عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

هل للخوف الإسرائيلي من صعود الإسلاميين الأتراك من مبرر؟

هل للخوف الإسرائيلي من صعود الإسلاميين الأتراك من مبرر؟

صحيفة الخليج الإماراتية

بمقدار ما تثير نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية في فرنسا في “إسرائيل” مشاعر النشوة والتفاؤل، تثير تطورات الانتخابات الرئاسية في تركيا مشاعر القلق بين “الإسرائيليين”. وينقسم “الإسرائيليون” الذين يتابعون هذه الانتخابات ويعبرون عن مخاوفهم بسببها إلى فريقين: الأول، يخشى أن يؤدي نجاح جول في الانتخابات الرئاسية إلى التعجيل بتحول تركيا إلى قوة أوسطية تعادي “إسرائيل” وتحابي العرب. وفي نظر هؤلاء أن بقاء الرئاسة التركية في عهدة العلمانيين الأتراك سوف يقلل من هذا الاحتمال على اعتبار أن التيار العلماني أقرب إلى “إسرائيل” من التيار الإسلامي الذي يمثله جول.

ويقدم “الإسرائيليون” الذين يخشون من صعود جول سدة الرئاسة مسوغات متعددة لمخاوفهم هذه. فقبل وصول الإسلاميين إلى الحكم، كانت هناك علاقات مزدهرة بين تركيا و”إسرائيل” خاصة بين المؤسستين العسكريتين في كل منهما. هذه العلاقات أسفرت عن اتفاق بقيمة مئات الملايين من الدولارات حيث أوكل إلى “إسرائيل” المساهمة في تحديث القوات المسلحة التركية. واستند الازدهار في العلاقات التركية “الإسرائيلية” إلى ازدهار دائم ومستمر في العلاقات التركية الأمريكية. فتركيا ما قبل أردوغان سمحت للقوات الأمريكية باستخدام قواعدها في الأراضي التركية في شن الهجمات على العراق خلال الحرب الأمريكية ـ العراقية الأولى. هذا الموقف انسجم مع المصالح الحيوية “الإسرائيلية”.

تغيرت هذه الصورة بعد نجاح حزب العدالة والتنمية الإسلامي في الفوز بالأكثرية النيابية عام 2002، وبعد أن شكل أردوغان زعيم الحزب حكومته الإسلامية. فقد ألغت الحكومة الاتفاق العسكري بين تركيا و”إسرائيل”، وعارضت استخدام القواعد الأمريكية في شن الهجمات الجوية ضد العراق. واتجهت حكومة أردوغان إلى تنمية علاقاتها مع الدول العربية بما في ذلك الحكومة السورية. وذهبت حكومة أردوغان إلى أبعد من ذلك حينما اخترقت الحظر الغربي عامة والأمريكي خاصة على الاتصال بحماس وبحزب الله، وساهمت بدور ملموس في تقصير عمر العدوان “الإسرائيلي” على لبنان، بالإضافة إلى ذلك خطت حكومة أردوغان خطوات كثيرة دلت، في نظر “الإسرائيليين” الذين يتخوفون من صعود الإسلاميين الأتراك، على رغبتها في تطوير العلاقات مع الدول العربية على حساب علاقاتها مع “إسرائيل”. وإذا كان هذا النزوع يثير مخاوف لدى سائر “الإسرائيليين” المعنيين بعلاقات “إسرائيل” الإقليمية والدولية، فإن أولئك “الإسرائيليين” الذين يحملون الإسلاميين الأتراك تبعة التراجع الذي أصاب العلاقات التركية “الإسرائيلية” في السنوات الأخيرة يعلقون آمالهم على التيار العلماني التركي وعلى المؤسسة العسكرية بصورة خاصة المؤتمنة على الأرث الأتاتوركي العلماني.

لا ريب أن تقييم هذا الفريق من “الإسرائيليين” لنتائج الصراع بين التيارين الإسلامي والعلماني في تركيا على مستقبل علاقاتها مع “إسرائيل” ينطوي على الكثير من الصحة، إلا أن هذا التقييم ينطوي، في نظر فريق آخر من “الإسرائيليين” المعنيين بالعلاقات التركية “الإسرائيلية” على شيء من التبسيط والعمومية، إذ أنه يغفل في نظرهم العديد من الحقائق والمؤثرات التي ساهمت في تكييف السياسة التركية خلال العقود الأخيرة. فصحيح أن العلمانيين الأتراك كانوا الأقرب إلى الولايات المتحدة وإلى “إسرائيل” بالمقارنة مع الإسلاميين، إلا أن هذا لا يعني أنهم وقفوا دوماً مع “إسرائيل” وضد العرب. فالعلمانيون الأتراك بزعامة بولنت اجاويد الذين مثلوا يسار الوسط هم الذين بدأوا في منتصف السبعينات رحلة الاقتراب مع الدول العربية وتغيير الموقف التركي تجاه الصراع العربي ـ “الإسرائيلي”. وخلال الحرب الأمريكية على العراق وقف أجاويد والعلمانيون الأتراك المؤيدون له موقفاً متحفظاً على الحرب خلافاً بالطبع لما كان عليه الموقف “الإسرائيلي” ومواقف مؤيدي “إسرائيل”.

مقابل ذلك يلاحظ هذا الفريق من “الإسرائيليين” الذين وإن عبروا عن قلقهم من الصعود السياسي لحزب العدالة والتنمية، إلا أنهم يميلون إلى التقليل من المخاوف “الإسرائيلية” الناجمة عن هذه الظاهرة، إن أصحاب النزعة الإسلامية التركية لم يكونوا موحدين في موقفهم السلبي تجاه “إسرائيل”، وإن فريقاً منهم كان، على العكس من ذلك، من أقرب الأطراف التركية إلى فكرة التفاهم مع “إسرائيل” ومع حليفها الرئيسي الولايات المتحدة. أما مواقفهم تجاه العرب وتجاه المصالح العربية فاتسمت في كثير من الأحيان بالسلبية. ويقدم هذا الفريق من “الإسرائيليين” أمثلة متعددة على مثل هؤلاء الزعماء الأتراك.

فعدنان مندريس رئيس الحكومة التركية خلال الخمسينات كان متعاطفاً مع النزعة الإسلامية ولكنه ساهم في الوقت نفسه في توطيد العلاقات التركية “الإسرائيلية” وفي تحويل تركيا إلى حليف قوي للغرب. كذلك يتحدث ذلك الفريق من “الإسرائيليين” عن تورغوت أوزال الذي مثل امتداداً لنفس الأفكار التي حملها مندريس، إذ كان أقرب إلى التيار الإسلامي منه إلى التيار العلماني، لكنه كان في الوقت نفسه حريصاً على التفاهم مع “الإسرائيليين” بينما كانت مواقفه تجاه العلاقات التركية ـ العربية موضع نقد عربي خاصة عندما أيد الحرب على العراق وقاد تركيا إلى بناء سلسلة من المشاريع لاستثمار مياه الفرات أثارت ردود فعل سلبية عنيفة في بغداد ودمشق. ورغم أن الفريق “الإسرائيلي” الذي يهون من شأن صعود الإسلاميين الأتراك إلى الرئاسات الأولى يدرك الفارق بين مندريس وأوزال من جهة، وزعماء حزب العدالة والتنمية، من جهة أخرى، فإنه لا يذهب إلى الاعتقاد بأن نجاح جول سوف يؤدي إلى انحسار حاسم في العلاقات “الإسرائيلية” التركية. تأكيداً على وجهة النظر هذه، يشير هذا الفريق إلى مناسبات كثيرة سعت خلالها حكومة أردوغان إلى الابتعاد عن الظهور بمظهر المنحاز ضد “إسرائيل”. فكل من أردوغان وجول زار “إسرائيل” وعقد محادثات مع زعمائها. كذلك تدخل أردوغان بصورة مباشرة وشخصية لتذليل العقبات التي اعترضت نشاط بعض المستثمرين “الإسرائيليين” في الاقتصاد التركي. واتخذ أردوغان موقفاً أرضى “الإسرائيليين” والمتعاطفين معهم في تركيا عندما وافق على تعيين الجنرال يسار بويوكانيت، أشد العسكريين الأتراك حماساً لتطوير العلاقات مع “إسرائيل” والولايات المتحدة، كرئيس لأركان حرب الجيش التركي.

هذه الصورة لخلفية العلاقات التركية “الإسرائيلية” جديرة، في نظر الفريق الثاني من “الإسرائيليين”، بأن تهدئ المخاوف “الإسرائيلية” التي تتفاقم كلما اقترب الإسلاميون الأتراك من مفاتيح القوة والسلطة في تركيا، إلا أنه يبدو من الصعب ضبط مشاعر القلق هذه. وترجع هذه الصعوبة إلى أن “الإسرائيليين” لا يقبلون بالمثل الذي يقول “إذا أردت أن تطاع فاطلب ما يستطاع”، فكما يرى الرئيس الأمريكي جورج بوش أنه مطلوب من حلفاء الولايات المتحدة أن يكونوا معها “مئة في المئة” وإلا كانوا ضدها، فإن “الإسرائيليين” لا يقبلون أن يقود الإسلاميون تركيا، القوة الأوسطية الصاعدة، إلى سلوك سياسة متوازنة في الصراع العربي “الإسرائيلي”. إنهم يريدونها أن تكون حليفاً كاملاً لهم في استراتيجيتهم الإقليمية وفي صراعهم مع العرب. وإذ يرفض الإسلاميون الأتراك السير في هذه السياسة فإنهم يتحولون إلى مصدر قلق كبير في “إسرائيل”. ولكن ما هو جدير بإثارة المزيد من القلق في “إسرائيل”، هو أنه لو حتى حكم تركيا الحديثة العلمانيون فإنها من الصعب أن تكون حليفاً صلباً ل”إسرائيل” كما يأمل الزعماء “الإسرائيليون”. فالطابع العنصري والتوسعي الذي يسم السياسة “الإسرائيلية” اضطر العديدين من حلفاء “إسرائيل” التاريخيين إلى الابتعاد عنها. فضلاً عن ذلك يعرف الأتراك بما في ذلك العلمانيون بينهم وبحكم التجربة التاريخية، أن كسب العرب أنفع لتركيا بكثير من الرضوخ ل”إسرائيل”.

* كاتب لبناني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

المقاومة تصدى لتوغل الاحتلال في جنين

جنين- المركز الفلسطيني للإعلامتصدّت المقاومة لقوات الاحتلال الإسرائيلي صباح اليوم الجمعة، بعد اقتحامها جنين وحصارها منزلا في بلدة جبع جنوبًا، شمال...