الخميس 02/مايو/2024

متى يفهم الصهاينة والمطبعون معهم؟!

متى يفهم الصهاينة والمطبعون معهم؟!

بعد قرن من المؤتمر الصهيوني الأول حيث بدأ العمل على إنشاء دولة اليهود، وبعد ستين عاما من الإعلان السياسي عن قيامها، تخرج الصحف الصهيونية قائلة إن الهجرة الصهيونية إلى فلسطين هبطت إلى أقل مستوياتها.. والهجرة هذه هي السلاح الرئيس الذي يعتمد عليه الكيان الصهيوني في البقاء والنمو والاستمرار..

وأكدت هذه الصحف الصراع الذي يدور بين قادتها، خلال حملة البحث عن كبش فداء يحملونه مسؤولية هزائمهم الأخيرة في حروبهم وسياساتهم في المنطقة التي جاءوا إليها غرباء.. وسيبقون فيها غرباء.. وهو ما برهنه قرن من الصراع خاضوه ضد التيار الطبيعي..

في مقال بعنوان «هل تحتاج إسرائيل إلى خطة؟»، يقول دانيال بايبس المفكر الصهيوني الأمريكي: «إن وجود إسرائيل تعرض للخطر كما لم يحصل منذ عقود»..

ليس بالسلاح يكتمل المشروع الصهيوني لإنشاء دولة اليهود.. وليس بحصولها على عضوية الأمم المتحدة الخاضعة للتحالفات ولنفوذ القوى الدولية التي أصبحت تفشل قي فرض رغباتها ومؤامراتها على الآخرين بقوتها الاقتصادية والعسكرية.. وليس بصداقة زعماء القمة أو اعترافهم أو تنازلهم عن حق العودة العربي وقبولهم بحق العودة الصهيوني..

هناك مجموعة شروط يجب توفرها لتنشأ أية دولة وتصل إلى حالة الاستقرار في منطقة ما.. وشروط أخرى لاستمرار دولة في الحياة.. إذا تشكلت بأية طريقة من الطرق..

وأهم الشروط، أن تكون لها مقومات الاستقرار والاستمرار، والتي تعتمد أصلا على ما يلي:

– أن تنمو وتتشكل بشكل طبيعي عبر مراحل تاريخية طبيعية، على أرض لا يقاومها فيها أحد..

– أن لا تتشكل بقرارات سياسية معاكسة لحركة التاريخ ومعتمدة على الاستعمار (غير الدائم) وعلى مجموعات مسلحة مثل الهاجاناه وشتيرن..

– ألا تكون مفتقرة إلى أسس نظرية فلسفية مقبولة تعزز وجودها وقيامها، غير متعارضة مع المفاهيم الإنسانية العامة.

– أن يكون شعبها متجانسا نشأ في المنطقة نفسها، ومر بمراحل تطور الشعوب الطبيعية وله مجتمع يقوم على أسس وعادات ومفاهيم متجانسة..

وأهم العناصر على الإطلاق.. أن لا يكون لها أعداء مستقرون يعادون استمرارها واستقرارها، أكثر منها ثباتا واستقرارا.. غير قابلين للإبادة والاستعباد والتحجيم على طريقة الهنود الحمر أو أهل أستراليا الأصليين.. ويدرك كل ذي عقل أنه لا يمكن إبادة العرب هذه الأيام على طريقة الهنود الحمر، لأسباب تتعلق بالعرب وأخرى تتعلق بالتطور التاريخي وطبيعة هذا الزمن والعلاقات السائدة وحقوق الإنسان والوعي والإعلام وغيرها من الأسباب..

لقد أنشئت الدولة على أرض لا يتوقف أهلها عن المطالبة بها، وأهلها أكثر ثباتا واستقرارا من الدولة الجديدة، ولهم كثير من الأسباب لمعاداتها والتخوف منها، اجتماعية وتاريخية واقتصادية وأخلاقية وعقائدية، ويملكون أسلحة خاصة لا تملكها الدولة المصنوعة بالقرارات، تهددها بشكل مرعب مهما بلغت قوتها، وهي أسلحة الديموغرافيا والنمو السكاني والتناقض العقائدي وامتداد الجذور..

إنها دولة تحاول أن تحول الدين إلى قومية، وأن تخلق بالقوة مجتمعا متجانسا، من مجموعات لا تتكلم حتى لغة واحدة. ومن المعروف أن تعليم اللغة العبرية ليهود العالم اتخذ بقرار عام 1899 بتأسيس جمعية التخاطب بالعبرية ونشر الثقافة العبرية بين يهود العالم، وهي تسرق له العادات والتقاليد والملابس التقليدية والرقصات الشعبية بل حتى الأكلات الشعبية من شعب المنطقة التي حاولت إنكار وجوده بشعار «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض»..

بل حتى لا يملك أهل هذه الدولة أي إرث تاريخي رغم ادعائهم بأنهم يعودون إلى التاريخ، معتمدين على تاريخ يكتبه حاخاماتهم، دون أن يبرهنوه.. فلم يتمكنوا حتى اليوم من أن يبرهنوا على وجود مبنى واحد لهم في فلسطين التي يدعون ملكيتها قبل آلاف السنين..

وبالنظر إلى الدولة اليهودية المراد توصيلها إلى حالة استقرار تحت مسمى «إسرائيل»، فإن كل الأسباب الضرورية لنشوء الدول وبقائها، غير محققة فيها..

لم تتمكن المؤامرة الصهيونية والأمريكية والرسمية العربية المتحالفة معهما، وكل المؤامرات من اختراق وعي الشعب العربي في المنطقة، رغم اختراقها الحكام والحكومات، ولم تتمكن من تحويله إلى حالة «قابلة للوجود الصهيوني».. حتى قال بيريز جملته المعروفة: «إن نزع العداء من عقل العربي أهم من نزع السلاح من يده»!!

وعلى الصهاينة والأمريكيين أن يدركوا أنه ما دامت مؤتمرات الصهاينة والعالم لم تتمكن من فرض الكيان الصهيوني على شعب المنطقة.. فإن مؤتمرات القمة وهي الأضعف في سلسلة المؤتمرات.. لن تكون قادرة على فعل ذلك..

وعليهم أن يدركوا أن أسباب هزيمة مشروعهم.. ليست أخطاء أولمرت.. أو شارون أو حالوتس.. بل في كل ما ذكرناه أعلاه.. وهو مستمر حتى يسقطوا. وإن دور المقاومة التي هزمتهم في لبنان، ومنعتهم من الانتصار في فلسطين حتى قوقعتهم خلف جدار.. هو تنفيذ حركة التاريخ، التي لن يتمكنوا من عكسها.
 
* صحيفة السبيل الأردنية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات