عاجل

الثلاثاء 14/مايو/2024

الأسيرات في سجون الاحتلال .. ظروف صعبة ومعاناة مستمرة

الأسيرات في سجون الاحتلال .. ظروف صعبة ومعاناة مستمرة

تعجز الكلمات عن الحديث عن الأسيرات داخل المعتقلات والسجون الصهيونية، حيث القهر والذل والمهانة، والتعذيب المتواصل في الليل والنهار. فمن التفتيش العاري إلى أسلوب الشبح القاسي، ومن الزنازين الموحشة التي تسكنها الحشرات والجرذان؛ إلى الغرف القذرة التي لا تصلح كمكان ليعيش فيه الحيوان، فكيف بالإنسان؟.

وللاطلاع عن كثب على معاناة الأسيرات داخل السجون والمعتقلات الصهيونية، كان لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” الحوار التالي مع الأسيرة المبعدة يقين سامر عبد الغني حصارمة، وهي المبعدة لمدة سنتين إلى مدينة غزة، بعدما حُكم عليها بالسجن لمدة 13 شهراً، قضت منها 6 شهور وخرجت بكفالة وثلاث سنوات مع وقف التنفيذ.

 

قنبلة موقوتة

– بداية هل لك أن تطلعينا على بطاقتك التعريفية؟

يقين سامر: أنا الأمَة الفقيرة إلى الله يقين سامر عبد الغني حصارمة، أبلغ من العمر (22 عاماً)، لاجئة فلسطينية من قرية شمال عكا ومن مواليد دبي وسكان رام الله، حتى تزوجت في غزة، خريجة كلية الإعلام قسم إذاعة وتلفزيون من جامعة بيرزيت.

– ما هو سبب اعتقالك من قبل قوات الاحتلال الصهيوني؟

يقين سامر: جاء اعتقالي بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين بخمسة أيام فجر يوم 28/3/2004، حيث أنني اعتقلت بادعاء كاذب من الصهاينة بأنني قنبلة موقوتة (استشهادية)، والتحقيق معي أكد عدم صحة ذلك، لتُحال التهمة إلى “ناشطة في جامعة بيرزيت”، فأكون أول فتاة تُحاكم على نشاط طلابي داخل إطار الجامعة.

– وماذا عن آلية الاعتقال؟ وتعامل الجنود معك؟

يقين سامر: اقتحم ما يزيد عن ستين جندياً صهيونياً ممن طُليت وجوههم باللون الأسود والأخضر منزلنا في تمام الساعة الثالثة فجراً وبشكل مثير للخوف، وكان على رأسهم المسؤول العسكري لمنطقة رام الله والبيرة واسمه “شاي”، والمعروف بأنه لا يذهب إلى أي عملية اعتقال باستثناء العمليات الخطيرة، ولم يدخل إلى المنزل إلا بعدما تأكد من عدم وجود أي شيء في المنزل، حيث أنهم فتشوه وقلبوه رأساً على عقب. ثم فتشتني مجندة كانت بانتظاري في غرفتي جسدياً، وارتديت حجابي بعدما أبلغوني بقرار الاعتقال، وكنت أبلغ من العمر (19 عاماً)، وودعت أهلي وخرجت معهم بعدما تركتني المجنّدة، حيث أنها لم ترافقني كما هو معرف عن السلطات الصهيونية لدى اعتقال أي فلسطينية، ليبدأ التعذيب النفسي، حيث الشتائم والألفاظ القذرة، حتى وصلت إلى سجن المسكوبية بالقدس الغربية والمعروف بـ”المسلخ”.

 

تعذيب نفسي وجسدي

– هل لك أن تصفي آلية التحقيق معك في سجن المسكوبية؟

يقين سامر: عندما وصلت إلى سجن المسكوبية؛ وضعوني في غرفة ولمدة ربع ساعة، حتى جاءت شرطية طلبت مني التفتيش العاري الذي رفضته نهائياً، ولم أستجب لذلك الطلب إلا بعد ساعة ونصف الساعة، حيث هددني مسؤول ملف التحقيق بأن يأتي بشرطيين لينفذوا ذلك، ومن ثم تم عرضي على طبيب لكي يعرفوا إن كنت أعاني من أي مرض أم لا، وأعتقد أنهم يفعلون ذلك إما لأجل التعرف على نقطة ضعف الأسير أو من أجل استخدام ذلك في عملية التعذيب.

ولتبدأ بعد ذلك جولة التحقيق الأولى ولمدة أربعين ساعة متواصلة، لم أرَ فيها الراحة نهائياً، دون أكل ولا شرب ولا نوم، مما أدى لإصابتي بالجفاف ونقص الوزن وقد بلغ (الفاقد) ثلاثة عشر كيلوغراماً. وقد تخلّل ذلك الشبح، والذي يؤدي عادة إلى ثلاث أمراض وهي الديسك والبواسير وقرحة المعدة، حيث أنني أصبت بالأولى والثانية منها. وخلال ذلك تعرضت للضرب، وقبعت تحت تهديدات نفسية كثيرة، منها نسف المنزل وقتل الوالدين، وحتى قتلي واعتقال أخي الصغير الذي لم يتجاوز ثمان سنوات، والحديث عن المستقبل العلمي والاجتماعي وأنه تم القضاء عليه، بالإضافة لعرض المرء على عشرة محققين في وقت واحد، وكل واحد منهم يسأل سؤالاً وهنا تكون الصعوبة، حيث أنّ عدم النوم يؤدي إلى قلة التركيز، ويفعلون ذلك للإيقاع بالمرء، فضلاً عن وجود محققين أحدهما سيئ، حيث الشتائم والألفاظ البذيئة، وآخر يمثل المحقق ذا المعاملة الحسنة، ويتعامل معي بالأسلوب الليِّن والذي يمكن أن يوقع بالمرء دون أن يدري ما قاله، ولذلك الأمر يكون بمثابة تحدي، والفضل لله عز وجل أن ثبتني في تلك المواقف، ثم لدعاء الأحبة في الخارج، لأنّ ما يلاقيه الأسير داخل السجن من ضغط نفسي وجسدي كفيل بجعله مختلاً عقلياً.

بعد ذلك؛ تم نقلي إلى جهاز الكشف عن الكذب، وسألوني العديد من الأسئلة، والحمد لله لم أتحدث بأي شيء نهائياً، ليستمر التحقيق بعد ذلك لمدة ستة أيام من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الواحدة فجراً، أتعرض خلالها لأساليب متنوعة في عملية التعذيب، وخلال هذه الفترة لم أقابل أي أحد، لا الصليب الأحمر ولا أي محامٍ.

 

في صحبة الحشرات

– وماذا عن الزنازين الصهيونية وحال الأسيرة بداخلها؟

يقين سامر: تُعتبر الأيام التي قضيتها داخل الزنزانة بالنسبة لي أصعب من التحقيق، والتي كانت سبعة عشر يوماً، حيث أنّ الإنسان يعيش فيها منقطعاً عن عالمه تماماً في غرفة صغيرة، ترافقه فيها الحشرات والفئران، جدارها من الإسمنت الخشن ولونها أسود ومعتمة، لا يستطيع الإنسان أن يفرِّق داخلها بين الليل والنهار، حتى أنني في أحد الأيام صلّيت الخمس صلوات في وقت واحد (لتعذّر تقدير المواقيت). فضلاً عن تحكمهم (إدارة السجن) في الهواء والماء والكهرباء، فتجدهم يسخنون الغرفة تارة ويبردونها تارة أخرى، أما إذا ما قطعت الكهرباء فتجد نفسك في قبر موحش يلفه الظلام القاتم، هذا بالإضافة إلى الإزعاج المتواصل من خلال الطرق على أبواب الزنازين. وفي أحد الأيام وأنا داخل الزنزانة وضعت نفسي وغفوت قليلاً وأنا أدعو “اللهم أرنا بنورك يا كريم”، وإذا بي أستيقظ على صرصور كبير جداً وبحجم غير طبيعي يلاحق المرء خلافاً للصراصير العادية التي تهرب من الإنسان إذا ما رأته، وقد خفت جداً منه، إلا أنني قمت وضربته ولم يمت إلا بعد عناء، وكان ذلك بفضل الله تعالى الذي أيقظني عليه.

وتُعتبر الزنازين ثلاثة أنواع؛ زنازين انفرادية وتسمى زنازين العار التي لا يكون فيها سوى جردل لقضاء الحاجة وفراش قذر بالإضافة إلى الطعام السيئ المليء بالأوساخ والحشرات، ولا يوجد ماء حيث أنهم يأتون بكأس الماء للشرب فقط، وهناك زنازين انفرادية عادية، وزنازين جماعية وهي التي تكون بعد انتهاء التحقيق.

 

تعذيب الأسير وهو مريض

– وماذا بعد الزنازين؟

يقين سامر: انتقلت إلى سجن تلموند ولمدة خمس ساعات، بعدها وُضعت في غرفة رقم 11، حينها رفضت ذلك لكي أنتقل إلى الغرفة رقم 12 والتي تتواجد فيها الأسيرة أحلام التميمي، وبعد ثمانية أيام وضعوني في العزل، وهو عبارة عن قفص من حديد و”كلبشوني” (صفّدوني) فيه وأبقوني من الساعة السادسة صباحاً وحتى السابعة مساء، ومُنعت ولمدة إحدى وعشرين ساعة من الذهاب إلى دورة المياه، ثم أعادوني إلى غرفة رقم 11، وأضربت يومين (عن الطعام)، وفي أثناء العدّ لم أقف وبقيت جالسة، فعوقبت على ذلك وحوكمت في المحكمة الداخلية بدفع غرامة قدرها مائتني وخمسين شيكل (قرابة 60 دولاراً)، ومُنعت من الزيارة لمدة شهر، ومن ثم عُزلت لمدة ثمانية أيام، وبعد شهر ونصف الشهر نُقلت إلى غرفة رقم 12 كما أردت، لنُنقل بعدها إلى سجن الرملة والذي تتواجد فيه الجنائيات، ونزعوا منا ملابسنا وكتبنا ومصاحفنا، وقاموا بتقسيمنا دون اختيارنا، وكانوا يخرجونا من الغرف حسب الأرقام الفردية معاً والزوجية معاً، بمعنى أنك لا تستطيع أن تلاقي أصدقاءك ومن تريد اللقاء بهم.

وفي الثاني والعشرين من حزيران (يونيو) أُغمي عليّ ونُقلت على إثر ذلك إلى عيادة السجن ولم أستيقظ، فنُقلت إلى مستشفى الرملة نتيجة التعذيب الشديد، لأستيقظ على نفسي ويداي واحدة بها الإبر وأخرى مربوطة بالأصفاد، وقدماي كذلك، بينما ضابط القسم ومجندة وتسع جنود مدججين بالأسلحة داخل الغرفة، وقُرِّر إجراء تصوير رأسي ومعدي لي، وأجريت لي عدة فحوصات، وفجأة قاموا بوضع الأصفاد في يداي ونزعوا الإبر من يدي، وأعادوني إلى السجن، وإذا بنزيف من الدم يغرق ملابسي، حسبنا الله ونعم الوكيل عليهم.

 

قهر وذل ومهانة

– هل خُضت الإضراب عن الطعام مع السجناء الفترة الماضية؟

يقين سامر: في 18/8/2004 قررنا خوض إضراب إلى جانب إخواننا في السجون، والذي استمر حتى 31/8/2004، ولم نكن نأكل أي شيء، حيث تم تجريد غرفنا من الملح والسكر، مما أدى إلى تدهور حالتي الصحية التي وُصفت بالخطيرة نتيجة إصابتي بالجفاف الكلوي وتعفن معدي وجفاف عام وهبوط في الضغط والوزن و6 فتيات غيري، وقد نقلنا على إثرها إلى العيادة، بالإضافة إلى أنهم صادروا المراوح في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وكانوا يقومون بعملية تفتيش متواصلة وعدة مرات في اليوم لكي ينهكونا، رغم الإعياء الشديد من الإضراب، حتى أننا كنا لا نستطيع الخروج إلى الفورة (فترة فسحة في فناء السجن) لأننا لا نستطيع المشي.

وكانوا داخل العيادة يقومون بأكل الطعام أمامنا حتى يغيظونا، وكان هناك ضابط جاء إليّ وقال لي: لم يبقَ لكِ سوى شهر واحد توقفي (عن الإضراب) حتى تخرجي لأهلك بصحة جيدة، فرفضت ذلك، وقد أنهينا الإضراب بعد اثني عشر يوماً ليحققوا بعدها جزءاً من مطالبنا.

– حدِّثينا عن حال الأسيرات داخل السجون الصهيونية؟

يقين سامر: وضع الأسيرات صعب جداً، فيه قهر وذل ومهانة، وكم من آهات انطلقت “واإسلاماه” من أفواه الصبايا، لعلها تلامس نخوة العرب والمسلمين، والكثيرات منهن ولدن أطفالهن داخل المعتقل، وأخريات لا يرون أطفالهن ولا يستطعن احتضانهم ولو للحظة واحدة. ولو أنَّ الجدران تنطق لشهدت الصرخات، ولشهدت بحال الأخوات في الداخل ومنع الإدارة لهن بإدخال الملابس وبشراء الكانتين التي نقتات منها، ومصادرة المصاحف الشريفة وسرقة أثمن الكتب، وفرض العقوبات من عزل ومنع زيارة الأهل والغرامة المالية، وأحياناً الاعتداء عليهن بالضرب المبرح، وكذلك استخدام سياسة التفتيش العاري التي يتبعونها عند ذهاب الأسيرة وإيابها من المحاكم، ودائماً “الأكمول” (قرص مسكِّن) العلاج الوحيد لكل الأمراض، فهل لصرخات أخواتي اللواتي أخذوا مني روحي وعقلي وتركوني شاردة هائمة ورائهم من آذان؟!.

– هل من ك

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان

غارات إسرائيلية على عدة بلدات جنوب لبنان

بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام تجددت الغارات الإسرائيلية، اليوم الثلاثاء، على عدة بلدات في جنوب لبنان. وشنت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة غارات...