الأسرى يستعلون على القضبان بتحويل السجون إلى أكاديميات للتحصيل العلمي

وبهذا؛ فقد خرج الكثير من الأسرى الفلسطينيين بعد إطلاق سراحهم إلى الحياة العملية مؤهلاً في مجالات اللغات والترجمة والعلوم الشرعية والأبحاث، وتمكن العديد منهم من العمل في مجالات الترجمة، لاسيما في الصحف، وقام بعضهم بتأسيس مراكز ومؤسسات بحثية، عُرفت على مستوى الساحة الفلسطينية.
جامعة يوسف الصديق عليه السلام
جامعة يوسف عليه السلام هي إحدى أهم الجامعات التي تأسست داخل سجون الاحتلال، وتحديدا في سجن “مجدو” العسكري، من أجل نشر المعرفة والثقافة والعلم بين الأسرى والمعتقلين. وقد قسّم المعتقلون حياتهم الثقافية في هذه الجامعة إلى برامج إجبارية، وأخرى اختيارية، حيث يتعامل معها كل معتقل كجزء من البرنامج اليومي والأسبوعي المعتمد، بما تشمله من ندوات ونشرات، فضلاً عن نشاطات المكتبة العامة كوسيلة للمطالعة الخارجية.
ويعقد المعتقلون دورات ثقافية تستمر لعدة شهور، يتم تقييمها بعد انتهائها؛ حيث يتم إجراء التعديلات عليها وانتخاب لجنة إشراف جديدة، وضخّ دماء قيادية جديدة بين المعتقلين الذين تتغيّر فئاتهم العمرية، ومستواهم الثقافي، وانتماؤهم الفكري والسياسي.
ومن خلال جدول عملي وبرنامج خاص؛ يقوم الطبيب والمهندس والحقوقي والمعلم وعالم الشريعة من بين الأسرى بتقديم المحاضرات والندوات والتوجيهات الإرشادية، كل في مجاله.
يوم عملي في المعتقل
وبحسب روايات خريجين من جامعة سجن “مجدو”؛ فإنّ النشاط اليومي يبدأ في الثامنة والنصف صباحا – عدا أداء صلاة الفجر ففي وقتها -، وبعد تناول طعام الإفطار تُعقد حلقات دراسة القرآن الكريم وتعليم أحكام التجويد، التي يحصل المعتقل بعد الانتهاء من إجادتها على شهادة معتمدة، بشرط اجتياز امتحان وزارة الأوقاف.
وتستمر الحلقة ساعة كاملة، وتبدأ بعدها الجولة الأولى من النشاطات، وتستمر حتى الساعة الثانية عشرة، وتشتمل على ثلاث ندوات؛ إحداها إجبارية، بينما يختار الطالب المادتين الأخريتين بنفسه. والندوة الإجبارية عادة ما تكون في مجال الشريعة الإسلامية، أما الندوات الاختيارية فتتعلق بمواد كالنحو والسياسة الشرعية والتاريخ وغيرها.
ومع انتهاء الندوة الثالثة يكون الوقت قد اقترب من موعد أذان الظهر، وطعام الغذاء وفترة القيلولة، مع السماح ببرنامج القراءة لمن لا يرغب بالنوم. وبُعيد الانتهاء من صلاة العصر تبدأ المرحلة الثانية، وتستمر حتى المغرب، وهي فترة اختيارية يُطلق عليها فترة الدورات، التي تشمل في العادة دورات في تعلم اللغات العبرية والفرنسية والروسية والألمانية، وفي إدارة المشاريع، وتأهيل الكادر السياسي، وتغذية القيادات بالمعلومات الجديدة، بما يتفق مع اللوائح المعمول بها، إضافة لدورات في الإسعافات الأولية والخط العربي وفق أصوله المعتمدة.
المكتبة ونادي القراءة .. رغم القضبان
ويتوزع في أقسام السجن المختلفة ثمانية آلاف كتاب، والتي تعكس في عددها وتنوعها الحالة الثقافية للمعتقلين، وتضم مكتبة القسم 4 – وهي الكبرى في السجن – ألفي كتاب، ويليها مكتبة قسم 6 وفيها ألف كتاب، وقسم 5 وفيه ثمانمائة كتاب، وقسم 3 وفيه ثلاثمائة كتاب، بالإضافة إلى عدد مماثل في أقسام الغرف والمكتبات الفردية الخاصة بكل أسير، كما توجد زاوية تُعرف بزاوية الدوريات.
وهناك جانب آخر يهتم به المعتقلون، وهو إصدار مجلات الحائط التي تتسم بتركيبة الثقافة الاعتقالية في السجن، وتتضمن نتاج المعتقلين وخلاصة كتاباتهم ومقالاتهم وأفكارهم، وجوانب فنية هامة يبدع المعتقلون في إخراجها، بالإضافة إلى المجلات المتنقلة في المجالات الثقافية والسياسية والأمنية.
ونظراً لأهمية المطالعة في إثراء ثقافة المسجونين؛ أنشأ المعتقلون نادِ للقراءة والمطالعة، وهو يهتم بمتابعة شؤون المطالعة ورواد المكتبة، ويعتمد على مراجعة ما تم قراءته خلال أسبوعين، وتعليم طرق التلخيص وإرشادات اختيار الكتب المناسبة للمطالعة.
وينظم النادي مسابقة “القارئ الأول” ويكرم الثلاثة الأوائل الثلاثة في هذا المجال على مستوى السجن، وترعى اللجنة الثقافية تجهيز الطلبة المعتقلين للتقدم لامتحانات الثانوية العامة بدورات تتوافق مع المنهج التعليمي في وزارة التربية والتعليم، فيما ترفض إدارة السجن السماح بالانتساب للجامعات حتى الآن.
ولا يقتصر هذا النوع من المسابقات على اللجنة الثقافية؛ بل يشمل اللجنة السياسية المهتمة بنشاطات موازية، في ما تنشط اللجنة الرياضية أيضاً بمجالاتها التي يهتم المعتقلون بها من خلال المباريات والمسابقات الدورية.
ويشير المعتقلون إلى أنّ تلك النشاطات التي تمت الإشارة إليها سابقاً، لم تتحقق ولم تبلغ ما وصلت إليه من مستوى متقدم، إلا بعد عناء وتعب دفع ثمنه المعتقلون في مواجهة إدارة السجن.
وقد أزعجت هذه الظاهرة على ما يبدو وسائل الإعلام الصهيونية؛ فقامت بشنَّ حملة تحريضية على الأسرى، ووصفت سجن (مجدو العسكري) بأنه “هيلتون حماس” على حد ادعائها، متجاهلة الظروف الاعتقالية القاسية والتي يستعلي الأسرى عليها وينهضون بقدراتهم رغماً عنها.
تنشيط حركة الترجمة بين اللغات
ومن القضايا التي تنبّه إليها المعتقلون مبكراً تعلم اللغات الأجنبية، الأمر الذي أسهم في تنشيط حركة الترجمة من اللغات العبرية والإنجليزية والفرنسية إلى العربية، وإغناء معارف المعتقلين وتعميق وعيهم، فضلاً عن جانب مهم آخر وهو اكتساب حرفة، مكنت السجناء من العمل في مجال الترجمة بعد تحررهم.
عطا القيمري نموذج للمترجم الناجح
عطا القيمري الذي أمضى خمسة عشر عاماً في معتقلات الاحتلال، وتمكّن من تعلّم وإتقان اللغتين العبرية والإنجليزية؛ عمل مترجماً في عدة صحف بعد نيله لحريته عام 1985 في إطار صفقة لتبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني، إلى أن تمكن من إصدار نشرة يومية مترجمة عن الصحف العبرية، وتحوّلت هذه النشرة مع مرور السنوات، ورسوخ التجربة، إلى نشرة معتمدة تجمع مشتركين في الداخل والخارج.
ويقول القيمري عن تجربته “إن تعلّم اللغات سلّح عشرات المعتقلين بعد تحررهم بمهنة ساعدتهم على تحمّل أعباء الحياة، من خلال العمل كمترجمين في الصحف والمجلات المحلية ولدى المؤسسات في أقسام الترجمة”.
اللغات والمجال الحقوقي
أما محمود جدة، الذي أمضى ستة عشر عاماً في معتقلات الاحتلال، وأتقن خلالها اللغات الفرنسية، والعبرية، والإنجليزية؛ فقد عمل لبعض الوقت في الترجمة، إلاّ أنه اتجه للعمل في المؤسسات الحقوقية، حيث يقول “إنّ معرفتي للغات سهّلت عليَّ العمل في المجال الحقوقي، ومكنتني من الاتصال مع الآخرين، فضلاً عن قراءة ما يصدر بهذه اللغات ويتعلق بعملي واهتمامي”.
كما يؤكد علي جدة، الذي أمضى هو الآخر ستة عشر عاماً في سجون الاحتلال، أنه تعلّم في المعتقلات أربع لغات هي؛ الإنجليزية، والفرنسية، والعبرية، وأيضاً اللغة الإيطالية وإن بشكل أقل اتقاناً من اللغات الثلاث، وقد عمل بعد تحرّره مترجماً عن اللغة العبرية في عدد من الصحف المحلية، بينما يعمل الآن دليلاً سياحياً.
نافذة مهمة للمعتقل
ومن جانبه؛ اعتبر محمد نزّال، الذي أمضى أربعة عشر عاماً في سجون الاحتلال، أنّ تعلّم اللغات في تجربة المعتقلين الفلسطينيين هو علامة مميزة، لأنّ اللغات شكّلت نافذة للمناضل المعتقل، استطاع من خلالها أن يكسر الحصار المفروض عليه، ويتفاعل مع الثقافات المختلفة، لافتاً الانتباه إلى قراءته لعدد من الكتب التي ترجمها عدد من زملائه في المعتقلات، عن الإنجليزية والفرنسية وكذلك العبرية.
بدوره؛ فقد تناول منصور ثابت التجربة من زاوية أخرى فقال “إنّ الاحتلال فرض حصاراً مشدّدا على المعتقلين، وكان يمنع دخول الصحف، إلاّ صحيفة واحدة تصدر بالعربية، وكان يؤخر إدخالها، أي أنها تأتي بعد أسبوع من صدورها، وبالتالي تكون الأخبار قد تجاوزتها الأيام والأحداث.
ويتابع ثابت قوله إنّ عدداً كبيراً من الأسرى قد تعلموا اللغة العبرية، وقد مكنّهم ذلك من متابعة الصحف العبرية، وقراءتها والتعرّف من خلالها على الأخبار وغربلتها وتحليلها، لاسيما وأنّ الصحف العبرية كان مسموح بدخولها يوميا بعكس الصحف العربية، حسب توضيحه.
ويضيف منصور ثابت أنّ غازي أبو جياب الذي أمضى سبعة عشر عاماً في سجون الاحتلال، كان متميزا في إتقان أربع لغات على الأقل، لدرجة أنه في إحدى اللقاءات، التي كان فيها ممثلاً للمعتقلين أمام إدارة سجون عسقلان، اختلف مع مدير السجن حول كلمة عبرية قاموسية، فتراهنا حول معناها الدقيق، وكانت النتيجة أن فاز غازي وهزم “ابن اللغة الأصلية”!.
معظم المترجمين من خريجي المعتقلات
ولم يختلف الحال مع علي القطاوي، الذي أمضى في سجون الاحتلال تسعة عشر عاماً، حيث قال عن تجربته “إنه بعد عملية تبادل الأسرى عام 1985، استقطبت الصحف والمجلات والمؤسسات عشرات المترجمين خاصة في اللغتين العبرية والعربية، لدرجة أنّ معظم المترجمين أصبحوا من خريجي المعتقلات”. فسعيد عيّاش وهاني العيساوي يعدان من “عمالقة الترجمة” لصالح جريدة “الميثاق” التي كانت تصدر في القدس، علاوة على مروان بزيز في جريدة “القدس” وحسن سر بذح في “الشعب” ومحمد عليّان في صحف مختلفة.
ظاهرة رائعة
ولا شك أنّ هذه الظاهرة الرائعة التي جسّدها الأسرى الفلسطينيون؛ جاءت لطمة على وجه الاحتلال الصهيوني، الذي كان يتلخّص هدفه من عمليات الاعتقال باقتطاع هذا الوقت الثمين من حياة الأسير وجعله عدماً، لكنّ السحر انقلب على الساحر، فكانت السجون محاضن علمية وثقافية تركت بصمتها على كل من تخرج منها، وظهر أثرها بشكل جلي لاسيما بعد أن استعادة الأسرى لحريتهم، وانتشروا في دروب العمل الإسلامي والوطني.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...

حماس: المؤسسات الأممية هي الوحيدة المختصة بتوزيع المساعدات بغزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن المجاعة في قطاع غزة تشتدّ بشكل كارثي وسط استمرار الحصار ومنع دخول الغذاء والدواء. وأكدت في بيان...

إطلاق الأسير ألكسندر يفجر غضب عائلات باقي الأسرى على نتنياهو
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام فجّر قرار حركة حماس إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر من قطاع غزة غضب عائلات باقي الأسرى...

حرّاس الأقصى يحبطون محاولة ذبح “قربان تلمودي” في باحات المسجد
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أحبط حُرّاس المسجد الأقصى المبارك، صباح اليوم الاثنين، محاولة مستوطنين إدخال "قربان حي" إلى باحاته عبر باب...