الإثنين 12/مايو/2025

العمال المتسللون إلى الخط الأخضر .. من ضيق البطالة إلى ذل الاحتلال

العمال المتسللون إلى الخط الأخضر .. من ضيق البطالة إلى ذل الاحتلال
لم يخطر ببال ياسر فتحي أحمد، البالغ من العمر 39 عاماً، من مدينة نابلس، أن يكلفه ثمن بحثه عن الخبز لأولاده السبعة تكسير يديه، أثناء وصوله إلى مكان عمله، في منطقة، (جيها) القريبة من المستعمرة المسماة “رامات غان” وسط الأراضي المحتلة عام 1948.

وقد تعرض ياسر لهذا الأذى، بعد أن انهالت عليه مجموعة من جنود الشرطة الصهيونية، المتخفين بثياب عادية، بالضرب المبرح بهراواتهم والركل بأرجلهم، وهو ما أدى إلى كسر ذراعيه وإصابته برضوض في كافة أنحاء جسده، إضافة إلى جروح في رأسه.

وتبدأ قصة ياسر المأسوية بعد أن نزل من السيارة، التي أقلته هو ومجموعة من العمال الفلسطينيين الباحثين عن لقمة عيش أطفالهم، إلى أحد المناطق التي احتلها الكيان الصهيوني عام 1948، بهدف العمل، بعد أن ضاقت بهم السبل، وانعدمت فرص العمل في وجوههم، في الضفة جراء الحصار المفروض على المنطقة.

وذكر العامل الفلسطيني أنه اشتبه بسيارة تراقبه، بمجرد وصوله إلى المنطقة التي اعتاد العمل بها، ولم تمض سوى برهة من الوقت، حتى اعترض طريقه من كانوا بالسيارة، طالبين منه التوقف، ورفع يديه فوق رأسه.

وبعد محاولة هرب باءت بالفشل، اضطر ياسر إلى المثول لرغباتهم، جراء أسلوبهم الوحشي الذي قابلوه به، حيث نزل أحدهم وبيده عصا كبيرة، كانت هي الأسبق إليه من أي شيء آخر، ولمعرفة ما جرى له بعد ذلك يقول العامل الفلسطيني إنني “وقعت أرضاً، وانهال من في السيارة عليّ بالضرب المبرح، الذي طال كافة أنحاء جسدي، الأمر الذي دفعني إلى محاولة صدّ بعض الضربات بساعدي، خاصة تلك التي كانت مصوّبة نحو رأسي، الأمر الذي أوقع ثلاثة كسور في كلتي يدي”.

وبعد أن اكتشف المهاجمون من عناصر شرطة الاحتلال بأنّ ياسر يمتلك تصريح عمل في هذه المنطقة تركوه مطروحاً، يتلوى من شدة الألم نظراً لما تعرض له.

                                    ضحايا التهريب والتخفي

قصة ياسر تتكرر مع عمال فلسطينيين آخرين، ممن تضطرهم الظروف إلى التخفي بأساليب عدة، بهدف الوصول إلى أماكن عملهم، حيث ذكر أحد العمال، وهو في العشرينيات من عمره، ورفض ذكر اسمه، إنه تعرض للموت، هو وعشرون عاملاً آخر بعد انقلاب السيارة التي كانوا يستقلونها، بسبب ملاحقة دوريات شرطة الاحتلال لهم.

وقد تحدث ذلك العامل مستذكراً ما حدث معه بالقول “قبل عدة شهور، وبعد أن وصلنا إلى حاجز قلنديا، بين القدس ورام الله، صعدنا إلى  باص جي إم سي يحمل لوحة صهيونية، صمم خصيصاً لتهريب العمال إلى المناطق المحتلة عام 48 حيث سيقلّنا إلى القدس، ركب فيه عشرون شخصاً، بينما لا يتسع أصلاً سوى لعشرة فقط، والجلوس كان أرضا، من غير كراسٍ”.

وتابع العامل ذاته شارحاً “ساد الجوّ نوع من الخوف، من المجهول القادم من جراء هذه الرحلة، فالشبابيك كانت مغطاة بورق مقوّى، للتمويه بأنّ الباص محمل بالبضائع وليس بالبشر، أحد الراكبين سأل السائق عن الطريق الذي يفترض أن نسلكه، فرد عليه بالقول: ليس لك علاقة بذلك، المهم أن تصل”. 

وأضاف العامل مكملاً القصة التي كانت وقائعها محفوفة بالمخاطر “يبدو أن السائق سلك طريق الحاجز، فتوقف وسمعناه يتحدث إلى أحد الجنود، شعرنا أنّ أحد الجنود قد همّ بفتح أحد الأبواب الخلفية، فإذا بالسائق ينطلق بالباص كالصاروخ هارباً، وأحسسنا بالخطر الذي يحدق بنا، سيارات شرطة أصبحت تطاردنا، انتهى بنا المطاف ضحايا حادث مروري أليم، أُصِبنا فيه جميعنا بإصابات من متوسطة الى كبيرة، فقد انقلب الباص عند إحدى المفترقات، وتم علاجنا في إحدى المستشفيات، بعد التحقيق معنا، وإيصالنا إلى حدود الخط الأخضر”.

 
ولا تقتصر المعاناة والمخاطر التي تحف بالعمال الذين يعملون في أراضي عام 48 على صعوبة الوصول إلى أماكن أعمالهم، بل تمتد إلى الملاحقات التي تنتظرهم أثناء العمل، وحجزهم في السجن، وإجبارهم على دفع غرامات كبيرة، بسبب ما تعتبره سلطات الاحتلال مخالفة، لعدم حصولهم على تصاريح العمل المطلوبة، فضلاً عن صعوبة تأمين سكن للنوم والراحة. وعن ذلك يقول العامل يوسف حسني عبدات، البالغ من العمر 32 عاماً ولديه خمسة أطفال، “إنّ إحدى المشكلات التي تنتصب أمام العمال هي عدم السماح لهم بالنوم حتى في أماكن العمل، الأمر الذي يضطرهم إلى تكوين تجمعات بحثاً عن مكان للنوم”. 

                                      أمرّ من المرّ

ويشرح ياسر أحمد الظروف غير الإنسانية لنوم العمال، حيث يقول “إنّ هناك مجمعاً كبيراً، لكنه غير جاهز، مكوّناً من سبعة طوابق تحت الأرض، بالقرب من “جيها” في “رامات جان” ينام فيه لا يقل عن ألف عامل، يفتقر إلى أدنى المتطلبات الإنسانية، فئران كبيرة، وعمال يفترشون أرضاً صلبة من غير أغطية، وهناك أيضاً لا يقل عن مائة طفل، (أعمارهم أقل من 18 عاماً) يعملون في هذه المنطقة، وينامون في المكان نفسه، وهناك من ينام في الشارع، أو تحت شجرة، في الشتاء القارس”.
 
ورغم كل هذه الظروف؛ فإنّ أنّ العامل ياسراً مصر على هذا العمل، مبرراً ذلك بالمثل القائل “ما الذي بجبرك على المرّ؟ سوى الذي أمرّ منه”، فانعدام الفرص في الضفة الغربية، والأجرة العالية داخل ما يعرف بالخط الأخضر، وضيق الحال، والحفاظ على قوت العيش، هو ما دفعنا إلى هذا المرّ، على حد وصفه. 

ويضيف العامل عبدات على ما سبق متحدثاً عن نفسه وأمثاله من العمال الفلسطينيين قائلاً “كثيراً ما نتعرض إلى عمليات المخابرات أو الشرطة الصهيونية، التي تهبط علينا من غير سابق إنذار، فهي تقتحم المكان وكأنها قطة وجدت قطعة من اللحمة، فينهالون علينا ضربًا، وبعد ذلك يقيِّدوننا، ويتجهون بنا إلى مقر الشرطة للتحقيق، والمكوث في السجن مدّة يقررها المحقق”.

وعن التطوّرات التي تلي قبض قوات الاحتلال على هذه الشريحة من العمال؛ قال عبدات الذي كان في طريقه إلى العمل، إنه كتب تعهداً؛ بأن يحكم عليه بالسجن ثلاثة شهور إذا دخل الأراضي المحتلة عام 48  من غير تصريح، لكنه مع ذلك لا يأبه لأي عقوبة تنتظره لأنه يريد تدبير رزق عياله، حتى ولو كان ما يفعله مغامرة، تنتهي به في سجن مظلم بحسب تعبيره. وهو يشير أيضاً إلى أنّ قوانين الكيان الصهيوني تقضي بالسجن مع وقف التنفيذ، والمدة تتضاعف بالتكرار. أي أنه كلما تمّ الإمساك به من غير تصريح، فالعقوبة تتزايد بعدد مرات الاعتقال السابقة.

                                      سجن وغرامات

الكثير من العمال الذين ذهبوا ليعتاشوا في أرض أضحت في زمن غابت فيها العدالة ملكاً لغيرهم؛ حُكم عليهم بالسجن، فعمران الجعبري، البالغ من العمر 28 عاماً، من مدينة الخليل، حُكم عليه لمدة عام، وهو الآن في سجون يسميها الكيان الصهيوني مدنية، وبالتالي فمن يُحتَجز فيها ليس أسير حرب، ولا هو مجرم جنائي.

أما علي دراوشة، البالغ من العمر 25 عاماً، من مدينة نابلس، والذي خرج حديثاً من السجن الصهيوني بعد أن حكم عليه ثلاثة شهور، وبكفالة مالية قدرها سبعة آلاف شيكل، أي ما يعادل ألف وثمانمائة دولار، فقد شرح كيفية اعتقاله قائلاً إنه كان يعمل في أحد المطاعم، وبعد أن أنهى عمله في الساعة الخامسة صباحاً، تمت مطاردته من قبل شرطة الاحتلال في أزقة الشوارع، ومن باب إلى باب حتى اعتقلوه، بعد أن انهالوا عليه ضرباً.

وقد أردف دراوشة موضحاً في المحكمة، “كان هناك محام يهودي عيّنته المحكمة للدفاع عني، لكن جل ما كان يدافع عنه، هو ما يسمى “أمن إسرائيل”، أما الدفاع عني، فكان فقط في أمور بسيطة لم تغيِّر مسار الجلسة للمحكمة”، وفق شرحه.

                                        رأي قانوني

ولمعرفة الرأي القانوني في تصرفات الكيان الصهيوني تجاه العمال؛ أوضح المحامي الفلسطيني فارس أبو الحسن، “أنّ القانون الدولي، لا يسمح لأي دولة في العالم، بأن تحاكم أشخاصًا لكونهم دخلوا أرضها بطريقة غير رسمية، تحت أي ظرف من الظروف. كما أنّ هؤلاء العمال، في كثير من الأحيان يخضعون لمحاكمة عسكرية، ويحتجزون في سجون مدنية داخل الأراضي المحتلة عام 48، وهذا يناقض القوانين، هذا افترضنا جدلا أننا (السلطة الفلسطينية) دولة، والجانب الآخر دولة محاذية لنا”.

وأضاف أبو الحسن قوله “إنّ هذه المحاكم التي تجرى، وتكون أحكامها مقررة، وجاهزة، حتى وان كان هناك محام لهذه القضية؛ فالحكم غالباً ما يتم إقراره مسبقاً”، حسب تأكيده.

                                   وشهد شاهد من أهلها

حتى ما يصدر عن المنظمات الحقوقية العاملة بالكيان الصهيوني يشير إلى التجاوزات التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق العمالة الفلسطينية التي تعبر إلى داخل الخط الأخضر. فقد لفت تقرير أعدّه مركز المعلومات لحقوق الإنسان، “بتسيلم” الانتباه إلى هذه الانتهاكات، مثل: المس بكرامة الإنسان، والتعذيب الجسدي، وإطلاق النار، وتجنيد العملاء التي تتجاوز الحدود القانونية، على حد تعبير التقرير.

ويبقى أنه لا دور يذكر للسلطة الفلسطينية، ولا للأطراف المدافعة عن حقوق السجناء والأسرى إزاء ما يحصل لهؤلاء العمال، حيث اكتفى سامر سمارو، مدير مديرية وزارة الأسرى في مدينة نابلس بالقول “إنّ هؤلاء المعتقلين من قبل الاحتلال، ليس لنا علاقة بهم إطلاقًا، لأنهم ليسوا أسرى أمنيين، ولا ندري دوافعهم للدخول إلى إسرائيل، وهل هي للعمل أم لشيء آخر، والمصداقية قد لا تتوقر لدى الجميع في سبب الاعتقال”.

ويتضح بهذا أنّ وضع العمال الفلسطينيين الذين يخاطرون بأنفسهم للوصول إلى داخل ما يعرف بالخط الأخضر، من أجل لقمة العيش؛ هو كالمستجير من الرمضاء بالنار، فهم يهربون من ضيق البطالة وقلة ذات اليد، إلى ممارسات الاحتلال المذلة التي تنتهك حقوق البشر وآدميتهم، ودون أن يلقوا من يكترث بمعاناتهم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....