عاجل

السبت 01/يونيو/2024

هل تقتحم إسرائيل الجامعة العربية قريباً؟

هل تقتحم إسرائيل الجامعة العربية قريباً؟

صحيفة لأهرام

فاجأني صديق عزيز بتساؤل مثير‏‏ هل تقتحم “إسرائيل” رواق الجامعة العربية قريبا‏ً‏ في ظل التطورات الجارية‏!‏؟

قلت له‏‏ إن السؤال صادم‏‏ لكن الاحتمال قائم‏…‏ قال أعطني مزيداً من الإفصاح‏…‏

قلت له‏‏ إن التطورات المتسارعة‏‏ منذ القمة العربية الأخيرة في الرياض‏‏ توحي بأن العرب قرروا اتخاذ خطوات غير مسبوقة‏‏ لتحريك المبادرة العربية التي سبق طرحها عام ‏2002‏ في قمة بيروت‏‏ بعد سنوات من النوم والركود‏‏ في ظل تجاهل أمريكي ورفض “إسرائيل” للمبادرة‏.‏

إن الفضاء العربي يزدحم هذه الأيام بحديث ملغز وملتبس حول إعادة طرح المبادرة‏‏ وها نحن نسمع منظومة جديدة من الألفاظ‏‏ مثل تحريك وتفعيل وترويج وتسويق المبادرة‏‏ ومثل التمسك بالمبادئ الرئيسية للمبادرة استعادة الأرض العربية المحتلة عام ‏1967‏ وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والتوصل لحل جذري لقضية اللاجئين الفلسطينيين‏‏ مقابل الاعتراف العربي والتطبيع مع “إسرائيل”‏.‏

والواضح أن غموضاً لا يزال قائماً حول حقيقة ما تم الاتفاق عليه في كواليس قمة الرياض بهذا الشأن‏‏ هل تم التمسك فعلاً بالمبادرة كاملة ومبادئها كلها‏‏ أم تم تعديلها والتخفيف من شروطها‏‏ بحجة إغراء “إسرائيل” بقبولها‏‏ وبشعار إعادة التسويق والتفعيل والترويج‏!‏

وإذا كان ذلك قد حدث فعلا‏ًً‏ فهل السبب هو الاستجابة للضغط الأمريكي العنيف والرفض الإسرائيلي البات‏‏ طلباً للتعديل‏‏ وخصوصاً أن الطرفين رفضا بصورة علنية مبدأ العودة تماماً إلى حدود عام ‏1967‏ ومبدأ إعادة اللاجئين الفلسطينيين تطبيقاً لحق العودة‏!‏

وبالمقابل فإننا ننام ونصحو على تصريحات علنية‏‏ خصوصاً من الأمين العام للجامعة العربية‏‏ ومن وزراء خارجية عرب مهمين مثل وزير الخارجية المصرية ووزير الخارجية السعودية‏‏ بأنه لا تطبيع مجانياً مع “إسرائيل”‏‏ ولا تطبيع أصلاً قبل أن تقبل “إسرائيل” المبادرة العربية‏..‏

بينما يرد رئيس وزراء “إسرائيل”‏‏ بأن في المبادرة عناصر إيجابية‏‏ يمكن ل”إسرائيل” أن تفتح محادثات حولها مع الجامعة العربية‏‏ وهي مستعدة لأن تبدأ ذلك فوراً‏..‏ بل إن الحديث عن قرب استقبال “إسرائيل” لمسئولين عرب غير عاديين‏‏ صار حديثاً متداولاً بقوة في الدوائر السياسية والإعلامية‏‏ على أساس أن ذلك هو الطريق الأوحد‏…‏ مباحثات مباشرة مع دول عربية كانت ممتنعة من قبل‏‏ فاتحة باباً للتطبيع حتى لو كان ضيقاً في البداية‏..‏

لم يعد الخلاف إذن على المبدأ‏‏ بقدر ما أصبح الخلاف على الشكل‏‏ ولم يعد الحديث عن حوار “إسرائيل” مع مصر والأردن بحكم إقامة علاقات كاملة معهما‏‏ ولكن الحديث عن دول مثل السعودية والإمارات‏‏ العضويين المكملين للرباعية العربية‏‏ بل إن الطموح الإسرائيلي أصبح يتحدث عن حوار مع الجامعة العربية ذاتها ككيان ممثل لمجموعة الدول العربية‏‏ ومنظمة إقليمية عربية الطابع والمنشأ والهدف‏‏ نشطت في مجابهة “إسرائيل” طوال عقود مضت وربما انتهت‏!!‏

*     *     *‏

ولا يخفي على أحد أن حالة من الغموض المتعمد‏‏ هي السائدة الآن‏‏ على الأقل من الجانب العربي‏‏ الذي لا يفصح عن الحقيقة‏‏ بل هو يتعمد حجب المعلومات الأساسية‏‏ ويلجأ من باب التمويه ربما‏‏ إلى إعادة صياغة العبارات وتلوين الكلمات وطرح صياغات غير محددة المعالم‏‏ مثل الترويج والتسويق والتفعيل‏..‏

وأظن أن الأمر بدأ في التغير والتبدل‏‏ منذ فترة سابقة‏‏ لإعادة هيكلة فكرة تفعيل المبادرة العربية بعد أن أصابها الجمود‏‏ وقد ظهر ذلك واضحاً منذ أن أعلنت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية‏‏ قبل شهور‏‏ أن المبادرة العربية لا تحمل أي آلية للعمل والتطبيق‏‏ وهكذا بدأ التحرك علي أكثر عن طريق عربي وأمريكي وإسرائيلي‏‏ بحثاً عن الآلية المطلوبة‏…‏

ترحيب أمريكي بالمبادرة‏‏ بعد طول تجاهل‏‏ بشرط وضع آلية عملية‏‏ وإعادة طرحها بصورة أكثر إغراء ل”إسرائيل”‏‏ وترحيب جزئي إسرائيلي بالعناصر الايجابية فيها مع استمرار رفض صارخ لمبدأين من مبادئها‏‏ ثم حركة عربية على نار هادئة‏‏ استوت في قمة الرياض‏‏ التي أفرزت لنا صيغة جديدة‏‏ هي التمسك بالمبادرة من حيث المبدأ‏‏ لكن العمل والتحرك العربي الرسمي بدأ لإعادة تسويقها أو إعادة تزويقها‏‏ بالتخلي عن بعض شروطها‏!!‏

فجأة تشكلت الرباعية العربية‏‏ من مصر والسعودية والإمارات والأردن‏‏ وفجأة نشطت الدبلوماسية الأمريكية مع هذه الرباعية‏‏ وسط احتجاجات من دول عربية أخرى علي احتكار هذه الرباعية للتداول حول قضية العرب‏‏ الصراع العربي الإسرائيلي‏‏ وفي قلبه القضية الفلسطينية‏… ومن ثم بدأت محاولات‏‏ لا تزال جارية‏‏ لإضافة سورية وفلسطين ولبنان‏‏ إلي الرباعية العربية‏‏ باعتبارها دولا لها أرض تحتلها “إسرائيل”‏‏ لكن المحاولات مازالت عاجزة وقاصرة حتى الآن‏.‏

وأظن أن خروج قمة الرياض بقرار تكليف لجنة عربية جديدة هي لجنة مبادرة السلام العربية المشكلة من ‏13‏ دولة‏‏ كان الحل للخلاف حول احتكار الرباعية العربية للأمر برمته‏‏ وفي حين كلفت هذه اللجنة الموسعة قبل أيام في اجتماعها بمقر الجامعة‏‏ مصر والأردن ببحث إعادة طرح وترويج المبادرة على “إسرائيل”‏‏ بحكم العلاقات القائمة‏‏ فإنها كلفت آخرين من أعضائها بالاتصال بالرباعية الدولية وبأمريكا والأمم المتحدة خصوصاً‏‏ على أمل الحصول على اعتراف “إسرائيل” بهذه المبادرة إلى جانب مباركة أمريكية أساسا‏ً‏ هنا يأتي الإعلان المفاجئ لزيارة العاهل الأردني لإسرائيلي بعد أيام قليلة‏‏ وفي وعقب تصريحات له مثيرة للجدل‏‏ مستعيداً زيارة الرئيس السادات قبل نحو ثلاثين عاماً للقدس‏.

وإلى أن يحدث ذلك‏‏ فإننا أمام مراوغة حقيقية من جانب كل الأطراف‏‏ “إسرائيل” تقفز إلى الأمام بخطوة استباقية‏‏ حين تتحدث عن حوار مباشر مع الجامعة العربية ولجانها‏‏ وأمريكا تضغط بكل قوتها‏‏ والعرب منفتحون أكثر من أي وقت مضى لفتح الأبواب والنوافذ‏‏ بصرف النظر عن إلحاح التصريحات العربية الرسمية‏‏ القائلة إنه لا تطبيع ولا اتصالات مع “إسرائيل‏”‏ قبل إعلان موافقتها على المبادرة‏…‏

والواضح أن جميع الأطراف دخلت حرب التصريحات العلنية‏‏ بينما هي دخلت أو توشك أن تدخل‏‏ حرب المحادثات الخلفية والسرية‏‏ فكل من يتلقى خدمات وكالات الأنباء والصحف ومواقع الانترنت‏‏ يقرأ حديثاً فياضاً عن تفكيك الإصرار والعناء العربي السابق‏‏ وعن المرونة والواقعية الجديدة التي يبديها العرب‏‏ وعن مشروع إعادة توطين ملايين اللاجئين الفلسطينيين حيث هم‏‏ في سورية ولبنان والأردن ومصر والخليج وبلاد الغرب الأوروبي الأمريكي‏‏ مقابل رصد ميزانية مالية ضخمة قدرت في بعض مصادر الأنباء بنحو مائة مليار دولار لإقامة مشروعات جديدة لهؤلاء اللاجئين في بلادهم الجديدة‏‏ وهي ميزانية يقولون إنها بإسهامات دولية‏‏ لكن العبء الأكبر منها يقع على كاهل الدول النفطية الغنية‏…‏

*     *     *‏

وبقدر ما تخطت السياسة العربية الرسمية‏‏ خطوطاً كانت حمراء محظوراً تجاوزها‏‏ سبق أن أقرتها قرارات عربية دولية‏‏ بقدر ما وضعت “إسرائيل” خطوطاً حمراء لا تريد أن تتجاوزها‏‏ خصوصاً فيما يتعلق بحق عودة اللاجئين‏‏ وبالجلاء عن كل الأراضي التي احتلتها‏‏ خلال عدوان ‏1967‏ وبالتخلي عن القدس وتفكيك المستوطنات‏.

هنا تضغط أمريكا بقوة وتبتز الأطراف العربية بعنف‏‏ لتخفيف الشروط والمحاذير والمحظورات وبقبول الحلول الوسط‏‏ التي تقبل بها “إسرائيل‏‏ مثل إلغاء التشدد في حق عودة اللاجئين وفي العودة لحدود ‏1967.

والضغط الأمريكي الشديد هذا‏‏ ليس هدفه حلاً شاملاً وعادلاً للصراع العربي الإسرائيلي‏‏ بقدر ما أن هدفه نقل بؤرة الصراع في المنطقة‏‏ وتغيير بوصلة العرب‏‏ من مواجهة “إسرائيل”‏‏ إلى مواجهة إيران‏‏ ترويجاً للمقولة التي أصبحت شائعة‏‏ والتي اقتنعت بها بعض الدول العربية‏‏ وراح يروجها بشدة فريق المتأمركين والمطبعين العرب‏‏ وخلاصتها أن الخطر الأكبر علي العرب‏‏ لم يعد قادماً من “إسرائيل” ولكنه قادم من إيران بمشروعها النووي الطموح‏!!‏

الآن‏‏ في ظل كل هذه التطورات‏‏ علينا أن نتذكر المشروع القديم الذي طرحه منذ سنوات طويلة‏‏ شيمون بيريز‏‏ ونعني مشروع الشرق الأوسط الجديد‏‏ الذي يبشر بالأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة‏‏ القائم على تحالف بين المال النفطي العربي‏‏ والأيدي العاملة العربية الرخيصة‏‏ والكفاءة العلمية والتكنولوجية الإسرائيلية‏.‏

علينا أن نذكر أيضاً أن مبدأ هاماً من مبادئ مشروع بيريز‏‏ يقوم على توسيع المنظومة الإقليمية‏‏ لتضم الدول العربية و”إسرائيل” وربما تركيا‏‏ كبديل لمنظومة الجامعة العربية‏‏ التي فشلت منذ قيامها عام‏ 1945‏ في تحقيق أي انجاز‏‏ سواء في الحرب أو في التنمية أو في الديمقراطية‏‏ وهذه مقولات لم تعد مقصورة على صاحبها الأصلي بيريز بل صرنا نقرأها ونسمعها من عرب كثيرين‏!!‏

أخشى القول إننا ننزلق بنعومة نحو هذه الخطوة‏‏ دون أن نحسب جيداً المكاسب والخسائر‏‏ في قضية قومية ومصيرية‏‏ وهو انزلاق تزوقه وتلونه وتروجه وتسوقه وقائع تجري في الخفاء‏‏ وسط غياب معلومات حقيقية أمامنا عن طبيعتها وأساليبها وهدفها النهائي‏‏ برغم مرة أخرى كل التصريحات الحماسية النافية لأي تطبيع أو حوار مع “إسرائيل”‏‏ دون حل عادل شامل للصراع المزمن‏.‏

وحين تغيب المعلومات عن قصد‏‏ وننزلق خطوة خطوة‏‏ رغبة في نفض اليد وإبراء الذمة‏‏ تحت ضغط الخلل في موازين القوى‏‏ فإننا نجري نحو الانتحار‏‏ لا نحو السلام‏!‏

*     *     *‏

‏* *‏ خير الكلام‏:‏ يقول المتنبي‏:‏

عش عزيزاً أو مت وأنت كريم         بين طعن القنا وخفق البنود

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات