الأحد 02/يونيو/2024

تطبيع عربي مقابل سلام إسرائيلي

تطبيع عربي مقابل سلام إسرائيلي

صحيفة البيان الإماراتية

تبلور شبه توافق مطلع هذا العام على الصعيدين الدولي والإقليمي حول وجود مؤشرات ايجابية بشأن «عودة الوعي» إلى السياسة الأميركية في الشرق الأوسط بإعادة اكتشاف أهمية وضرورة معالجة المسألة الفلسطينية بعد سنوات طويلة من التهميش المتعمد. من هذه المؤشرات ما صدر من تصريحات إيحائية بهذا الخصوص على مستوى عال في الإدارة الأميركية وتحديداً من وزيرة الخارجية، وانتقال السياسة الخارجية تدريجياً من وزارة الدفاع إلى مكانها الطبيعي في وزارة الخارجية بعد استقالة دونالد رامسفيلد، ثم الانسداد الحاصل في أزمات المنطقة وازدياد المأزق الأميركي حدة في العراق، وحاجة واشنطن إلى تحقيق إنجاز ما، وبالتالي حاجتها إلى مساعدة «التيار الاعتدالي» العربي حتى يستطيع أن يساعد واشنطن بشكل أفضل في الملف الإيراني وأخيراً، لا آخر «تشليح» إيران الورقة الفلسطينية.

هذه كانت المؤشرات السلوكية والتحليلية لنظرية نافذة الأشهر الستة قبل سنة الانتخابات الرئاسية الأميركية حين تنسحب الإدارة الأميركية بشكل عام من الشؤون الخارجية، وبالطبع من المطبات الشرق أوسطية لتنصرف للشأن الانتخابي الداخلي. لكن جملة من المؤشرات أيضاً، كما يدل عليها المشهد الراهن، تظهر أن نافذة السلام لم تنفتح وقد مرت نصف الفترة التي تشكل هذه النافذة الزمنية.

كان يفترض أن يلاقي اتفاق مكة ترحيباً وتشجيعاً أميركياً على طريق تشكيل الحكومة، ولكن كان الموقف الأميركي فاتراً ومرتبكاً والموقف الإسرائيلي متشدداً. وجاء تشكيل الحكومة الفلسطينية الذي يفترض أنه عبر برنامجها السياسي يشكل أساس إعادة إطلاق عملية السلام بعد استيفاء الشروط المفروضة على الفلسطينيين من الرباعية دون حصول تغيير في الموقف الأميركي الذي بقي على ما هو عليه، والشيء ذاته بالطبع يصح على الموقف الإسرائيلي الذي ازداد تشدداً، فيما لجأت أوروبا إلى سياسة الاتصال الانتقائي أو المقاطعة الانتقائية مع الحكومة الفلسطينية متعاملة مع كل وزير حسب هويته السياسية. وهذه كلها مؤشرات سلبية على احتمال بداية الخروج من النفق أو توفير الأفق السياسي كما تقول وزيرة خارجية أميركا.

الحكومة الإسرائيلية التي رحبت عبر رئيس وزرائها وعبر منافسته، في الحزب وعلى رئاسة الحكومة، وزيرة الخارجية ولو بأشكال مشروطة وملتوية بمبادرة السلام العربية محاولة التعامل معها بالقطعة أو بشكل انتقائي وقد اكتشفت إيجابيتها بعد سنوات خمس، لم تنتظر كثيراً صدور قرار القمة العربية بإعادة التأكيد على المبادرة لتعلن بشكل رسمي عن حقيقة موقفها الذي لم يتغير وهو أن المطلوب التطبيع الإقليمي الفرعي أو التطبيع مع بعض العرب كمدخل للذهاب إلى تحقيق السلم بالشروط الإسرائيلية، واضعة المبادرة العربية رأساً على عقب. المبادرة التي تعتبر أن التطبيع الإقليمي يأتي كنتيجة للتسوية العادلة والشاملة والدائمة في الشرق الأوسط. فصار عنوان الدبلوماسية الإسرائيلية الجديدة التطبيع مع العرب مقابل السلام الإسرائيلي مع فلسطين.

“إسرائيل” أسقطت المبادرة مباشرة عندما رفعت لاءاتها الثلاثة، وهي: لا مفاوضات حول القدس، لا مفاوضات حول اللاجئين، ولا عودة إلى حدود الرابع من يونيو. مازال الموقف الإسرائيلي يتحرك ضمن الرؤية الشارونية التي عنوانها تسوية مرحلية طويلة الأجل عبر دولة فلسطينية بحدود مؤقتة، أراد شارون أن يحققها بواسطة سياسة الانطواء أو السياسة الأحادية باعتبار أنه لا يوجد شريك فلسطيني، ويريد الثنائي أولمرت – ليفني تحقيقها، ولو كل بلغة مختلفة، عبر التطبيع مع العرب والالتفاف على الشريك الفلسطيني.

اللجنة الرباعية مازالت لا تعترف بمبدأ أساسي في إدارة وتسوية الصراعات، وهو مبدأ التبادلية في الالتزامات والتنازلات. فمازالت تصر على الشروط ذاتها مع الفلسطينيين دون أن تفرض الشروط ذاتها على “إسرائيل”، وذلك في صياغات مطلقة للشروط ودون أن تحرك عجلة السلام، مما يسهل من بلورة مواقف ايجابية وذات مرونة أكبر من قبل الفلسطينيين.

الموقف الأميركي مازالت تحكمه الرؤية العقائدية والإستراتيجية للرئيس بوش وجماعته مع درجة معينة من المرونة في الحركة السياسية لوزيرة خارجيته، الرؤية بشأن موقع الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة وطبيعته ومن الصعب جداً المراهنة على تحول بوش إلى كلينتون آخر فيما يتعلق بالدور الرئاسي والالتزام والرؤية في الربع ساعة الأخيرة لنهاية رحلته الرئاسية وهو الذي بدأها بانتقاد شديد للنموذج الكلينتوني بشأن التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي.

وبالتالي أكثر ما وعدت به وأنجزته وزيرة الخارجية الأميركية كان تأكيداً على عقد اجتماعات دورية بين أولمرت ومحمود عباس وهي اجتماعات بمثابة تقطيع للوقت ولا تحمل أي معنى تفاوضي مع التذكير من قبلها أنه مازال من المبكر الحديث عن البدء بالتفاوض حول مسائل المرحلة النهائية، وهو الموقف الإسرائيلي بهذا الخصوص، وكذلك التأكيد على ضرورة خلق مناخ يساهم في تحريك المفاوضات عبر تحقيق مصالحة عربية إسرائيلية تدريجية قبل التفاوض. وبذلك سقط الرهان العربي على بلورة مقاربة جديدة واقعية وعملية وقادرة على تحقيق اختراق في الجمود القاتل وتقوم على مفاوضات متوازية بين مساري إجراء بناء الثقة والبحث في قضايا المرحلة النهائية.

نافذة السلام لم ولن تفتح كما يبدو، وأقصى ما يمكن التوصل إليه هو محاولة إدارة الصراع بشكل أكثر فعالية لاحتواء التوتر وإبقائه تحت سقف مقبول ويمكن التعايش معه، ولكن ذلك كله لا يعني بالضرورة أن سياسة إدارة الصراع ستنجح في الفترة المتبقية من رئاسة بوش، وذلك لأسباب خمسة:

– ازدياد مستوى التوتر على الأرض والانسداد السياسي الحاصل قد يؤديا إلى انفجار الوضع.

– الصراع الأميركي الإيراني وازدياد حدته والتصعيد الحاصل فيه قد ينفجر عبر سياسة الرسائل المتبادلة في مكان أخر: في المسرح الجيو استراتيجي الفلسطيني بالمفهوم الواسع لهذا الأخير.

– أولمرت الضعيف جداً والذي تتراجع شعبيته وشعبية حزبه كل يوم قد يمارس سياسة الهروب إلى الأمام وخلط الأوراق في “إسرائيل” عبر حرب محدودة قد تؤدي إلى انفجار للوضع وهنالك أحاديث عن احتمال القيام باجتياح محدود في غزة على غرار ما حدث في الضفة الغربية عام 2002.

– إذا استمر الجمود السياسي القاتل فقد يؤدي إلى فرط التفاهم الفلسطيني – الفلسطيني لمصلحة توفير «مشروعية» العودة إلى العمل العسكري وقد يدخل على الخط بعض الأطراف الهامشية التي ترفض في الأساس الولوج في العملية السياسية.

– قد تقوم الحرب على الجبهة الفلسطينية بشكل خاص بقرار إسرائيلي واضح لكسر الجمود وبغية خلق وضع يسمح من المنظور الإسرائيلي بإقامة السلام بالشروط الإسرائيلية.

نافذة السلام قد أغلقت قبل أن تفتح وعادت سمة الانتظار، ربما انتظار الانفجار لتحكم المستقبل الشرق أوسطي.

كاتب لبناني

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات