عاجل

الإثنين 13/مايو/2024

قبل أن يبدأ التفاوض

قبل أن يبدأ التفاوض

صحيفة الخليج الإماراتية

لم تكد القمة العربية التاسعة عشرة التي عقدت في الرياض مؤخراً تؤكد على المبادرة العربية للسلام التي أقرتها في قمة بيروت في العام 2002، حتى بادرت الحكومة الصهيونية على لسان رئيس وزرائها إيهود أولمرت، إلى الدعوة لمؤتمر قمة عربي – “إسرائيلي” لبحث أفكار السلام الجديدة، مؤكدا أن لديه مفاجآت. ولم تذهب دعوة أولمرت سدى فكل المعطيات تشير إلى أن هناك اتجاهاً واضحاً للتفاوض مع الحكومة العبرية عن طريق لجنة، تمخضت عن القمة، وأخذت على عاتقها شرح المبادرة العربية، للعالم والحكومة الصهيونية أيضاً، الأمر الذي يعني أن المفاوضات باتت قاب قوسين أو أدنى.

وتؤكد الولايات المتحدة هذا الكلام على لسان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية شون ماكورماك حين قال “إن الجامعة العربية قررت تشكيل لجان وإرسالها إلى عدد من الدول في المنطقة لشرح مضمون المبادرة للجنة الرباعية ودول وجهات أخرى أيضاً قد تشمل “إسرائيل”. ونعتقد أن أساس المبادرة إيجابي إذ لا بد من التواصل بين “إسرائيل” والشركاء العرب المحتملين”، وقد بدأت هذه الاحتمالات تتأكد خاصة أن أولمرت بدأ يعطي إشارات هو الآخر، تنم عن استعداده لمناقشة المبادرة، بعد أن رفضها جملة وتفصيلاً رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، فور الإعلان عنها، مشيراً إلى أن المبادرة والقرارات لا تساوي الحبر الذي كتبت به.

يبدو أن الحكومة العبرية بدأت تناور مجدداً، ففي آخر تصريح له أعرب أولمرت عن استعداد حكومته لمساعدة الفلسطينيين على إقامة دولة مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع الكيان، ولا تحل محلها. جاء ذلك في كلمته بملتقى يهودي بالقدس المحتلة قبل أيام، وقال إن هناك علامات تفيد بأن العام المقبل سيشهد انفراجة على طريق حل النزاعات بين “إسرائيل” وجيرانها العرب خاصة الفلسطينيين، من دون أن يفصح عن تلك العلامات، ولكنها في كل الأحوال مرتبطة بالمبادرة العربية، التي قال عنها الملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، بأنها “تعبر عن الإرادة العربية الجماعية لبناء السلام الذي يضع حداً لسنوات طويلة من العنف والمعاناة”.

وفي نفس السياق ذكرت صحيفة “هآرتس” في افتتاحية العدد الصادر يوم 16 أبريل لهذا العام بأن المبادرة العربية فرصة ذهبية ل”إسرائيل” وتقول إن مبادئ هذه الفرصة يمكن أن تتحقق بإعلان “إسرائيلي” بقبول المبادرة العربية بشكل مبدئي من دون شروط مسبقة من الطرفين. ويجب أن يرافق الاستعداد “الإسرائيلي” والعربي لفتح صفحة “دبلوماسية” جديدة تغيير فوري وملموس في “واقع الاحتلال”. وتقول الصحيفة إن العلاقات بين العرب و”إسرائيل” قد تقف على مفترق طرق تاريخي، حينما تطلب لجنة المتابعة العربية في الأيام القريبة التباحث مع الحكومة “الإسرائيلية” حول المبادرة العربية، مشيرة إلى أن الحديث يدور هذه المرة عن تطبيق وليس عن إعلان نوايا. وحذرت افتتاحية “هآرتس” من أنه سيكون من الخطأ الاعتقاد أن الدول العربية تنوي التفاوض مع “إسرائيل” بالنيابة عن سوريا ولبنان والفلسطينيين. والموضوع ليس بدء مفاوضات بين “إسرائيل” والجامعة العربية أو جزء من دول الرباعية العربية حول ترتيبات تحالف متبادلة. هدف المبادرة والجهود العربية هو اختراق الآفاق السياسية الموصدة من أجل فسح المجال لمفاوضات تفصيلية مع الدول الشريكة في الصراع.

ومن الواضح أن صحيفة “هآرتس” لا تنطق عن الهوى، وإنما يوحى إليها من الحكومة الصهيونية، لأن اللغة المستخدمة في الافتتاحية هي لغة مضللة وزئبقية، ولأنها أيضاً تشير إلى مفاوضات ثنائية وليست جماعية، أي العودة إلى كلمة البدء في المفاوضات السابقة.

ورغم كل ذلك، على الدول العربية قبل أن تبدأ مفاوضاتها المباشرة والعلنية أن تضع في اعتباراتها الحقائق التالية:

أولاً: إن الحل الذي ستتوصل إليه الدول العربية (إذا ما تم) سيكون حلاً نهائياً ومصيرياً، ولهذا، على كل من يتحدث أو يفاوض أن يتحمل مسؤوليته التاريخية أولاً وأخيراً.

ثانياً: أن يضع المفاوض العربي أمام عينيه، فرضية أن الحكومة “الإسرائيلية” لا تطمح إلى تحقيق سلام حقيقي وعادل مع الفلسطينيين، وتفضل هذه الحكومة أن توقع اتفاقيات سلام مع كل العواصم العربية أولاً، حتى تتصرف بحرية مع الفلسطينيين.

ثالثاً: على المفاوض العربي أن يدرك بأن العقلية الصهيونية هي عقلية تحايلية تلعب على عامل الوقت، إذ قد تستمر المفاوضات سنوات عديدة، وقد يقوم خلالها الجيش الصهيوني باقتحامات واحتلالات وبناء جدران عنصرية وأسر العديد من الشخصيات وأفراد الشعب الفلسطيني، وقد يقصف هنا ويدمر هناك، ولذلك، فإن المفاوضات حين تبدأ، يجب أن تبدأ بناء على وقف جميع العمليات العسكرية الصهيونية في الأراضي الفلسطينية والانسحاب منها أيضاً تعبيراً عن حسن النوايا.

رابعاً: الدخول إلى المفاوضات بشروط وبفترة زمنية، أي أن المفاوضات لها وقت محدد لتقف عنده، وأن تضع بدائل قابلة للتنفيذ في حال فشلت المفاوضات، كأن تقوم مصر والأردن وقطر والمغرب وتونس وموريتانيا وغيرها من البلدان التي تقيم علاقات دبلوماسية أو تستضيف مكاتب تجارية صهيونية، بطرد السفراء والممثلين التجاريين وكل شخص له صفة رسمية صهيونية.

خامساً: بما أن المبادرة العربية جماعية وكل العرب متفقون عليها، يجب أن تكون هي الأساس، وأن يتم إلغاء كل الاتفاقيات السابقة التي تم توقيعها بين بعض الدول العربية والكيان، فالموقف العربي يجب أن يكون رزمة واحدة لا تتجزأ.

سادساً: أن تهدد الدول العربية بأن المبادرة هي الفرصة الأخيرة للسلام، وإذا فشلت ستتبع وسائل أخرى، ولن يكون السلام هو الإستراتيجية الوحيدة.

سابعاً: ألا تقبل بمناطق منزوعة السلاح، كأن تصبح الجولان على سبيل المثال تحت إدارة دولية.

ثامناً: وهذه النقطة هي الأهم، أن يكون التفاوض على أساس إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وغير مرتبطة بالحكومة الصهيونية بأي رابط كان.

إن الحزم ضرورة ملحة في المرحلة القادمة، رغم إيماننا العميق بأن الحكومة الصهيونية تم زرعها في قلب الوطن العربي ليس كي تعيش بسلام، وإنما لتكون العامل الرئيسي في نشر الفوضى، وعرقلة التنمية، وقضم الأراضي، وأن تبقى المنطقة كلها في حالة توتر، وسوقاً استهلاكية للمنتجات الغربية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات