الأحد 12/مايو/2024

إحياء اللجنة الرباعية

إحياء اللجنة الرباعية

صحيفة الخليج الإماراتية

الآن وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية بين فتح وحماس، أصبح من الضروري إحياء اللجنة الرباعية المختصة بالشرق الأوسط، والمؤلفة من الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة، والولايات المتحدة. كانت اللجنة الرباعية، في الواقع الفعلي، في سبات منذ العام 2000، لأن الشروع في أي عملية سلمية يتطلب المفاوضات بين الأطراف المتنازعة.

إلا أن المنطقة شهدت بدلاً من ذلك سياسة قائمة على خطوات أحادية. وقد يُنْظَر إلى بعض الإجراءات التي اتخذت في ظل هذه السياسة – مثل انسحاب “إسرائيل” الأحادي من قطاع غزة في العام 2005، أو وقف إطلاق النار الذي دام لمدة عام من جانب حماس – باعتبارها خطوات إيجابية بناءة. ولكن على الرغم من أن الأهداف التي حركت هذه الخطوات كانت إيجابية، إلا أنها اتخذت دون استشارة الجانب الآخر، فأكدت بالتالي مفهوم عدم وجود شريك.

فبحلول صيف العام 2006، ومع اندلاع الحرب على لبنان وإعادة احتلال قطاع غزة من جانب “إسرائيل”، بات فشل السياسات الأحادية جلياً واضحاً. واليوم أصبحنا ندرك أن العملية السياسية التي تأخذ في الحسبان المصالح الوطنية المشروعة لكافة الأطراف تشكل السبيل الوحيد القادر على تقليص احتمالات تجدد الصراع العنيف في الشرق الأوسط.

يتطلب الأمر اتخاذ أربع خطوات قبل الشروع في مثل هذه العملية. ولقد تم بالفعل اتخاذ الخطوة الأولى التي تتلخص في إحياء اللجنة الرباعية. فما زالت اللجنة الرباعية تشكل الصيغة الأكثر انسجاماً مع الموقف في الشرق الأوسط، فهي تجمع بين الأفكار الأوروبية وتخدم تحت مظلة شرعية الأمم المتحدة وزعامة الولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك فإنها تشرك روسيا وتتضمن عدداً قليلاً من المشاركين، الأمر الذي يسمح لها باتخاذ القرار السريع إذا لزم الأمر.

ولكن بعيداً عن مسألة إحيائها، يتعين على اللجنة الرباعية أيضاً أن توسع من نطاق صلاحياتها بحيث لا تقتصر على المشكلة الفلسطينية “الإسرائيلية” فحسب، بل وتتعدى ذلك إلى الصراع “الإسرائيلي” – السوري، والصراع “الإسرائيلي” – اللبناني. ولا ينبغي لهذا أن يمنع المبادرات الفردية من جانب إدارة الولايات المتحدة فيما يتصل بالساحة الفلسطينية –”الإسرائيلية” إلا أن رفض الولايات المتحدة الحالي للتفاوض بصورة مباشرة مع سورية، أو تشجيع “إسرائيل” على الدخول في محادثات مع سورية، يحول دون توسيع نطاق صلاحيات اللجنة الرباعية. إننا لا نستطيع أن نتجاهل سورية، نظراً لقدرتها على تقويض المحاولات الرامية إلى التوصل إلى مسار سلمي بين “إسرائيل” والفلسطينيين أو ترسيخ الاستقرار في لبنان. والحقيقة أن سلوك سورية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوقعاتها فيما يتصل باسترداد أراضيها المحتلة مرتفعات الجولان وهي راغبة بطبيعة الحال في الدخول في عملية سلمية جديدة مع “إسرائيل” سعياً إلى تحقيق هذا الهدف الوطني.

ثانياً، لابد من إعداد “خريطة هدف” لكي تحل محل “خارطة الطريق” العتيقة التي اعتمدتها اللجنة الرباعية، ولابد وأن تنص الخريطة الجديدة على المصالح المشروعة لكافة أطراف النزاع. وهذه المصالح ليست مشتركة بين كافة الأطراف بطبيعة الحال، ويمكن تلخيصها كالتالي: أمن “إسرائيل”، وإنشاء الدولة الفلسطينية، وتحقيق السيادة اللبنانية، واسترداد سورية لأراضيها المحتلة. ويتعين على اللجنة الرباعية أن تتشاور مع كل الأطراف وأن تتعاون معها في تفسير هذه المصالح وتحديدها. ماذا يعني أمن “إسرائيل” وماذا يتطلب؟ وكيف تتمكن الدولة الفلسطينية من البقاء والاستمرار؟ وما هي الضمانات المطلوبة لحماية السيادة اللبنانية؟

ثالثاً، لابد من العودة إلى الحوار من جديد. قد تكون هذه هي أشد المهام صعوبة، وهي تقع ضمن مسؤوليات الأوروبيين بصورة أساسية. ومرة أخرى نؤكد أن العلاقة بين سورية و”إسرائيل” تشكل أهمية حاسمة في هذا السياق. ولابد من إقناع الحكومة “الإسرائيلية” بأن استئناف محادثات السلام قد يؤدي إلى سلوك أكثر إيجابية من جانب سورية فيما يتصل بلبنان والصراع الفلسطيني – “الإسرائيلي”.

لقد أدركت الحكومة السورية ذاتها ضرورة إبداء استعدادها للحوار، فعرضت على “إسرائيل” المفاوضات غير المشروطة، واستقبلت الرئيسين العراقي والفلسطيني في دمشق، ودعمت المحادثات بين الأطراف الفلسطينية.

وفي لبنان ما زال الحوار الداخلي الجاد بشأن مستقبل البلاد معطلاً. وتستطيع الجهات الخارجية الفاعلة، مثل الاتحاد الأوروبي، أو الدول الأوروبية على المستوى الفردي أن تعرض دعمها وأن تعمل على تيسير المحادثات بشأن الإصلاحات السياسية والمؤسسية. ويتعين على الدول الأوروبية أيضاً أن تؤكد بوضوح أن أي اتفاق إقليمي لا ينبغي أن يتم على حساب السيادة اللبنانية.

أما فيما يتصل بالفلسطينيين فإن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية من شأنه أن يمكن الاتحاد الأوروبي وشركاه من استئناف التعاون مع السلطات الفلسطينية دون فقدان ماء الوجه. واستناداً إلى الاتفاق الذي تم بين فتح وحماس تحت رعاية المملكة العربية السعودية، فإن حكومة الوحدة الوطنية الحالية تفي بمطلب مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتلخص في أن تتبنى حكومة فلسطينية شرعية برنامج عمل يعكس المبادئ التي تعمل اللجنة الرباعية وقفاً لها. وطبقاً لبرنامجها المعلن فإن الحكومة الجديدة سوف تحترم كافة الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية. وهذا يعني صمناً الاعتراف ب”إسرائيل” والامتناع عن أعمال الإرهاب والعمل على مكافحته.

أما الخطوة الرابعة، ولو أنها لازمة في المستقبل، فهي تتلخص في عقد مؤتمر دولي حيث تتبنى كافة الأطراف المعنية “خريطة الهدف”، وتبدأ في محادثات ثنائية موازية على هذا الأساس. وهذا من شأنه أن يعزز من مصلحة القوى الفاعلة في الوصول بالعملية بالكامل إلى نتيجة ناجحة. إن الإعداد الدقيق لمثل هذا المؤتمر أشد أهمية من التعجيل بعقده، وذلك لأن المبادرات من جانب الدول على المستوى الفردي قد تؤدي إلى تقويض جهود الاتحاد الأوروبي واللجنة الرباعية.

في ظل هذه الظروف، يستطيع الأوروبيون وبقية أعضاء اللجنة الرباعية مساعدة بوش في ترك تراث أكثر إرضاءً فيما يتصل بالشرق الأوسط. إلا أن الاتحاد الأوروبي ينبغي له ألا يسمح لغياب الدعم من جانب الولايات المتحدة أو “إسرائيل” بتقويض جهوده الرامية إلى رسم “خريطة الهدف” على النحو المقبول لدى كافة الأطراف الإقليمية، أو التقصير في المحاولات الرامية إلى دفع سورية نحو مسار أكثر إيجابية من خلال إشراكها في هذه الجهود.

* رئيس مجلس إدارة ومدير

* المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين.

* والمقال ينشر بترتيب مع “بروجيكت سنديكيت”

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

مواجهات عقب هجوم للمستوطنين جنوب نابلس

نابلس – المركز الفلسطيني للإعلام اندلعت مساء اليوم الاحد، مواجهات بين المواطنين والمستوطنين وقوات الاحتلال في بلدة قصرة جنوب شرق نابلس....