الجمعة 31/مايو/2024

حساسية الملف الأمني الفلسطيني تستدعي إدارته بشفافية من خلال شراكة وطنية

حساسية الملف الأمني الفلسطيني تستدعي إدارته بشفافية من خلال شراكة وطنية
اللقاءات التي عُقدت بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة إسماعيل هنية، يومي السادس والسابع من أيار (مايو) الجاري، والتي يُتوقع أن تتواصل في الأيام القادمة على مستوى حركتي “حماس” و”فتح”، تكتسب أهمية خاصة، كونها تطرّقت إلى موضوعين يمسان الحياة السياسية والأمنية في الساحة الفلسطينية بصورة مباشرة.

أما التطورات التي استجدت بهذا الشأن في الأسبوعين الماضيين؛ فهما مسألة استقالة وزير الداخلية هاني القواسمي، والخطة الأمنية الأمريكية التي تريد مقايضة وقف صواريخ المقاومة التي تنطلق من قطاع غزة بتفكيك حواجز الاحتلال العسكرية القريبة من بيت لحم والخليل ونابلس.

ويتعلق الموضوع الأول بالترتيبات الأمنية للبيت الداخلي الفلسطينية، أما الآخر فهو على صلة بالترتيبات ذاتها، ولكنّ يتعلق بإدارة التعامل مع الجانب الصهيوني. حيث تحاول الإدارة الأمريكية أن تتدخل “لتخفيف الضغط على الكيان الصهيوني”، بحسب حركة الجهاد الإسلامي.

ورغم أنّ الموضوعين يبدوان من حيث الظاهر منفصلين؛ إلاّ أنّ كلاً منهما سيكون على تماس مع الآخر، كما سيتضح، لأنّ الأمن بشقّيه الداخلي والخارجي في نهاية المطاف يندرج في منظومة واحدة.

                                سلب صلاحيات وزير الداخلية 

 
وبحسب مراقبين للوضع الفلسطيني؛ فإنّ الملف الأمني يُعدّ من أكثر الملفات حساسية وتعقيداً، لذا فإنّ المصلحة العليا للشعب الفلسطيني تقتضي التعامل معه بروح مسؤولة في إطار رؤية وطنية توافقية، تتجاوز الأفق الضيق للعقليات الفردية، أوالتجاذبات أو المكايدات الفصائلية. كما يتطلب الأمر عدم احتكار إدارته أو الاستئثار باتخاذ القرارات المتعلقة به بصورة أحادية، كما كان عليه الحال منذ قيام السلطة، خصوصاً بعد أن أبرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة حقائق جديدة، بحصول حركة “حماس” على الأغلبية البرلمانية في أول منافسة انتخابية جادة تعرفها الساحة الفلسطينية، ومن بعد أن تم لاحقاً تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، التي تمثل غالبية ألوان الطيف السياسي الفلسطيني.

ويبدو أنّ إصرار أطراف في السلطة الفلسطينية وفي حركة فتح أو من يُحسبون عليهما، على التعامل بعقلية الماضي ذاتها في التعاطي مع الملف الأمني؛ هو الذي دفع بوزير الداخلية لتقديم استقالته بعد أسابيع قليلة من توليه منصبه. وقد باتت أسباب استقالته والإصرار عليها ما لم تُلبّ مطالبه واضحة. إذ تتعلق، بحسب الناطق باسم رئاسة الوزراء الدكتور غازي حمد، بتمتعه بكامل صلاحياته، بحيث يستطيع، حسب مصادر، فرض قراراته على أجهزة الوزارة، والتنقل بحرية تامة، وبحيث لا تتداخل سلطاته مع سلطات قادة أمنيين، خاصة العميد رشيد أبو شباك مدير الأمن الوقائي.

وقد كان سلف القواسمي، الوزير سعيد صيام، يشكو هو الآخر من سلب أغلب صلاحياته، وربما يُعدّ هذا واحداً من جملة أمور أسهمت في بقاء الوضع الأمني متوتراً على مدار سنة فلسطينية كاملة.

                                    مراسيم رئاسية عملية

وإزاء هذه الأوضاع الأمنية غير الطبيعية، المتمثلة في مسألة استقالة القواسمي، وتوقف تنفيذ خطته الأمنية التي قدّر مداها الزمني بمائة يوم كمرحلة أولى، وعدم الحدّ من بعض مظاهر الفلتان الأمني؛ فإنّ حركة “حماس” التي اعتبرت لقاء عباس ـ هنية إيجابياً وخطوة هامة على طريق إنهاء كافة القضايا العالقة في الساحة الداخلية؛ قد طالبت رئيس السلطة على لسان الناطق الرسمي باسمها فوزي برهوم، بقرارات حاسمة لإحداث تغييرات جوهرية. وقال برهوم “إننا في حركة حماس في انتظار مراسيم رئاسية وقرارات هامة، من شأنها أن تحدث تغيرات جوهرية في الوضع السائد، خاصة بما يتعلق بصلاحيات وزير الداخلية واستقلالية القضاء”. وحدّد برهوم من ضمن ذلك إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وإعطاء التسهيلات الداخلية لتنفيذ الخطة الأمنية.

وبالانتقال إلى الموضوع الآخر؛ فإنّ الاتفاقية الأمنية التي تسعى الإدارة الأمريكية لتسويقها فلسطينياً من خلال رئاسة السلطة ممثلة بمحمود عباس ومستشاره صائب عريقات؛ قد قابلتها فصائل كحماس والجهاد الإسلامي وكتائب الأقصى ولجان المقاومة الشعبية بالرفض، باعتبارها تقزِّم مطالب الفلسطينيين في تسهيلات بسيطة تقتصر على المعابر والحواجز، مقابل إعطاء الأمن للكيان الصهيوني ووقف المقاومة بكافة أشكالها. وحسب الانتقادات ذاتها؛ فإنّ هذا يعطي الاحتلال حق الاعتقال والاقتحام لأي مكان يريده. وقد تعهّدت حماس بإفشال تلك الخطة بأي طريقة، كما رفضتها الحكومة الفلسطينية على لسان وزير الإعلام الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي دعا لعدم الانشغال بها، لأنها لا تلبِّي الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني، ولاسيما أنها لم تحتوِ على كلمة واحدة تشمل رفع الحصار.

                                ترتيبات أمنية للكيان الصهيوني

وقد أكدت مصادر مطلعة أنّ رئيس السلطة محمود عباس قد أخفق في إقناع رئيس الحكومة إسماعيل هنية بالخطة الأمنية الأمريكية، لآنها حسب الدكتور أحمد يوسف، مستشار هنية، “لا تقدم شيئاً أكثر من ترتيبات أمنية لإرضاء الدولة العبرية”.

ووفقاً لصحيفة “هآرتس” العبرية؛ فإنّ الخطة الأمريكية التي أُطلق عليها “اختبارات التنفيذ”؛ تنصّ على أن تنفِّذ قوات الأمن الفلسطينية بإشراف محمد دحلان، سلسلة خطوات محددة بجدول زمني، ضد إطلاق الصواريخ الفلسطينية تجاه أهداف تابعة للاحتلال، وأن يأمر عباس بنشر قوات من “حرس الرئاسة” في المناطق التي تطلق منها فصائل المقاومة صواريخها.

وقد بدا واضحاً أنّ هذه الخطة أحدثت شرخاً جديداً في الساحة الفلسطينية. فقد رحّب بها صائب عريقات، ثم عباس نفسه، والذي اعتبر أنّ فيها خطوات “هامة” لاستتباب الأمن في الأراضي الفلسطينية، كما وصفها بأنها خطوة أولى نحو رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، بينما رفضتها بقوة قوى فلسطينية أبرزها “حماس”، باعتبارها شريكاً في الحكم، كما عارضت من قبلها خطة دايتون والاجتماعات بين شخصيات أمنية فلسطينية وصهيونية للتنسيق الأمني بين الطرفين. ويُظهر ذلك حجم التباين بين شركاء الحكم والقوى الأخرى في الساحة الفلسطينية، حول إدارة الملف الأمني، وهو ما يستدعي من الطرفين تفاهماً وطنياً حوله تثبيتاً لاتفاق مكة المكرمة، كيلا تعود الأمور كما يرى مراقبون إلى المربع الأول: تأزم الأوضاع ومن ثم الاقتتال، لا سمح الله.

                                      بـذور الفتنـة

لا يخفى أنّ “حماس” وفصائل فلسطينية أخرى قد عارضت الخطط الأمنية الأمريكية، لأنها كما ترى لا تخفي بذور فتنة يُراد زرعها بين الفلسطينيين، وتقوية طرف على آخر، واستهداف المقاومة والانقلاب على حكومة الوحدة الوطنية، وعودة الأوضاع إلى حالة الفلتان الأمني. وللتدليل على ذلك؛ فإنّ نائب وزير الحرب الصهيوني إفرايم سنيه، وهو حلقة الاتصال بخطة دايتون، قد اعتبر أنّ دعم قوات رئيس السلطة محمود عباس بالأسلحة والذخائر لا يشكل خطراً على أمن الكيان الصهيوني، لأنّ الهدف من تسليح هذه الأجهزة هو تعزيز ما وصفه بالتيار المعتدل في الساحة الفلسطينية، مقابل تعاظم قوة “حماس” والجهاد الإسلامي. على حد تعبيره.
 
وفي الواقع فإنّ الخطة المثيرة للجدل لم تُوارِ تأكيدها على دعم القدرة الأمنية والعسكرية لمحمد دحلان تحديداً، في حين أنّ “حماس” وقوى المقاومة، واتجاهاً واسعاً في الساحة الفلسطينية، تعتبره أحد المسؤولين الرئيسين عن تدهور الأوضاع الأمنية في الفترة السابقة. وقد ذهبت تلك القوى والمواقف إلى أبعد من ذلك، حينما عارضت ولا تزال وجوده في مجلس الأمن القومي، بعد أن عيّنه باس دون التشاور مع “حماس” أو غيرها بشأنه، وأعطاه صلاحيات واسعة كأمين سر للمجلس.

وعود على بدء؛ فإنّ لقاءات عباس ـ هنية ربما تكون مهمّة لأكثر من سبب، فهي أرادت أن تنبِّه وتذكر بأنّ تثبيت التوافق الوطني المرتكز على اتفاق مكة وتعزيزه، ومنع العودة إلى الوراء؛ لابد أن يتلازم مع إنجاز عدد من المهام الوطنية الرئيسة. فحماس، كما جاء على لسان ناطق رسمي باسمها، أبلغت عباس في اجتماعاتها الأخيرة بأنّ شيئاً لم يتغيّر على الأرض في إطار إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وتجسيد الشراكة السياسية، وإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية.

                                     رؤية جديدة لإدارة الملف

علاوة على ذلك كله؛ فإنّ الوضع الجديد يستدعي أن تُطرح مثل هذه الخطط والترتيبات والاتفاقات والاجتماعات الأمنية بين السلطة أو أجهزة الأمن مع الكيان الصهيوني على مؤسستين اثنتين، الأولى هي مجلس الأمن القومي، لمناقشتها وإصدار توصيات بشأنها، وعلى المجلس التشريعي الذي يمثل ضمير الأمة للإقرار أو الرفض، مع ضرورة إدارة حوار وطني حولها مع الفصائل باعتبار أنها تهم أمن كل الفلسطينيين وترتبط بالمقاومة التي تعتبر سلاحا للنضال الفلسطيني لا يجوز المساومة عليه، نظراً لخصوصية الوضع في الأراضي المحتلة.

وبحسب مراقبين؛ فإنّ عدم إدراك هذه الحقائق ومستجدات الأوضاع على الساحة الفلسطينية من قبل “فتح” أو مسؤولي السلطة الفلسطينية، أو على الأقل بعضهم، والإصرار على إدارة الملفات الأمنية بإسلوب الانفراد المزمن؛ سيضع مصير اتفاق مكة على شفير الهاوية، ويعيد عقارب الزمن إلى الوراء. أما الاجتماعات القادمة فستكشف إلى أي الاتجاهات ستسير الأمور. 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات