عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

ميثاق أمن إقليمي للتهدئة في الشرق الأوسط

ميثاق أمن إقليمي للتهدئة في الشرق الأوسط

صحيفة الحياة اللندنية

فشل سياسة إدارة بوش في الشرق الأوسط كارثة لا تضاهيها كارثة، حتى إنها باتت تشكل خطرا على السلام والأمن في العالم، وقد آن الأوان كي تتنحى الولايات المتحدة جانباً، وتسلم قضايا المنطقة إلى القوى المحلية.

ما الذي ينبغي فعله الآن؟ في اعتقادي، يتوجب على المملكة العربية السعودية، التي تجسد الثقل العربي على الصعيد العالمي، أن تطرح، بالتضامن مع شركائها من دول الخليج، مبادرة أمنية موسعة، يتعهد فيها العرب لإيران أن لا تستخدم أراضيهم كمراكز انطلاق لهجوم أميركي عليها، في مقابل أن تقدم إيران تعهدات باحترام استقرار دول المنطقة وأمنها. ومن المؤكد أن مثل هذا الميثاق بين الطرفين سيساعد على توفير الاستقرار في العراق، وسيخفف من التوترات بين السنة والشيعة، بل إنه سيكون السبيل الوحيد لإقناع إيران بالتخلي عن مطامحها بالحصول على الأسلحة النووية.

وينبغي أن تُمنح مصر، في الوقت ذاته، تفويضاً عربياً، ومساندة دولية واسعة – من أوروبا، ولكن أيضاً من روسيا والصين والهند، بل ومن الولايات المتحدة – «بتسويق» مبادرة السلام العربية إلى الجمهور الإسرائيلي، كضرورة ملحة، توفر ل”إسرائيل” السلام مع العالم العربي بأسره، مقابل انسحابها إلى حدود 1967، وقبولها بإقامة الدولة الفلسطينية.

الموقف في غاية الدقة، بسبب السجل الأميركي السيئ في المنطقة: إن تدمير العراق – بالتذرع بحجج مختلقة وكاذبة – قد أحدث كارثة استراتيجية وسياسية وإنسانية، لا مثيل لها في التاريخ العربي، وقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً باهظاً لقاء جنونها الإجرامي، ولكن هذا الثمن لا يقاس بفداحة الثمن الذي دفعه العراقيون المساكين، بعد تقويض دولتهم، وفتح أبواب الجحيم أمام الفلتان الأمني.

ومما لا شك فيه أن تدمير العراق قد ولد اختلالاً في ميزان القوى بين العرب والفرس، الذي بقي، لقرون طويلة، الضمان الحقيقي للاستقرار في المنطقة، كما أنه أوجد مشكلة اللاجئين العراقيين التي أخذت أبعاداً أسطورية، ولا تشابهها إلا مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم، بعد قيام دولة “إسرائيل” عام 1947 – 1948، بالإضافة إلى انه أجج حرباً أهلية قاسية بين السنة والشيعة، أصبحت تهدد بإشعال النار في المنطقة بكاملها.

ومما لا شك فيه أيضاً أن حرب الولايات المتحدة في أفغانستان التي كانت تهدف في البدء، إلى تصفية «القاعدة» ودولة «طالبان» التي كانت تستضيفها، قد تحولت إلى مجابهة مشؤومة مع قبائل «الباثان» التي تسيطر على شرق وجنوب أفغانستان، وتنتشر على امتداد الحدود مع باكستان. ورجال هذه القبائل هم الذين يقاتلون اليوم تحت راية «طالبان» التي ظهرت على السطح مجدداً.

أما الرئيس الباكستاني برويز مشرف، ذو الحظ العاثر الذي كاد وزير داخليته أن يقتل في هجوم انتحاري، في الأسبوع الماضي فهو محاصر اليوم بين مطرقة الضغوط الأميركية التي تطالبه بإيقاف تسرب المقاتلين إلى أفغانستان، وسندان رجال القبائل الباكستانية الذين يتحرقون «غريزياً» لنجدة إخوة لهم في أفغانستان.

وفي أثناء ذلك كله، يتصاعد غضب الأفغان على الأميركيين وعلى الحكومة التي يدعمونها في كابول، بسبب ارتفاع عدد الضحايا من السكان المدنيين الذين يسقطون نتيجة القصف الجوي العشوائي، والتجاوزات الإجرامية الأخرى.

ومن الضروري المجاهرة بأن دخول حلفاء الولايات المتحدة في الحلف الأطلسي في هذه الحرب كان خطأ فادحاً، لأن هذه الحرب على أفغانستان، مثل الحرب على العراق، التي أريد لها أن يكون هدفها «تصفية الإرهاب» قد تحولت إلى «مصنع لتوليد الإرهاب» ولتدريب جيوش من المتطوعين المتعطشين للانتقام مما فعلته الولايات المتحدة في مجتمعاتهم، من تدمير وتمزيق.

إن السبيل الوحيد لهزيمة «القاعدة» – وهي ليست أكثر من جسم «متطفل» يتغذى من النزاعات والصراعات بين الشعوب – هو إخماد هذه الصراعات، والقضاء عليها في المهد، لا توسيعها وتعميقها، ثم إن الأفضلية الملحة الآن ليست لإشعال الحرائق والحروب، وإنما لإطفاء التوترات والأحقاد، ضمن حدود الطاقة الإنسانية الخيرة، والعمل على تأمين الهدوء والأمن، لإفساح المجال أمام الإعمار، الذي أصبح حاجة ملحة وضرورية.

إن الولايات المتحدة، في موقفها مع إيران، معرضة للوقوع في خطأ أفدح من الخطأ الذي وقعت فيه في شنها الحرب على أفغانستان والعراق. لقد سبق لها أن قدمت هديتين ثمينتين إلى إيران: هزيمة «طالبان» المؤقتة على ما يبدو، والإطاحة بنظام صدام حسين. وهذان الانجازان حررا إيران من عدوين تقليديين، كانا يجسدان تهديدات مزدوجة، وأتاحا لها فرصة البروز كقوة عظمى في الخليج، مع امتدادات في المشرق العربي بعد بروز محور طهران – دمشق – «حزب الله».

وواقع الحال أن الهلع قد استبد بالولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل”، بعد ظهور هذا المحور، الذي يتحدى هيمنتها الإقليمية، وسعى الاثنان، وبكل الوسائل المتاحة، إلى إرجاع الجمهورية الإسلامية إلى «قمقمها»، وتنظيم حملة عالمية لعزلها اقتصادياً وسياسياً، وتهديدها بهجوم عسكري وشيك.

وقد أرسلت الولايات المتحدة، بهدف إيصال «رسالتها» إلى إيران، مجموعتين من البوارج الحربية المجهزة إلى المنطقة، كما قامت ـ بمساعدة فاعلة من “إسرائيل” ـ بمحاصرة النظام المصرفي الإيراني، وحرمانه من القروض الدولية، بالضغط على المصارف الدولية الكبرى ومنعها من التعامل معه ـ وهذه كلها إجراءات غير قانونية تتجاوز العقوبات التي فرضتها قرارات الأمم المتحدة.

إن الولايات المتحدة و”إسرائيل”، بإظهارهما إيران وكأنها مصدر الخطر الأكبر في المنطقة، قد ركزتا، بالدرجة الأولى، على البرنامج النووي الإيراني، والزعم بأنه يشكل «خطراً وجودياً» على “إسرائيل”، بل وخطراً على السلام العالمي، علماً بأن هذا كله ليس أكثر من دعاية كاذبة وخطيرة، ولا أساس لها من الصحة.

ومن المؤكد أن إيران ستحتاج إلى سنوات عدة «لتصنيع» الأسلحة النووية، حتى ولو كانت راغبة في امتلاك السلاح النووي، وهذا افتراض غامض لا دليل عليه. ومهما يكن من أمر، فإن من حق إيران أن تحصل على الطاقة النووية، بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية التي وقعت عليها، في حين رفضتها كل من “إسرائيل” والهند وباكستان.

وقد يكون من الضروري التذكير بأن تملك الأسلحة النووية قد يحمي بلداً من الهجوم عليه، ولكن لا يمكن استخدام هذه الأسلحة ضد أعداء أكثر قوة، من دون المغامرة بالإبادة الكاملة، ولا أعتقد بأن الإيرانيين راغبون في «الانتحار الوطني الشامل».

إن الموقف الأميركي والإسرائيلي الراهن يتلخص على الوجه التالي: إنهما لا يتحملان أن تصبح إيران دولة نووية. هذا ما يقولانه، ولكن ما معنى هذا القول؟ إذا استمرت إيران في تخصيب الأيورانيوم للأغراض السلمية، كما يحق لها أن تفعل بموجب معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ولم تذهب أبعد من هذا بغرض استخدام الذرة للأغراض العسكرية، فهل ستصر الولايات المتحدة و”إسرائيل” على شن الحرب عليها لمنعها من تخصيب الأيورانيوم فقط؟ إذا حدث هذا فسيكون خطأ «كارثياً».

لا توجد منطقة واحدة في الشرق الأوسط لم تتعرض لأذى الولايات المتحدة وضررها: الصومال هي الضحية الأخيرة للديبلوماسية الأميركية، حيث تسبب تدخل أثيوبيا، وبمباركة أميركية، في تفجير حمام من الدماء، وبنشر شقاء إنساني لا حدود له.

وفي الصيف الماضي، شجعت الولايات المتحدة “إسرائيل” وأيدتها في حربها الظالمة ضد لبنان التي لم تكن أكثر من رد فعل مجنون على حادث حدودي «تافه»، وكان من نتائج هذه الحرب أنها أظهرت هشاشة “إسرائيل” أمام الصواريخ، وأمام الحرب غير المتكافئة، كما أظهرت حقيقة القدرة الرادعة لجيشها، وضعف معنويات شعبها، وعدم كفاءة قادتها وفسادهم الأخلاقي.

وقد حذت الولايات المتحدة حذو “إسرائيل”، في السعي إلى التقليل من قدرات «حزب الله»، المنتصر في حرب لبنان، وإلى مقاطعة «حماس» التي فازت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الديموقراطية، وكان من نتيجة هذا الموقف الأحمق أن تحولت حركتان شعبيتان متجذرتان في المجتمع إلى قوتين معاديتين للولايات المتحدة، تستمدان قوتهما من التصدي للعدوان والاحتلال الإسرائيلي.

إن واشنطن، عوضاً عن دفعها “إسرائيل” نحو تحقيق السلام مع جيرانها ـ وهذا هو الضمان الوحيد لأمنها، على المدى البعيد ـ قد غضت الطرف عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والسورية، وعن توطين سكان فيها، كما غضت الطرف عن ملاحقة الفلسطينيين الإجرامية، ومعاملتهم بمنتهى الوحشية، مما دفع بالفلسطينيين إلى التحدث عن «انتفاضة ثالثة» تشعل الأراضي الفلسطينية، وتحمل الموت والدمار إلى “إسرائيل” ذاتها.

لقد لاحظ لويس ميشال، المفوض الأوروبي للتنمية والمساعدة الإنسانية، في زيارة قام بها إلى الضفة الغربية أن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وصل إلى درجة من السوء لا سابق لها. فـ60 في المئة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ويعيشون على 2 يورو في اليوم أو أقل، و35 في المئة من السكان أي مليون و300 ألف فلسطيني يعانون من الجوع، وأكثر من نصف الأطفال مصابون بفقر الدم، ويعانون من الاضطرابات بسبب نقص الخلايا الدموية الصحية، وربع السكان محرومون من مياه الشرب، ومئات الحواجز ونقاط المراقبة والتفتيش بين المدن والقرى الفلسطينية تحول دون تحقيق أي تنمية اقتصادية، بسبب فرض الحصار والرعب الدائم على السكان الفلسطينيين. ويسأل لويس ميشال: هل مثل هذه الإجراءات ضرورية لأمن إسرائيل؟ لقد آن الأوان كي تتولى القوى الأساسية في المنطقة مقدراتها بيديها، وأن تتحرر من القوى الخارجية، وبخاصة من التدخل الأميركي الشائن.

* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات