الأحد 12/مايو/2024

عرب «48».. ملف ملغوم فاجأ إسرائيل

عرب «48».. ملف ملغوم فاجأ إسرائيل

صحيفة الوطن القطرية

من المفارقات التي استجدت على ملف الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ذلك التحول من مواقف عرب 48 تجاه الدولة الإسرائيلية، والتسوية المنتظرة لهذا الصراع. ففي كل من الأمرين أصبح عرب 48 عنواناً للرفض أو المقاومة، بما يرشح قضيتهم لأن تكون واحدة من الأزمات المستعصية التي تفجرت بشكل مفاجئ، أو على غير توقع، وخارج حسابات الأطراف المعنية بمسيرة السلام في الشرق الأوسط. وما أعاد قضيتهم إلى صدر الأحداث هو ما أحاط باستقالة عزمي بشارة زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي من الكنيست، ووجوده لأول مرة في المنفى الاختياري، بادئاً مرحلة جديدة من النضال السياسي لاستعادة حقوق عرب الداخل، كما تزامن انفجار قضيته مع الذكرى 59 لقيام دولة “إسرائيل”، حيث تعامل معها عرب 48 على نحو مناقض تماماً لما قامت به الدولة العبرية، وذلك باعتبارها يوماً لنكبتهم، بينما هي بالنسبة للإسرائيليين يوم للاستقلال، وكل ذلك وسط مناخ إسرائيلي يتزايد فيه العداء لعرب 48.

لم تعد صورة عرب الداخل هي التي عرفها العرب على مدى عدة عقود مضت، جماعة من الفلسطينيين الذين ارتضوا العيش تحت الجنسية الإسرائيلية بعد قيام الدولة العبرية، وقبلوا أن يصبحوا «عملاء» لهذه الدولة، مما أخرج قضيتهم من الاهتمامات العربية داخل الصراع العربي ـ الإسرائيلي، ولكن منذ التسعينيات انقلبت الصورة تماماً بشكل ملحوظ، جوهرها رفض غالبية 48 «للأسرلة» وتمسكهم بـ «الفلسطنة»، دفاعاً عن أنفسهم كأقلية عربية في دولة “إسرائيل”، وطرحا من جانبهم لحل سياسي للقضية الفلسطينية ككل، مختلف عن الحل المطروح، سواء من فتح أم بقية الفصائل الفلسطينية، يرفض قيام الدولتين، ويتبنى حل الدولة ثنائية القومية.

ولقد لعبت حركة عزمي بشارة دوراً مؤثراً في هذا التحول بمواقف عرب 48، حيث سعى بدأب شديد وعبر قدرات ذاتية مهمة تتعلق بشخصيته الكاريزمية من جهة، وقدرته الفائقة كزعيم سياسي، وإمكاناته الفكرية كنائب ومثقف مناضل من طراز فريد، سعى إلى أن يجعل من قضية عرب 48 عنواناً لمقاومة سياسية للوجود الإسرائيلي تمثل نقيضاً له، وتعمل على هدم مقولاته النظرية والسياسية المعروفة. رفض الطابع الديني اليهودي للدولة الإسرائيلية، ومن ثم كل المقولات الصهيونية، ودعا إلى دولة تعددية ديمقراطية حقيقية تعترف بوجود قوتين هما العرب الفلسطينيون واليهود، ونجح عبر دورتين في الكنيست في تعرية “إسرائيل” التي تتحدث دائماً عن كونها دولة مدنية علمانية وديمقراطية ليبرالية، بينما هي في الحقيقة دولة دينية عنصرية تباشر كل صور التمييز ضد مواطنيها من عرب الداخل، بمن فيهم الدروز الذين هم أقرب فئات عرب الداخل تعاوناً مع أجهزتها.

لقد عانى عرب 48 من صور شتى للتمييز ليس فقط على صعيد الحرمان من الخدمات أو الحصول على أقل القليل منها، مقارنة بالإسرائيليين الآخرين في بقية القرى والمدن، وإنما على صعيد الهوية الثقافية حيث يتعين عليهم أن يعلموا أولادهم الأدب الإسرائيلي بصنوفه المختلفة وليس الأدب العربي، وكذلك على الصعيد السياسي حيث حاولت السلطات الإسرائيلية مراراً عرقلة وصول حزب التجمع الوطني الديمقراطي إلى الكنيست، وليس خافياً أن أعضاء الحزب داخل الكنيست بمن فيهم بشارة، واجهوا حملات شرسة من مختلف القوى السياسية الإسرائيلية اليمينية أو المتطرفة، وحتى من المنتمية إلى اليسار، لأن فلسفة بشارة وأنصاره قامت على أساس تغيير بنية الدولة الإسرائيلية ذاتها، مما مثل نقيضاً لتوجهات كل القوى الإسرائيلية. إلا أن التطور الذي نقل العلاقة الاستراتيجية بين عرب 48 ودولة “إسرائيل”، هو تنامي شعور عرب الداخل بوضعهم التاريخي القومي.

لقد كانت أزمتهم هي أنهم مطالبون بالحفاظ على جنسيتهم الإسرائيلية، لكي يحافظوا في الوقت نفسه على تمسكهم بالأرض بوصفهم المواطنين الحقيقيين لها، ثم أصبح التمسك بالأرض ليس كافيا في حد ذاته، وإنما يتعين أن يتحول إلى حركة سياسية مناهضة للسياسة الإسرائيلية، تعبر عن الهوية العربية أو القومية لهم، في التوازي مع ذلك تعاملت “إسرائيل” مع قضيتهم من منطلق الاندماج أو الدمج، أي العمل المستمر على تذويب الهوية ليصبحوا مواطنين إسرائيليين يدافعون عن الهوية الدينية، والطبيعة الصهيونية لدولة إسرائيل، مثلهم مثل اليهود، وهو ما عرف بمصطلح «الأسرلة». ولكن حركة عزمي بشارة تصدت لهذا المخطط ونجحت في تشكيل اتجاه قوي ومتسع بين عرب 48 يرفض الدمج، ويتبنى أسلوب الثنائية القومية في دولة واحدة، باعتبار أن ذلك الأسلوب يحقق للجانبين ما يرفعونه من شعارات سياسية، طالما أن عرب 48 يؤمنون بالأساليب الديمقراطية والنضال السلمي المشروع، ويسعون إلى تفعيلها في دولة ترفع شعار الديمقراطية والليبرالية.

رفعت الحركة شعارات المقاومة والتضامن مع إخوانهم الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، بل والتضامن مع القضايا العربية الأخرى، ونقلت الشعارات إلى واقع فكانت هناك صور مختلفة للمقاومة سواء بتحريك المسيرات التي تحمل الأعلام الفلسطينية، كلما حلت ذكرى النكبة أو غيرها من المناسبات الأليمة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو التظاهر ضد الجدار العازل، أو التعبير عن رفض السياسات الإسرائيلية من خلال وسائل الإعلام. وكان الرد الإسرائيلي جاهزاً تمثل في تدمير بعض قرى عرب 48 وإطلاق الرصاص على المتظاهرين، عندما قتلت قوات الأمن الإسرائيلية 13 شاباً من عرب 48 في أكتوبر 2000، من بين من تظاهروا تضامناً مع أشقائهم الفلسطينيين بالأراضي المحتلة في ذكرى عدوان 1967، ناهيك عما لاقاه بشارة وزملاؤه من حملات للتنكيل أمنياً وسياسياً طوال عشر سنوات مضت.

صعود الشعور القومي لدى عرب 48 من خلال ما يطرحونه في مواجهة السياسة الإسرائيلية داخلياً وما يقيمونه من علاقات سياسية مع المحيط العربي الأوسع، جعل منهم أزمة حقيقية لدى الدولة العبرية، بعد أن كانت تعتبرهم من رعاياها المخلصين، ومما زاد من حدة المشكلة بالنسبة لها ارتفاع عدد سكان عرب 48 عاماً بعد الآخر، مما أصبح يشكل تهديداً ديموغرافياً ل”إسرائيل”، فإذا بها أمام ملف متعدد الأبعاد قابل للانفجار في وجهها في أي وقت، الفلسطينيون من عرب 48 انتفضوا ضد «الأسرلة»، ويتحدثون اليوم عن هويتهم العربية وعن تمسكهم بالأرض، ويوسعون نطاق المقاومة من جانبهم ضد “إسرائيل” من النطاق المحلي إلى الإقليمي العربي، وأعدادهم السكانية تتزايد عاماً بعد الآخر.. وهكذا اعتبرهم بنيامين نتانياهو قنبلة ديموغرافية موقوتة، بينما اعتبرهم رئيس الشاباك خطراً استراتيجياً على الدولة العبرية، ولأن هذه الدولة لا تريد أن تتعامل مع قضية 48 من منظور سياسي في ظل وجود طرحين متناقضين للدولة الإسرائيلية، فإنها قررت أن تتعامل مع الملف من منظور أمني فقط، وبذلك اعتبرت كل صور المقاومة التي يباشرها عرب 48، وحركة عزمي بشارة بوجه خاص لوناً من ألوان الإرهاب، كما اعتبرت كل اتصالاتها بالأطراف العربية (المناوئة ل”إسرائيل”) تعاونًا مع «العدو»، وفي ظل ذلك التطور فإن ما تفعله “إسرائيل” اليوم مع غالبية عرب 48 لا يختلف عن تعاملها مع حماس أو أي فصيل فلسطيني معروف للمقاومة، أي أصبحت في مواجهة على جبهتين.. عرب الداخل وفلسطينيي الأراضي المحتلة.

وكانت حرب “إسرائيل” ضد لبنان آخر ساحات المواجهة التي جعلت العلاقة بين الدولة العبرية، وعرب 48 تنتقل من التعايش إلى الصراع السافر، فقد أكدت الحرب وجهة نظر حركة بشارة بأن المقاومة ل”إسرائيل” ممكنة ومجدية، هذا من ناحية، وأن عرب 48 اقتربوا من الملفات الساخنة العربية على نحو غير معهود من قبل من ناحية أخرى، وفي كلتا الحالتين لم تطرح “إسرائيل” إلا الأسلوب الأمني للرد على الشعور القومي المتزايد لعرب 48 بكل ما يحمله هذا الأسلوب من تداعيات، وفتح فصل جديد للصراع بين اليهود والفلسطينيين مستقبلاً..

ومن متابعة تطور مسار المواجهة بين الجانبين، يتضح أن غالبية عرب 48 أصبحت مقتنعة باستحالة تطبيق “إسرائيل” لمبادئ المساواة والعدالة عليهم، كما أصبحت مقتنعة بأن المراهنة على ضغط غربي على الدولة العبرية لإنهاء التمييز الواقع عليهم مراهنة ضعيفة ليس بسبب وجود موقف غربي مسبق ضدهم، وإنما لأن العلاقة بين الشرق والغرب قد اهتزت كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر، ولم يعد هناك فريق كبير في الغرب مستعد لسماع وجهة نظر أقلية عربية كعرب 48، ومن ثم للتعاطف معها.

وإذا كانت الأطراف المعنية بعملية السلام قد بدأت تتحرك في اتجاه البحث عن حل لقضايا الحل النهائي لإغلاق ملف القضية الفلسطينية، فإن مواقف عرب 48 تطرح على الجميع مشكلة حق العودة، فبالنسبة لهم لا يتعين التفاوض مع هذا الملف بأي صورة من الصور، لأنه بالنسبة لهم بوجه خاص يعني مطلباً أساسياً لا يمكن التخلي عنه، حتى لو رأى آخرون إمكانية التفاوض حوله. فهم كما أوضحنا يطالبون بدولة ثنائية القومية، أي للعرب واليهود، ويرفضون كل المحاولات الإسرائيلية لتهجير عرب 48 من مدنهم وقراهم، بل يعتبرون إعادة هؤلاء من الشروط الرئيسية للتعايش العربي ـ اليهودي في البلاد، فكيف لهم أن يقبلوا بعدم عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى “إسرائيل”، وحتى لو عاد هؤلاء إلى الدولة الفلسطينية المنتظرة، فإن ذلك سيؤكد مبدأ وجود دولتين تعيشان جنباً إلى جنب، وهو أمر لا يقبله غالبية عرب 48 من الناحية السياسية، لأنهم يطالبون بدولة واحدة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين..

في ضوء ذلك كله فإن احتمالات تصعيد المواجهة بين غالبية عرب 48 والدولة الإسرائيلية أكبر من احتمالات التهدئة أو الاحتواء، ولا شك أن انفجار هذه العلاقة سيضيف ملفاً جديداً للصراع العربي ـ الإسرائيلي لم يكن في الحسبان.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

شهيد ومصاب برصاص الاحتلال في مخيم بلاطة

نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد شاب وأصيب طفل، صباح الأحد، برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها مخيم بلاطة شرق نابلس. وأفادت مصادر...

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

إصابة 3 مستوطنين بقصف المقاومة عسقلان

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أصيب ثلاثة مستوطنين بجروح - فجر الأحد- جراء سقوط صاروخ أطلقته المقاومة الفلسطينية على عسقلان المحتلة. وقالت هيئة البث...