني .. علنا ندرك حقيقة ما يجري .. وكي لا تخفى علينا أي حلقة من حلقات المؤامرة..

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات