الأحد 12/مايو/2024

تآكل دولة الرفاه… وبوادر انهيار الصهيونية

تآكل دولة الرفاه… وبوادر انهيار الصهيونية

صحيفة الاتحاد الإماراتية

في مقال سابق أشرنا إلى تصور “يغئال سيرنا” (يديعوت أحرونوت 10 أبريل2007) ما يحدث للدولة الصهيونية في عصر العولمة. فقد أشار إلى أن كثيراً من الإسرائيليين حققوا درجة عالية من الثراء، ولكن للغنى ثمناً باهظاً: فهو يلغي المبنى القديم للسياسة، وينقل القوة إلى المال وحده، مما يضعضع كل أنواع المساواة، نعم لقد تحولنا إلى إمارة تكنولوجيا عليا على شاطئ البحر المتوسط، ولكن الخصخصة المنفلتة العقال لأغراض العولمة، أدت إلى انهيار دولة الرفاه والتضامن الاجتماعي، اللذين قامت على أساسهما الخدمة العسكرية للجميع”.

وتتناول “شارون شاحف”، التي كانت تشغل وظيفة مديرة العلاقات العامة في الهستدروت (معاريف 11 مارس 2007) نفس الموضوع إذ تقول إن “التكافل الاجتماعي الذي كان يوماً أحد المميزات البارزة للمجتمع الإسرائيلي”، قد اختفى تماماً، وتحاول أن تفسر هذا الموقف بقولها “إن الجمهور الإسرائيلي يوهم نفسه أن ثمة تكافلاً اجتماعياً، ولكنه في تصوره هذا لا يختلف عن تصوره الواهم أن الموساد هو الجهة الاستخبارية الأفضل في العالم، وأن الجيش الإسرائيلي هو أفضل الجيوش في العالم، وأن العبقرية اليهودية ما زالت براقة، وأن الإسرائيليين ينهضون للشيوخ أو للنساء الحوامل في الحافلات. هذا الاغتراب يخدم بالطبع الطبقة التي يخدمها الجميع، ألا وهي الرجال الأثرياء البيض”، أي أن الطبيعة الإثنية (أشكناز غربيون في مقابل بقية الطوائف الأخرى الشرقية الفقيرة) قد اتضحت، وانهارت دولة الرفاه والتكافل، أساس الكيان الاستيطاني الصهيوني.

ويتبدى انهيار دولة الرفاه والاستقطاب الطبقي في مجال الخدمات الصحية إذ يتناول “يوفال أزولاي” في مقال بعنوان “تقرير الأطباء لحقوق الإنسان: مليون إسرائيلي تنازلوا عن شراء الأدوية الغالية” (هآرتس 15 أبريل 2007)، الرعاية الصحية في “إسرائيل”. يقول الكاتب إن تقريراً أُعد في “إسرائيل” بمناسبة يوم الصحة العالمي، يبين أن مليوناً و200 ألف شخص لا يستطيعون ممارسة حقوقهم في الحصول على كامل الخدمات الصحية، وهم في الواقع يُلفظون من الشبكة الصحية ويفرون منها. ضمن هذه المجموعة يمكن أن نجد البدو من القرى غير المعترف بها في النقب، والفقراء الفلسطينيين من سكان شرقي القدس، والعمال الأجانب غير القانونيين، والنساء الإسرائيليات اللواتي تزوجن مواطنين من المناطق، واللاجئين الذين يطلبون اللجوء السياسي، والسجناء وغيرهم من الشرائح ذات الوضعية القانونية غير المحسومة. وأكد رئيس جمعية “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، الدكتور “داني فيلك”، أن التقرير يُظهر أن قدرة شرائح سكانية مختلفة على الوصول إلى الخدمات الصحية، ترتبط في حالات كثيرة بأصولها العِرقية ومكانتها أو قدرتها الاقتصادية. وحسب ما جاء في التقرير، فإن 15 في المئة من سكان “إسرائيل” (مليون شخص) تنازلوا في عام 2005 عن شراء الأدوية المسجلة طبياً لعدم تمكنهم من دفع ثمنها. ونسبتهم مرتفعة بصورة خاصة في أوساط سكانية مختلفة – 30 في المئة من أصحاب الدخل المحدود، و20 في المئة من المرضى المزمنين. ويقول الدكتور “فيلك” إن جهاز الصحة العام يزداد غلاء، الأمر الذي يمس بالشرائح الفقيرة. ويجب أن نضع دولة الرفاه هذه في سياقها الصهيوني. فالدولة الصهيونية، كي تضمن بقاء المستوطنين فيها، لابد وأن تزودهم بكل الخدمات الممكنة، خاصة وأن معظمهم قد استوطنوا في فلسطين ليس لأسباب أيديولوجية، وإنما لأسباب اقتصادية محضة (فيما نسميه الصهيونية الاقتصادية أو النقدية، أو صهيونية المرتزقة). فتداعي دولة الرفاه يعني في واقع الأمر تداعي إحدى اللبنات الأساسية للاستيطان الصهيوني، وتزايد معدلات النزوح عن أرض الميعاد التي قيل لهم إنها أرض السمن والعسل.

وكالعادة دائماً، يطل موضوع نهاية “إسرائيل” برأسه مذكراً الصهاينة بما يمكن أن يكون مصيرهم. فكتب البروفسور “الحنان ياكيرا” (ملحق معاريف 9 مارس 2007) مقالاً بعنوان “عادي أوفير لا يدعو إلى تغيير نظام الحكم فقط ولكن لإلغاء الدولة والتخلي عن استقلالها: جدل أكاديمي عن حق “إسرائيل” في الوجود”، فيقول: “لا يطمح البروفيسور “عادي أوفير” إلى تغيير نظام الحكم الإسرائيلي بل إلى إلغاء دولة “إسرائيل”. فهو وصديقه “أوزولاي” يقترحان أنه لابد من إنشاء دولة واحدة. “وهذه الدولة لن تكون دولة قومية للشعب اليهودي أو للشعب الفلسطيني، بل ستكون دولة للجميع، يعيش فيها الفلسطينيون المسيحيون، والفلسطينيون المسلمون، واليهود من كل نوع جنباً إلى جنب. ولكن ستكون فيها بالضرورة أكثرية عربية، لأنه سيتحقق فيها حق العودة للاجئين الفلسطينيين. إن “أوفير” يقترح أن تكف “إسرائيل” (في حدود 1967) عن كونها دولة يهودية. وبهذا يكفرون بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير، لكنهم لا يدعون بصراحة إلى إلغاء “إسرائيل”. إن “أوفير وأزولاي” يمضيان خطوة أخرى. أنهما يطلبان إقامة دولة واحدة -لا اثنتين- من البحر إلى النهر تكون فيها أكثرية عربية. لا يوصينا “أوفير” فقط بنظام سياسي ستختفي فيه أو تلغي دولة “إسرائيل”، بل إنه يعتقد أنها يجب أن تختفي من ناحية أخلاقية، فهي لا حق لها في ألا تختفي”.

ويرى “أوفير” أنه قد نشأت في المناطق التي احتلتها “إسرائيل” في عام 1967 صورة خاصة لنظام قمع وفصل قومي. في المجال الذي يقيمه هذا النظام تنفتح الهاوية ويظهر منحدر يفضي إلى الكارثة النهائية منحدر يؤدي إلى عمليات طرد أو إبادة منهجية لجماعات من السكان لا داعي لهم، أي الفلسطينيين في الأساس”. إن عبارات مثل “إلغاء الدولة” وضرورة “اختفاء إسرائيل” و”المنحدر الذي يفضي إلى الكارثة النهائية” كلها تشير بهاجس النهاية. وفي مقال بعنوان “السياسة الإسرائيلية تلفظ أنفاسها الأخيرة” (يديعوت أحرونوت 3 يوليو 2005) يقول “إيتان هابر”، مدير مكتب رابين سابقاً، إن صورة البناء السياسي في “إسرائيل” ومدى انهياره أصبحت واضحة. وعبارة “قبر السياسة” تستدعي هاجس النهاية. وقد بدأ “هابر” مقاله بالنكتة التالية: في يوم من الأيام اختفى أحد مؤسسي إحدى الكيبوتسات القديمة، والتي أسست في بداية الاستيطان الصهيوني. فبدأ زملاؤه الشباب في الكيبوتس في البحث عنه قلقين. وفي الظهيرة عاد الكهل ابن الثانية والتسعين، وهو سعيد وفرحان، فسألوه بقلق: أين كنت؟ أجاب: “ذهبت إلى المقبرة لزيارة زملائي”. فأجابوه قائلين: “لماذا عدت إذاً؟”، “أي أنه لماذا لا تنضم للموتى باعتبارك واحداً منهم؟ فعقلية الكيبوتسات، وهى إحدى اللبنات الأساسية للرؤية الصهيونية قد انتهت (تمت خصخصة أقدم الكيبوتسات منذ عدة شهور!) يقول الكاتب “في هذه الأيام تلفظ الطريقة السياسية الإسرائيلية أنفاسها. إذن “الليكود” تحول إلى ملجأ لمن يبحثون عن الوظائف المهمة، ولا يوجد أي رابط سياسي أو أيديولوجي بين أجزائه، ذكرُ اسم شارون كاستمرار لـ”جابوتنسكي” و”مناحيم بيجن” هو بالنسبة للكثيرين من أعضاء الحزب القدماء كالكفر بالله. الحزب لا يقرر، هو فقط يقترح لفلان أن يكون رئيساً لهذه أو تلك الوظيفة. أما “شينوي” فقد فقدت البوصلة. لا يوجد نقاش سياسي متعمق بالأحزاب. لا توجد جدالات حتى ساعات متأخرة من الليل. القيادة السياسية من نهاية القرن الماضي أدت إلى تردي البنية الداخلية وشارون ما هو إلا ضارب المعول الأخير من الرمل الذي يلقى به على الميت في قبر السياسة”. وقد أشار “أوريل أبولوف” (معاريف 27 أبريل 2005) إلى مقال “بنجامين شفارتس” الذي نشر في مجلة “أتلانتيك مانثلي” والذي أحدث ضجة في الأوساط اليهودية والصهيونية فهو بعنوان “هل ستحظى “إسرائيل” بأن تصل إلى المئة من عمرها؟” وكانت إجابته بالنفي، وأشار إلى المسألة السكانية واستمرار الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وقد أشار “أبولوف” أن حيرة مواطني الدولة الصهيونية قد خفتت رويداً، وحل محلها تدريجياً نوع من اللامبالاة التي حصرت كل همها في عملية الانسحاب من غزة.

و”شفارتس” ليس فريد نوعه في طرح هذا السؤال الوجودي الذي ظل يقضُّ مضاجع الإسرائيليين، منذ قيام دولتهم المصطنعة قبل أكثر من خمسين عاماً على حساب الشعب الفلسطيني، فقبله كثيرون وضمنهم إسرائيليون حذروا بصراحة وجرأة من هذا السيناريو.

مثلاً، فقد قام “أبراهام بورغ”، الرئيس السابق لـ”الكنيست” الإسرائيلي، وأحد زعماء حزب “العمل”، في مقال نشره العام الماضي، بنعي دولة “إسرائيل” والمشروع الصهيوني، قائلاً: “الدولة الإسرائيلية تقوم الآن على الفساد والقمع والظلم. وبناءً عليه، نهاية المشروع الصهيوني وشيكة جداً. وهناك احتمال كبير بأن يكون جيلنا آخر أجيال الصهاينة. قد تبقى الدولة اليهودية قائمة، لكنها ستكون من نوع مختلف، غريبة وقبيحة. الدولة التي تفتقر إلى العدالة لا تدوم. لا يمكن أن ينجح هذا.. لا يمكن الاحتفاظ بكل شيء بدون دفع ثمن.” (يديعوت أحرونوت 9 أبريل 2004).

والله أعلم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب وأصيب طفل، صباح الأحد، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها مخيم بلاطة شرق نابلس. وأفادت مصادر...

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب ثلاثة مستوطنين بجروح - فجر الأحد- جراء سقوط صاروخ أطلقته المقاومة الفلسطينية على عسقلان المحتلة. وقالت هيئة البث...