عاجل

السبت 01/يونيو/2024

خبراء إسرائيليون يحذِّرون من فقدان الأغلبية اليهودية في القدس

خبراء إسرائيليون يحذِّرون من فقدان الأغلبية اليهودية في القدس

تستعد إسرائيل في هذه الأيام للاحتفال قريباً بما تسميه “يوم القدس”، وهو اليوم الذي ضمت فيه إليها، “رسمياً وقانونياً”، الشطر الشرقي (العربي) من مدينة القدس الذي احتلته مع ما تبقى من مساحة فلسطين التاريخية، في الضفة الغربية وقطاع غزة، قبل نحو أربعين عاماً خلت، في حرب حزيران 1967.

هذه المناسبة، التي جعلتها الدولة الإسرائيلية منذ ذلك الحين “عيداً وطنياً” يحتفل به الإسرائيليون سنوياً (حسب التقويم العبري، في موعد قريب من أواخر أيار من كل سنة)، شكلت على الدوام فرصة تغتنمها بعض الأوساط الإسرائيلية اليهودية، السياسية والأكاديمية والإعلامية وغيرها، للتقييم والمراجعة، وغالباً وسط إطلاق صيحات التحذير والإنذار، إزاء ما تصفه بـ “الأوضاع والمؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية المقلقة” و”الخطر الذي يتهدد استقرار الأغلبية اليهودية” في مدينة القدس.

في هذا السياق عقد مؤخراً معهد أبحاث إسرائيلي [“معهد القدس للدراسات الإسرائيلية”] مختص بوضع وإعداد دراسات وتصورات وبدائل إستراتيجية حول وضع مدينة القدس، والتي ترفع عادة للمستويات العليا النافذة في صنع القرارات السياسية والأمنية في إسرائيل للاسترشاد بها في التخطيط واتخاذ القرارات المتعلقة بالمدينة، مؤتمراً “بمناسبة مرور أربعين عاماً على توحيد القدس” تحت عنوان “سكان القدس… إلى أين؟” عُرِضَت خلاله سلسلة تقارير وأوراق وتحليلات انصبت في معظمها على عرض معطيات وسيرورات وتوقعات ديمغرافية، آنية وإستراتيجية- مستقبلية، تتعلق بمدينة القدس (الموسعة) بشطريها الغربي والشرقي، وذلك في ضوء ما وصفه القائمون على هذا المعهد ذي الميول اليمينية، “عَجْز الحكومة الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالاستثمار في تعزيز الأغلبية اليهودية في القدس كجزء من سياستها المعلنة”.

وقد أُستهل المؤتمر، الذي شاركت فيه مجموعة من كبار الخبراء والباحثين في المعهد، بينهم  د. يسرائيل كمحي (مدير عام سابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية)، والبروفيسور سرجيو ديلا فرغولا، د. مايا حوشن، د. هيلل كوهين، د. يعقوب لوبو وأمنون رامون، بعرض معطيات ديمغرافية حديثة، مُهِّدَ لها سلفاً باستخلاص “يدق ناقوس الخطر” مؤداه أن وتيرة نمو السكان العرب في القدس تفوق مرتين وتيرة نمو السكان اليهود في المدينة (…).  

خلفية تمهيدية موجزة

قبل الاستطراد في عرض ملخص التقارير والتحليلات التي استعرضها باحثو وخبراء هذا المعهد الإسرائيلي في مؤتمره الأخير (في 22 شباط الماضي)، قد يكون من المفيد والضروري بادئ ذي بدء التذكير بخلفية وطبيعة أهداف وسياسات ومخططات الضم والتهويد التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة حيال الشطر الشرقي (القدس الشرقية) وسكانه الفلسطينيين، منذ احتلاله في العام 1967.

في 28 حزيران 1967، وبعد 18 يوماً فقط من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وضعت الحكومة الإسرائيلية بقيادة “المعراخ” (حزب “العمل” لاحقا) اللبنة الأولى في السيطرة على مدينة القدس “العربية” تمهيداً لتهويدها. ففي ذلك اليوم أصدرت الحكومة مرسوماً يستند إلى قانون أنظمة السلطة والقضاء لسنة 1948، يسري بموجبه “قانون الدولة- الإسرائيلية- وقضاؤها وإدارتها” على مساحة تبلغ حوالي 70 ألف دونم تضم بلدة القدس القديمة والمناطق المحيطة بها وتمتد من صور باهر جنوباً وحتى مطار قلنديا وكفر عقب شمالاً. وفي نفس الفترة أصدر وزير الداخلية الإسرائيلي إعلاناً في الجريدة الرسمية بإلحاق منطقة القدس الموسعة بمنطقة صلاحية (متروبولين) مجلس بلدية القدس الغربية (اليهودي). وبذلك زادت منطقة السلطة البلدية بثلاثة أضعاف وأصبحت تعادل 20% من مجموع مساحة الضفة الغربية، علماً أن الأراضي التي ضمت حديثاً (بموجب المرسوم الإسرائيلي ذاته) تعادل 14% من هذه المساحة.

وفي 18 آب 1967 قررت الحكومة الإسرائيلية تفويض رئيسها بتسريع عمليات البناء والاستيطان في “القدس الكبرى”. ومنذ ذلك الحين تبنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة سياسة منهجية ثابتة حيال القدس، تجسدت في تكريس السيطرة اليهودية على المدينة ومنطقتها وتعزيز ما وصف بـ “وحدتها المادية”. هذه السياسة كانت ولا تزال تهدف بوضوح إلى “الحؤول دون إعادة تقسيم القدس لاحقاً” وهو ما شكل ركناً وطيداً في ما يسمى بـ “الإجماع القومي” الصهيوني.

سياسة التهويد هذه ترجمت من خلال جملة من الإجراءات والقرارات والخطط التي اعتمدتها الحكومات الإسرائيلية طوال العقود الأربعة الأخيرة، وتجّسدت في تنفيذ العديد من المشاريع والخطط الاستيطانية المكثفة داخل القدس وفي محيطها وفي الاستيلاء على الأراضي والعقارات الفلسطينية، الخاصة والوقفية، وتقييد البناء العربي على أراضي المدينة بشروط صارمة أصبحت اليوم أقرب إلى التعجيز، وتمزيق أوصال ومنع التواصل بين الأحياء العربية.

الخطة الاستيطانية الأولى في القدس، التي بلورها يهودا تامير، نائب المدير العام لوزارة الإسكان في ذلك الوقت، بعد عام واحد تقريباً من احتلال 1967، تضمنت في خطوطها الأساسية إيجاد تواصل يهودي في المرحلة الأولى بين شطري المدينة، من الشمال إلى الجنوب (قضت بإقامة سبعة آلاف وحدة سكنية في الشمال، بدءاً من التلة الفرنسية وامتداداً في اتجاه شارع النبي صموئيل وباب العامود، وعدد غير محدد من المساكن في الجنوب باتجاه قصر المندوب السامي- في جبل المكبر- وصور باهر وحتى مشارف بيت جالا وبيت لحم، ومضاعفة عدد مباني الجامعة العبرية على جبل سكوبس وإقامة مكاتب ومقار حكومية في منطقة الجبل وحيّ الشيخ جراح، واستيطان “حي الشرفاء”- الحي اليهودي القديم- المتاخم للحرم القدسي الشريف داخل البلدة القديمة). هذه الخطة- “خطة تامير”- ظلّت إجمالاً نموذجاً لمشاريع استيطان القدس وتهويدها وذلك من زاويتين: سِتار السرية والغموض الذي يلفها، وإستراتيجية “الوصل” (بين النقاط والأحياء الاستيطانية) و”الفصل” (بين التجمعات والأحياء العربية)، وإقامة الأطواق والأحزمة الاستيطانية (وأخيراً جدار الفصل “الضم والتوسع” العنصري) التي تحوّط وتحاصر المدينة من كل جوانبها.

كما اعتمدت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، منذ احتلال 1967 وحتى الآن، العديد من الخطط والمشاريع الأخرى، التي تصب في ذات الأهداف، وأبرزها المخطط الرئيس للقدس الذي نشر في تموز 1970، ويهدف إلى تحويل القدس بشطريها إلى مدينة واحدة ذات أغلبية يهودية مطلقة، مع التركيز على “زيادة الوجود اليهودي في القدس الشرقية”، و”خطة تطوير القدس حتى سنة 2010” (التي اعتمدتها حكومة الليكود في 28 أيار1984) وتهدف إلى “مضاعفة عدد اليهود في القدس الكبرى” من 330 ألف نسمة إلى 750 ألف نسمة خلال خمسة وعشرين عاماً، وذلك عن طريق استيطان المنطقة الممتدة من مستوطنة “بيت إيل” شمالاً إلى “غوش عتصيون” جنوباً ومن “مفسيرت تسيون” غرباً إلى مستوطنة “متسبيه يريحو” (قرب أريحا) شرقاً، وتضمنت هذه الخطة إقامة (15) مستوطنة جديدة في المنطقة إضافة إلى شبكة من الطرق المركزية التي تربط القدس بشبكة المواصلات الإسرائيلية.

مؤشرات ديمغرافية سلبية

وكان القائمون على “معهد القدس للدراسات الإسرائيلية” قد عبروا سابقاً في “ورقة موقف” شارك في إعدادها نخبة من كبار باحثي وخبراء المعهد، عن “خشيتهم على مستقبل القدس” التي يرون فيها “مكوناً أساسياً في أمن إسرائيل القومي”، وذلك في ضوء ما وصفوه بـ “سيرورات ومتغيرات ومؤشرات سلبية تشهدها المدينة خلال السنوات الأخيرة تهدد استقرار الأغلبية اليهودية في عاصمة إسرائيل”، حسب تعبيرهم. وأتت “ورقة موقف” المعهد في مستهلها على تأكيد مخاوف وقلق وتحذيرات القائمين عليه إزاء مجمل الأوضاع والمؤشرات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية السائدة في القدس بشطريها، مشددة على دعوتهم الملحة لصانعي القرار السياسي الإسرائيلي من أجل “بذل المزيد من العمل والجهود بهدف تدعيم و تقوية الأغلبية اليهودية ومجمل أوضاع المدينة كعاصمة لإسرائيل”.

مؤشر السكان

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات