هل تقتحم إسرائيل الجامعة العربية قريباً؟
صحيفة لأهرام
فاجأني صديق عزيز بتساؤل مثير هل تقتحم “إسرائيل” رواق الجامعة العربية قريباً في ظل التطورات الجارية!؟
قلت له إن السؤال صادم لكن الاحتمال قائم… قال أعطني مزيداً من الإفصاح…
قلت له إن التطورات المتسارعة منذ القمة العربية الأخيرة في الرياض توحي بأن العرب قرروا اتخاذ خطوات غير مسبوقة لتحريك المبادرة العربية التي سبق طرحها عام 2002 في قمة بيروت بعد سنوات من النوم والركود في ظل تجاهل أمريكي ورفض “إسرائيل” للمبادرة.
إن الفضاء العربي يزدحم هذه الأيام بحديث ملغز وملتبس حول إعادة طرح المبادرة وها نحن نسمع منظومة جديدة من الألفاظ مثل تحريك وتفعيل وترويج وتسويق المبادرة ومثل التمسك بالمبادئ الرئيسية للمبادرة استعادة الأرض العربية المحتلة عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والتوصل لحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين مقابل الاعتراف العربي والتطبيع مع “إسرائيل”.
والواضح أن غموضاً لا يزال قائماً حول حقيقة ما تم الاتفاق عليه في كواليس قمة الرياض بهذا الشأن هل تم التمسك فعلاً بالمبادرة كاملة ومبادئها كلها أم تم تعديلها والتخفيف من شروطها بحجة إغراء “إسرائيل” بقبولها وبشعار إعادة التسويق والتفعيل والترويج!
وإذا كان ذلك قد حدث فعلاًً فهل السبب هو الاستجابة للضغط الأمريكي العنيف والرفض الإسرائيلي البات طلباً للتعديل وخصوصاً أن الطرفين رفضا بصورة علنية مبدأ العودة تماماً إلى حدود عام 1967 ومبدأ إعادة اللاجئين الفلسطينيين تطبيقاً لحق العودة!
وبالمقابل فإننا ننام ونصحو على تصريحات علنية خصوصاً من الأمين العام للجامعة العربية ومن وزراء خارجية عرب مهمين مثل وزير الخارجية المصرية ووزير الخارجية السعودية بأنه لا تطبيع مجانياً مع “إسرائيل” ولا تطبيع أصلاً قبل أن تقبل “إسرائيل” المبادرة العربية..
بينما يرد رئيس وزراء “إسرائيل” بأن في المبادرة عناصر إيجابية يمكن ل”إسرائيل” أن تفتح محادثات حولها مع الجامعة العربية وهي مستعدة لأن تبدأ ذلك فوراً.. بل إن الحديث عن قرب استقبال “إسرائيل” لمسئولين عرب غير عاديين صار حديثاً متداولاً بقوة في الدوائر السياسية والإعلامية على أساس أن ذلك هو الطريق الأوحد… مباحثات مباشرة مع دول عربية كانت ممتنعة من قبل فاتحة باباً للتطبيع حتى لو كان ضيقاً في البداية..
لم يعد الخلاف إذن على المبدأ بقدر ما أصبح الخلاف على الشكل ولم يعد الحديث عن حوار “إسرائيل” مع مصر والأردن بحكم إقامة علاقات كاملة معهما ولكن الحديث عن دول مثل السعودية والإمارات العضويين المكملين للرباعية العربية بل إن الطموح الإسرائيلي أصبح يتحدث عن حوار مع الجامعة العربية ذاتها ككيان ممثل لمجموعة الدول العربية ومنظمة إقليمية عربية الطابع والمنشأ والهدف نشطت في مجابهة “إسرائيل” طوال عقود مضت وربما انتهت!!
* * *
ولا يخفي على أحد أن حالة من الغموض المتعمد هي السائدة الآن على الأقل من الجانب العربي الذي لا يفصح عن الحقيقة بل هو يتعمد حجب المعلومات الأساسية ويلجأ من باب التمويه ربما إلى إعادة صياغة العبارات وتلوين الكلمات وطرح صياغات غير محددة المعالم مثل الترويج والتسويق والتفعيل..
وأظن أن الأمر بدأ في التغير والتبدل منذ فترة سابقة لإعادة هيكلة فكرة تفعيل المبادرة العربية بعد أن أصابها الجمود وقد ظهر ذلك واضحاً منذ أن أعلنت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية قبل شهور أن المبادرة العربية لا تحمل أي آلية للعمل والتطبيق وهكذا بدأ التحرك علي أكثر عن طريق عربي وأمريكي وإسرائيلي بحثاً عن الآلية المطلوبة…
ترحيب أمريكي بالمبادرة بعد طول تجاهل بشرط وضع آلية عملية وإعادة طرحها بصورة أكثر إغراء ل”إسرائيل” وترحيب جزئي إسرائيلي بالعناصر الايجابية فيها مع استمرار رفض صارخ لمبدأين من مبادئها ثم حركة عربية على نار هادئة استوت في قمة الرياض التي أفرزت لنا صيغة جديدة هي التمسك بالمبادرة من حيث المبدأ لكن العمل والتحرك العربي الرسمي بدأ لإعادة تسويقها أو إعادة تزويقها بالتخلي عن بعض شروطها!!
فجأة تشكلت الرباعية العربية من مصر والسعودية والإمارات والأردن وفجأة نشطت الدبلوماسية الأمريكية مع هذه الرباعية وسط احتجاجات من دول عربية أخرى علي احتكار هذه الرباعية للتداول حول قضية العرب الصراع العربي الإسرائيلي وفي قلبه القضية الفلسطينية… ومن ثم بدأت محاولات لا تزال جارية لإضافة سورية وفلسطين ولبنان إلي الرباعية العربية باعتبارها دولا لها أرض تحتلها “إسرائيل” لكن المحاولات مازالت عاجزة وقاصرة حتى الآن.
وأظن أن خروج قمة الرياض بقرار تكليف لجنة عربية جديدة هي لجنة مبادرة السلام العربية المشكلة من 13 دولة كان الحل للخلاف حول احتكار الرباعية العربية للأمر برمته وفي حين كلفت هذه اللجنة الموسعة قبل أيام في اجتماعها بمقر الجامعة مصر والأردن ببحث إعادة طرح وترويج المبادرة على “إسرائيل” بحكم العلاقات القائمة فإنها كلفت آخرين من أعضائها بالاتصال بالرباعية الدولية وبأمريكا والأمم المتحدة خصوصاً على أمل الحصول على اعتراف “إسرائيل” بهذه المبادرة إلى جانب مباركة أمريكية أساساً هنا يأتي الإعلان المفاجئ لزيارة العاهل الأردني لإسرائيلي بعد أيام قليلة وفي وعقب تصريحات له مثيرة للجدل مستعيداً زيارة الرئيس السادات قبل نحو ثلاثين عاماً للقدس.
وإلى أن يحدث ذلك فإننا أمام مراوغة حقيقية من جانب كل الأطراف “إسرائيل” تقفز إلى الأمام بخطوة استباقية حين تتحدث عن حوار مباشر مع الجامعة العربية ولجانها وأمريكا تضغط بكل قوتها والعرب منفتحون أكثر من أي وقت مضى لفتح الأبواب والنوافذ بصرف النظر عن إلحاح التصريحات العربية الرسمية القائلة إنه لا تطبيع ولا اتصالات مع “إسرائيل” قبل إعلان موافقتها على المبادرة…
والواضح أن جميع الأطراف دخلت حرب التصريحات العلنية بينما هي دخلت أو توشك أن تدخل حرب المحادثات الخلفية والسرية فكل من يتلقى خدمات وكالات الأنباء والصحف ومواقع الانترنت يقرأ حديثاً فياضاً عن تفكيك الإصرار والعناء العربي السابق وعن المرونة والواقعية الجديدة التي يبديها العرب وعن مشروع إعادة توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم في سورية ولبنان والأردن ومصر والخليج وبلاد الغرب الأوروبي الأمريكي مقابل رصد ميزانية مالية ضخمة قدرت في بعض مصادر الأنباء بنحو مائة مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة لهؤلاء اللاجئين في بلادهم الجديدة وهي ميزانية يقولون إنها بإسهامات دولية لكن العبء الأكبر منها يقع على كاهل الدول النفطية الغنية…
* * *
وبقدر ما تخطت السياسة العربية الرسمية خطوطاً كانت حمراء محظوراً تجاوزها سبق أن أقرتها قرارات عربية دولية بقدر ما وضعت “إسرائيل” خطوطاً حمراء لا تريد أن تتجاوزها خصوصاً فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين وبالجلاء عن كل الأراضي التي احتلتها خلال عدوان 1967 وبالتخلي عن القدس وتفكيك المستوطنات.
هنا تضغط أمريكا بقوة وتبتز الأطراف العربية بعنف لتخفيف الشروط والمحاذير والمحظورات وبقبول الحلول الوسط التي تقبل بها “إسرائيل مثل إلغاء التشدد في حق عودة اللاجئين وفي العودة لحدود 1967.
والضغط الأمريكي الشديد هذا ليس هدفه حلاً شاملاً وعادلاً للصراع العربي الإسرائيلي بقدر ما أن هدفه نقل بؤرة الصراع في المنطقة وتغيير بوصلة العرب من مواجهة “إسرائيل” إلى مواجهة إيران ترويجاً للمقولة التي أصبحت شائعة والتي اقتنعت بها بعض الدول العربية وراح يروجها بشدة فريق المتأمركين والمطبعين العرب وخلاصتها أن الخطر الأكبر علي العرب لم يعد قادماً من “إسرائيل” ولكنه قادم من إيران بمشروعها النووي الطموح!!
الآن في ظل كل هذه التطورات علينا أن نتذكر المشروع القديم الذي طرحه منذ سنوات طويلة شيمون بيريز ونعني مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يبشر بالأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة القائم على تحالف بين المال النفطي العربي والأيدي العاملة العربية الرخيصة والكفاءة العلمية والتكنولوجية الإسرائيلية.
علينا أن نذكر أيضاً أن مبدأ هاماً من مبادئ مشروع بيريز يقوم على توسيع المنظومة الإقليمية لتضم الدول العربية و”إسرائيل” وربما تركيا كبديل لمنظومة الجامعة العربية التي فشلت منذ قيامها عام 1945 في تحقيق أي انجاز سواء في الحرب أو في التنمية أو في الديمقراطية وهذه مقولات لم تعد مقصورة على صاحبها الأصلي بيريز بل صرنا نقرأها ونسمعها من عرب كثيرين!!
أخشى القول إننا ننزلق بنعومة نحو هذه الخطوة دون أن نحسب جيداً المكاسب والخسائر في قضية قومية ومصيرية وهو انزلاق تزوقه وتلونه وتروجه وتسوقه وقائع تجري في الخفاء وسط غياب معلومات حقيقية أمامنا عن طبيعتها وأساليبها وهدفها النهائي برغم مرة أخرى كل التصريحات الحماسية النافية لأي تطبيع أو حوار مع “إسرائيل” دون حل عادل شامل للصراع المزمن.
وحين تغيب المعلومات عن قصد وننزلق خطوة خطوة رغبة في نفض اليد وإبراء الذمة تحت ضغط الخلل في موازين القوى فإننا نجري نحو الانتحار لا نحو السلام!
* * *
* * خير الكلام: يقول المتنبي:
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم بين طعن القنا وخفق البنود
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
أوروبيون لأجل القدس: إسرائيل تستغل حرب غزة لفرض أمر واقع جديد في القدس
المركز الفلسطيني للإعلام قالت مؤسسة "أوروبيون لأجل القدس"، اليوم السبت، إن قوات الاحتلال الإسرائيلي تواصل استغلال حرب الإبادة التي تشنها على قطاع...
نادي الأسير يحذّر من ارتفاع أعداد الشهداء بين معتقلي غزة
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام حذر نادي الأسير الفلسطيني من أن أعداد الشهداء في صفوف معتقلي غزة المحتجزين في معسكرات وسجون الاحتلال...
استشهاد فتى وإصابة آخر برصاص الاحتلال في مخيم عقبة جبر
أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مساء اليوم السبت، الفتى أحمد أشرف وليد حميدات (16 عاماً) وأصيب فتى آخر برصاص الجيش الاسرائيلي خلال اقتحام...
القسام تكشف بعض تفاصيل عملية الأسر في كمين جباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام كشفت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، تفاصيل عملية مخيم جباليا، التي قالت إنها "قتلت وأسرت وأصابت فيها...
للمرة الرابعة.. حزب الله يُسقط الطائرة المسيّرة “هيرمس 900” الإسرائيلية
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان، اليوم السبت، إسقاط طائرة إسرائيلية مسيّرة فوق الأراضي اللبنانية، واعترف جيش...
بفعل العدوان والحصار الإسرائيلي.. انهيار منظومة عيادات الأسنان بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام يتجول المواطن سامي علي في شوارع مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، باحثاً عن عيادة للأسنان، في ظل توقف معظمها عن العمل...
أبو حمزة للاحتلال: وقف الحرب هو الطريق الوحيد لاستعادة أسراكم
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام وجه أبو حمزة الناطق باسم سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، مساء اليوم السبت، رسالة للإسرائيليين، أكد...