حماس والقرارات الصعبة

كان على حماس أن تعمل أدواتها لإزالة الردم الباقي من سلطة هزيلة جاءت في وقت خاطئ بقرار كارثي؛ محققة سابقة تاريخية لم تشهد لها الثورات مثيل من خلال أول سلطة في ظل الاحتلال ..قبل الشروع في عملية بناء تحتاج صلابة الأسس ومتانة البنيان وإبداع الإنشاء ..لكن المخططات التي عصفت بالمنطقة لتحيي عظام السلطة وهي رميم فتعيدها من ركامها بدئاً بانتخابات رئاسية وليس انتهاءً بانتخاباتً برلمانية، قطعت الطريق على معاول حماس التي باتت في حيرة من أمرها، مخيرة بين مشاهدة صامتة لبناء ما بذلت لتهدمه ردحاً من الزمن وبين التدخل لتعطيل هذا البناء أو حرف خطواته المتسارعة نحو تفريط جديد رسمت خارطته في طريق الخيانة، في الوقت الذي لم يكن خيار المواجهة مطروحاً ولا منطقياً.
كم كان صعباً على حماس أن تدخل مؤسسة طالما كان حلها هو الأمنية، وإزالتها هو المراد؛ لكن الظروف التي جعلت حلها صعباً إن لم يرتق درجة المستحيل، في ظل شرذمة صفراء عضت عليها بالنواجذ، باعتبارها بقرة حلوب تدر على أصحابها ما لذ من مال وما طاب من جاه وما عز من سلطان ..استلزمت تكتيكاً جديداً ومرحلة مختلفة في التعامل، استدعت الدخول في الإنتخابات، ليس من باب الرضا بنهج الديمقراطية الوضعية، إنما من باب وقف الاستنزاف في منهج الشريعة الراشدة ،وإخماد السيوف التي عملت على ذبح القضية الفلسطينية الرائدة
اجتازت حماس هذا المخاض السياسي المعقد، وحسمت أمرها واتخذت قرارها الذي محصته مجالس الشورى ودققته دوائر الفتوى ، مدركةً ما سيوقعه هذا القرار من نقلة نوعية ومنعطف كبير في مسيرة الحركة ونهجها المتدفق، يمكن استشفاف خطورة القرار من مكان إعلانه، الذي اتخذ من الضفة الغربية على لسان محمد غزال منطلقا له للخروج من أروقة السر إلى ساحات العلن، ليقطع الطريق على من يغني على اسطوانة مشروخة تراهن على تصدعات الأجنحة الحركية الممتزجة بين غزة والضفة والخارج والسجون.
تجاوز القرار كل التخوفات المتربصة والأخطار المحدقة من أن يحول حماس إلى هامش سياسي في ورق البرلمان الأصفر، مثبتا نجاحاً باهراً في نزع الشرعية عن المخططات التسووية وإضفائها على المقاومة البطولية، وحقق نجاعةً منقطعة النظير في هدم الطموحات الأمريكية والتطلعات الصهيوفلسطينية، من خلال الاكتساح البرلماني الذي انتقل بحماس إلى قرار ربما هو أصعب من سابقه تضخمت من خلاله النقلات النوعية التي أحدثها دخول البرلمان.
قرار لم تجد حماس بداً من اتخاذه، عندما منحها الشعب ثقةً مطلقة ووضعها في مقدمة الصفوف وسلط عليها جميع الأنظار فوقع عليها كتاب التكليف بتشكيل أول حكومة تقودها حماس ،في نظام سياسي لا تملك في مفاصله موظفاً صغيراً فضلاً عن مدير من الحجم الوسط أو حتى الصغير، في ظل مؤسسة أمنية صنعت أصلا لضرب حماس وتجفيف منابعها، مطلوب منها اليوم أن تعمل في خدمتها أو تدور في فلكها، وقد هبت رياح التهديدات الأمريكية بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني وفرض حصار اقتصادي وعزلة سياسية اهتز لها الذنب الأوروبي بالموافقة سريعا في ظل تواطؤ عربي وإقليمي، والداخلي معلوم بالضرورة من الضربات الخماسية ذات الطابع البلدي!!!!
رغم صعوبة الموقف الذي لم تكن تسعى إليه حماس، مبرأةً من حب الجاه والمنصب والسلطان ،لم يكن لها مفر من قبول تشكيل الحكومة ،حتى لا تنكث عهدها مع أناس انتخبوا برنامجها التنفيذي كما صوتوا لقرارها السياسي ،قبول ينقل حماس من السير في طريق واحد نحو هدم المهازل السياسية التفريطية من خلال المقاومة المجردة ،إلى الإشراف على شبكة طرق متعددة منطلقة نحو بناء دولة المقاومة وثقافة التحدي..
وككل عملية بناء، تحتاج إلى التخصص المبدع في الإنشاء، واللمسات الفنية في عملية القصارة، والذوق الرائق في عملية الطلاء، إلى الهندسة الذكية، تختلف عن عملية الهدم التي لا تحتاج إلا إلى صرامة المعاول وصلابة السواعد،
فكيف إذا اجتمع البناء السياسي مع الهدم المبرمج لمشروع التسويات الأوسلوية والتوسعات الإحتلالية في ظل النقص الحاد في موارد البناء ؟؟!!!
كان اتخاذ القرار بتشكيل الحكومة يرمي بحماس في مستنقع هذه المعادلات البنائية الصعبة ،التي لم تكن لها أدنى خلفية مسبقة عن آليات عملها ولا طرق تشغيلها، بسبب الإقصاء الوظيفي الذي مورس عليها طيلة الحكم البائد، حسمت حماس القرار، في خطوة جريئة تستنير بحكمةٍ مفادها من يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر.
ولا يخفى أن هذا القرار يعني دخول حماس معترك السياسة من بوابة ملغومة عبر فجوة ملئت بالعوائق، إلا أنها قررت الإقدام، لتصنع مرحلة جديدة تضاف إلى مرحلة الدعوة وحمل السلاح دون التخلي عن واحدة منهما، في نقلة نوعية في طرق إدارة الصراع، هي بمثابة زرع بذرة السياسة في الحديقة الإخوانية التي زرعت فيها شجرة المقاومة ،وسرعان ما هبت على بذرتها عواصف المواقف وصواعق المؤامرات، استدعت تأنٍ في العمل ،ووضع آلية للحفاظ على توازن الأولويات بين شجرة المقاومة الراسخة وبذرة السياسة الوليدة.
لتنتقل إلى قرار عسكري جديد، متمثلاًُ في التركيز على نوعية العمل على حساب كمية الإنجاز، ليس تخلياً عن برنامج المقاومة وإنما تدعيما لحديقة المشروع الإسلامي بشجرة القرار السياسي،انضم هذا القرار إلى جملة القرارات الصعبة بما يحمل من دلالات ومؤشرات ،فهو يعني انخفاضاً في وتيرة العمل المسلح الذي يشكل منبع الشعبية الحمساوية، والدخول في معترك لن يرضي الجميع بحال من الأحوال، بما يثيره من غبار الشبهات التي سيستغلها الخصوم في تشويه الصورة المشرقة لمسيرة عظيمة أنجزتها حماس.
لكنها قيادة حكيمة لا تسيرها رغبات العوام ولا أهواء الجمهور، وإنما تعرف أهدافها وترسم خطاها بما يحقق المصلحة للمشروع والتقدم للقضية،صابرة على مزاودات نشاز واتهامات مغرضة، تطعن في مقاومتها وترميها بالانحراف…رغم أنها بددت أوهامهم في عملية الأسر الشهيرة، في نفس الوقت الذي بددت أوهام الأمن الصهيوني،وهنا يشهد لحماس حرصها على مصالح الوطن وحماية القضية وإن كان على حساب شعبيتها المتنامية التي أضحت تغزو البيوت الصفراء في عقر دارها، فضلاً أنها تعلم في قرارة نفسها ،أن أصابعها ما زالت على الزناد، وما هي إلا استراحة الإعداد؛ كالسكون الذي يسبق العواصف، فهي ما زالت تمسك بالمقاومة، وتفتح آفاقاً لسلاح السياسة الجديد، لتزاوجه مع بنادق القسام، فيحصد ما كان يتلفه المنبطحون من زرع الانتفاضة ..فإن وفقت فبها ونعم؛ وإلا فخط العودة مفتوح لا يحول دونه شيء ،لكن لا بد من المضي قدما والصبر على البذرة الجديدة حتى تضرب في الأرض في خطوة بسيطة للخلف من أجل خطوتين كبيرتين للأمام.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...