الجمعة 31/مايو/2024

ساركوزي رئيساً: توتر داخلي وغضب روسي..ترحيب صهيوني وقلق عربي

ساركوزي رئيساً: توتر داخلي وغضب روسي..ترحيب صهيوني وقلق عربي

بعد مرور نحو أسبوع على إعلان فوزه.. اتضحت المواقف من انتصار مرشح اليمين الفرنسي نيكولا ساركوزي وفوزه بكرسي الرئاسة في فرنسا.. توتر داخل فرنسا في ضواحي باريس وباقي المدن الكبرى.. غضب روسي واضح.. ترحيب صهيوني غير خاف.. وقلق عربي وإسلامي، إلى حد وصف الرجل بأنه فاشي يلبس قناعا.

وعلى الرغم من تهنئته بالفوز من قبل غريمته ومنافسته الاشتراكية سيغولين رويال، فإن فوز ساركوزي برئاسة إحدى الدول الكبرى في أوروبا، وصاحبة السياسة الديغولية، التي ميزتها طيلة عقود، وأعطتها نكهة خاصة في السياسة الدولية، ربما يحمل للرجل متاعب كثيرة، مثلما يحمل له امتيازات الرجل الأول في فرنسا، على امتداد دورة انتخابية طويلة من سبع سنين.

 

                                   قلق عميق في الضواحي

فعلى الصعيد الداخلي استقبل إعلان فوز ساركوزي استقبالا سيئا في ضواحي العاصمة باريس وفي مدن يسجل فيها المهاجرون والفرنسيون من أصول مهاجرة حضورا بارزا. فقد أحرق في الليلة التي أعقبت الإعلان عن فوزه 367 سيارة في فرنسا، وأوقف 270 شخصا ليل الأحد – الاثنين بعد صدامات في باريس ومدن فرنسية أخرى.

وكان ساركوزي اليميني قد اصطدم بعنف حين كان وزيرا للداخلية مع شبان الضواحي، الذين وصفهم بالأوباش، وأطلق عليهم نعوتا أخرى سيئة. كما إنه سيرته اليمينية المتشددة، وكونه ابنا لمهاجرين، يعتقد أنهما يهوديان، وعلاقاته المتينة بإسرائيل، واعتباره رفض فرنسا للحرب الأمريكية البيطانية على العراق خطأ على فرنسا أن تعتذر منه لواشنطن، قد أوجدت تجاهه حالة من القلق الشديد في أوساط قوى اليسار وبشكل خاص في أوساط المهاجرين من أصول مسلمة.

 

                                   ترحيب صهيوني وقلق روسي

خارجيا لقي انتخاب ساركوزي ترحيبا واضحا لدى العديد من ساسة الكيان الصهيوني. أما الصحف الصهيونية فقد أبدت ترحيبا أشد وضوحا من لغة السياسيين الميالة بطبعها إلى الغموض والحذر الزائد.

فقد رحبت تلك الصحف بفوز ساركوزي، معتبرة أنه يمهد “لحقبة جديدة في العلاقات بين فرنسا وإسرائيل”. وعنونت صحيفة “يديعوت احرونوت” الواسعة الانتشار في صفحتها الاولى “حقبة جديدة في العلاقات مع فرنسا”. وجاء في افتتاحيتها أن “الجذور اليهودية للرئيس الفرنسي الكاثوليكي المقبل انعشت آمالا كبيرة في القدس”.

وأضافت الصحيفة “من المهم أن يكون بدأ حملته الانتخابية في الخارج بزيارة النصب التذكاري لمحرقة اليهود في القدس. هذه الزيارة تلزمه وهو مضطر الآن إلى مواجهة تحدي (الملف النووي) الإيراني”.

كذلك رحبت صحيفة “معاريف” بما سمته “الثورة الفرنسية، التي سمحت لصديق واضح لإسرائيل بالوصول إلى الاليزيه للمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة”. وختمت بالقول إن “ساركوزي سيكون وسيطا صادقا بين إسرائيل والعالم العربي، وهذا وحده أشبه بثورة فرنسية صغيرة”.

من جهتها اعتبرت اللجنة اليهودية الأميركية، وهي واحدة من أبرز أذرع اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، فقد أعربت عن إعجابها بساركوزي. وقال ديفيد هاريس مدير اللجنة “نحن معجبون منذ أمد بعيد بنيكولا ساركوزي بوصفه مسؤولا سياسيا لتعلقه الكبير بالقيم الديمقراطية لفرنسا، وحيويته في مواجهة التهديدات، التي تتعرض لها هذه المبادئ، وانخراطه في تعزيز الروابط بين ضفتي الأطلسي”.

أما زعيم المعارضة الصهيونية المتطرف الكريه بنيامين نتانياهو فقد اعتبر أن ساركوزي صديق للكيان الصهيوني، يمكن أن يصغي إليه العالم العربي. وقال نتنياهو إن “سياسة فرنسا ستكون أكثر توازنا مع ساركوزي.. إنه يدرك الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، ويمكن أن يسمع صوته للعالم العربي”.

وأضاف “إنه رجل يرى مصالح فرنسا من زاوية أخرى، وانتخابه خير لإسرائيل وللعلاقات الفرنسية الإسرائيلية”. وتابع “إنه صديق لإسرائيل، ونحن شخصيا صديقين منذ خمسة أو ستة أعوام. نتحادث باستمرار هاتفيا”.

أما بالنسبة لروسيا فيرى مراقبون أن صمت الكرملين الروسي المطبق على انتخاب ساركوزي رئيسا لفرنسا، ربما ينبئ بمرحلة صعبة من العلاقات بين البلدين، ستكون مختلفة، على أي حال، عن تلك التي كانت قائمة في عهد جاك شيراك “الصديق الشخصي” لفلاديمير بوتين، حسب ما يرى العديد من الخبراء الروس.

ورغم مرور أكثر منحو يومين على إعلان فوز ساركوزي مساء الأحد لم يوجه بوتين بعد رسالة تهنئة إلى الرئيس الفرنسي الجديد. ورفض كل من الكرملين ووزارة الخارجية الروسية التعليق على هذا الأمر. وقال يفغيني فولك المحلل السياسي في هريتاج فاونديشن “إن تهاني رئيس دولة إلى آخر ليست مجرد بروتوكول، بل هي تترجم نوعية العلاقات الشخصية”.

وتابع “عندما انتخب فيكتور يانوكوفيتش (الموالي لروسيا) رئيسا لأوكرانيا (2004) وجه له بوتين برقية تهنئة حتى قبل إعلان النتائج الرسمية. كما إنه دعاه في عيد ميلاده لاحقا، والمؤكد أن بوتين لن يدعو ساركوزي للمشاركة في عيد ميلاده”. من جهته قال المحلل في مركز كارنجي الكسي مالاشنكو إن “الكرملين لا يعرف كيف يتصرف، وهو غير متأكد، ويريد أن يعرف ما إذا كان ساركوزي بالفعل مواليا لأميركا”.

ويرى المحللون أنه نظرا للتوتر الشديد القائم حاليا بين موسكو وواشنطن، بسبب عزم الإدارة الأميركية على نشر درع مضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية، فإن أي تصريح مؤيد لسياسة واشنطن ينظر إليه الكرملين على أنه مناهض لروسيا.

ولا يخفي ساركوزي بأي حال، كما يقول مراقبون، إعجابه بالقوة العظمى الأولى في العالم. وقبل أشهر عدة أخذ على جاك شيراك “مصافحته بوتين”، وردا على سؤال حول ميله نحو الولايات المتحدة أجاب بالتساؤل عما إذا كان المطلوب منه بالمقابل أن يكون “معجبا بروسيا”. وخلال حملته الانتخابية لم يتردد ساركوزي في توجيه الانتقادات مرارا لروسيا، بسبب الحرب في الشيشان، وهو الموضوع الذي تتعاطي معه موسكو بحساسية بالغة.

ويرى يفغيني فولك أن “روسيا لا تنظر بتفاؤل إلى مستقبل العلاقات مع نيكولا ساركوزي، ومن غير المتوقع أن ينظر هو إلى روسيا على غرار ما ينظر إليها شيراك، الذي ترجم (الشاعر الروسي الكسندر) بوشكين”. ولفتت صحيفة ازفستيا إلى الإشارة السيئة التي يحملها وجود النائب والرئيس السابق للجمعية البرلمانية للحلف الأطلسي بيار لولوش “العدائي جدا تجاه روسيا” في عداد مستشاري ساركوزي. واعتبرت ازفستيا أن تعيين لولوش وزيرا للخارجية ولو أن هذا الاحتمال ضئيل سيكون “كارثيا لروسيا”.

 

                                   عدم وضوح عربي وإسلامي

في حين كانت مواقف بعض المسؤولين العرب مرحبة بانتخاب ساركوزي، فإن الصحف الجزائرية والتركية وحتى الليبية قد عبرت عن خيبة أملها في انتخاب هذا الصديق القوي للكيان الصهيوني وللمحافظين الجديد الحاكمين في الولايات المتحدة.

فالصحف الجزائرية تلقت بتحفظ شديد انتخاب مرشح اليمين. وعنونت صحيفة “لي كوتيديان دوران” (وهران) “الفرنسين ينتخبون ساركوزي” بينما عنونت “الوطن” في صفحتها الأولى “ساركوزي يخلف شيراك” وكتبت “ليبيرتيه” إن “ساركوزي يدخل الاليزيه”. أما “المجاهد” فقد عنونت “إنه ساركوزي”. في المقابل بدت الصحف الناطقة باللغة العربية أكثر انتقادا.

وقالت “الشروق” في عنوانها الرئيسي “بوش الأصغر رئيسا لفرنسا” ونشرت صورة لساركوزي وهو يعتمر قلنسوة يهودية. وكتبت في صفحتها الأولى إن “الجالية اليهودية نجحت في فرض أول رئيس يهودي في فرنسا مرشح اليمين نيكولا ساركوزي”. أما صحيفة “الخبر” فعنونت “الفرنسيون يختارون القبضة الحديدية”.

وأعربت “لي كوتيديان دوران” عن “قلقها” لأن ساركوزي “استبعد أي فكرة للتعبير عن الندم عن الفترة الاستعمارية، كما يأمل الجزائريون”.

من ناحيتهم أعرب معلقو الصحف التركية الاثنين عن قلقهم إزاء مستقبل العلاقات مع فرنسا والطموحات الأوروبية لتركيا، إثر انتخاب ساركوزي المعارض لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، رئيسا لفرنسا.

وعنونت صحيفة “اكشام” اليومية في صفحتها الأولى “للأسف إنه ساركو” في حين عنونت “ملييت” أن “ساركوزي عقبة جديدة في درب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي”. وأضافت الصحيفة أن انتخاب نيكولا ساركوزي “يزيد من مخاطر تدهور العلاقات التركية الفرنسية الفاترة أصلا” مضيفة “غير أنه ليس من المستحيل أن يغير ساركوزي المعروف بكونه برغماتي أكثر منه ايديولوجي، موقفه بعد انتخابه”.

ورأت صحيفة “فاتان” أن انتخاب ساركوزي يمثل “منعرجا” في العلاقات المضطربة بين تركيا والاتحاد الاوروبي. وكتبت “إذا فعل ما يقول فإن العلاقات بين تركيا والاتحاد الاوروبي ستتوتر وهذا التوتر يمكن أن يطال العلاقات بين تركيا وفرنسا”.

وفي صحيفة “ملييت” اعتبر المحلل السياسي سميح اديز أن ساركوزي يشكل “تجسيدا لكل مشاعر الخوف لدى الفرنسيين” بشأن قضايا مثل اندماج المسلمين والمهاجرين وانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي. وأضاف “أن صعود بلاد مسلمة، وإمكانية أن يكون لها الحق نفسه في التعبير مثل فرنسا في الاتحاد الاوروبي أمر يصعب هضمه من قبل أنصار الفاشية الذين يختفون في صور خرفان (ضحايا)” الذين هم بحسب المحلل “ساركوزي وكل الذين يفكرون مثله”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات