عاجل

السبت 18/مايو/2024

دول أم قبائل؟!

سوسن البرغوتي

سياسات الدول في أرجاء العالم تُدار على قاعدة الاقتصاد والدفاع والسياسة، والهيمنة الأمريكية، جعلت سياسات تلك الدول تخضع لازدواجية المعايير حول قضايا “القبائل” التي تدور بالفلك الأمريكي. فقد أثبتت الأنظمة العربية بأنها أنظمة مشايخ لشعوب لا تخرج عن مفهوم القبائلية، فالتنمية الاقتصادية هي مشاريع استهلاكية، ولا تدخل ضمن مفهوم التصدير، وحرية التجارة مع دول العالم كندّية وليس تبعية.

ما زال الفكر السائد حول الطروحات الجدية لمخاطر المرحلة، هو البحث في النتائج وليس مسببات عدم تطور تلك القبائل. لهذا فإن تعلق العربي بالأيدلوجيات، سبب من أسباب التخلف، والدول في العالم تعتمد تقاطع المصالح، وشتان بين المفهومين، فالأول يبحث عن التنطع بتفاصيل خلافية لا تقدم ولا تؤخر من واقع الحال، وتضخم تلك الاختلافات، لتصبح مركز النزاع  فيما بينها، وشعارات الأحزاب والتيارات الفكرية العربية، وظفته الهيمنة الدولية الاستعمارية لتقاطع المصالح فيما بينها.

الدولة تعني السيادة والاستقلال وحرية التعامل مع  دول العالم، وتوظيف التنمية بمختلف أشكالها من أجل تطوير طاقات المجتمع، للنهوض وتحقيق إنجازات، تؤهل إلى لعب دور سياسي على المستوى العالمي، أما القبائلية فهي عكس ذلك، وتخضع بسياستها لمصالح الدول الأخرى، التي تبحث عن وسائل وأدوات تدعم مشاريع بسط النفوذ والتوسع.

الدلائل أكثر من أن تُحصى، حول تثبيت الدور الموكل لنا كقبائل، بدءاً من نبش التاريخ وحروب الجاهلية، وانتهاءً إلى توسيع الانقسام الشعبي على مختلف الصعد، طائفياً وعرقياً، والتصنيف على أساس “أقوانا، أقربنا لأمريكا”!.

أما الدليل القاطع، هو تهافت حكامنا المحليين على استجداء الكيان الاستيطاني، بالتطبيع معه، وارتقائه إلى كيان دولة، تمتاز بالتفوق العلمي والاقتصادي والعسكري، بحجة السلام لجار قام على مبدأ مؤسسة عسكرية تنتعش وتتوسع بالحرب والتدمير والاستيلاء على أرض ليست له بالقوة، ولا ينتمي بأي حال لصفة العروبة وتاريخها وجغرافية الوطن العربي.

هذا المطلب الساذج، سيجعل القبائل تخضع مباشرة لإرادة وإدارة تلك الدولة، والتي نصبناها علينا، لوهن وضعف الحال العربي، وضياع بوصلة التوجه بسبب انقسام جبهة الممانعة.

لم تتوقف سطوة المشايخ على قبائلهم، بل تعدت حدود سيطرتهم المحدودة والمطلوبة والموافقة عليها أمريكياً وصهيونياً، إلى التفاوض بحق شعب، يفوق تعداده السكاني الكثير من مناطق وأحياء عربية تابعة للحكم المحلي العربي، والأدهى إنكار حقهم الوجودي في وطنهم الأصلي. فإن مجرد التفاوض مع عدو صُنع لأهداف استعمارية، والتسابق الماراثوني للاجتماع معه، وخطب وده، كآمر وناهي لقواعد اللعبة، وهو من يفرض شروطه وليس العكس، هو تعد على حدود الله في الأرض، والويل لمن يتعدى حدود الله.

المبادراة العربية حول تفعيل ما يسمى “خارطة الطريق” والمشاركة الصورية في عملية السلام، وهي بالمناسبة ليست دعوة من رايس، بقدر توجيه تعليمات محددة إلى المجتمعيين، مع رفض قاطع لكل أشكال المقاومة ضد الاحتلال، واعتبارها “إرهاباً”، وهذا بحد ذاته مدعاة لاستعباد الشعوب والحكام العرب على حد سواء، فالنموذج العراقي والفلسطيني واللبناني، حاضر وأمر واقع، لمن يرفض الانصياع لأوامر البيت الأبيض والنجمة السداسية.

إن تنشيط المبادرة العربية المرفوضة “إسرائيلياً”، وإظهار تهاون سياسي تجاهها، واعتمادها كأساس قابل للتفاوض، شريطة أن يتم التطبيع قبل الولوج في مفاوضات السلام اللاعادل.

الحقيقة أن الصهاينة يخافون من السلام، وأن إدعاءاتهم بأنهم ينشدونه، ويحاولون إقناع العالم بأنهم يبحثون عن شريك فلسطيني، وأنهم وجدوه فعلاً في كامب ديفيد، وأروقة أوسلو، ثم انقلبوا عليه لاحقاً، لأنه لا يناسب المواصفات “الإسرائيلية” للشراكة، أي لا يتمتع بالانبطاح والتصهين العلني، وأنه ما زال يحمل جينات فلسطينية، ستجعله ينقلب على شركاء السلام يوماً ما، وكان ردهم في استمرار الحرب على الشريك، فتسميم الرئيس عرفات هو الرد على استعداده للسلام، والجدار العازل هو إحباط لخارطة الطريق، وحصار الشعب الفلسطيني وتجويعه، من شأنه أن يعيق أي محاولات للسلام على مبدأ العدل الشرعي، وتحريرها من البحر إلى النهر، وهذا يعني أن لا وجود لهذا الكيان من أساسه، فكيف يمكن أن يجنح الصهاينة إلى سلام عادل؟ ..

إن أكثر ما يرعبهم ويضعهم في زاوية التعري، توحد الفلسطينيين، فالمؤامرة لا يمكن أن تنتهي، وهم يؤججون نارها، بواسطة موظفين أُوكلت لهم تلك المهام، لتقسيم الشعب بين معتدل وآخر متشدد، والوضع الفلسطيني ليس بمنأى عن مثيله العربي، والذي يشهد انقساماً حاداً بين الشعب والحكام، وبين الرؤية السياسية الواضحة.

الحقيقة الأخرى المشينة لقبائلنا، هو لعب دور أساسي في تأجيج وتصعيد مبررات الضربة المتوقعة على إيران، ومن سيدفع الفاتورة الباهظة للحرب من دماء وأرض محروقة وبالنفط العربي، هم العرب أنفسهم، بعد أن نجحت المكاتب الإعلامية الأمريكية، بإدارة قرص الصراع مع إيران، التي توغلت في الشأن العراقي نتيجة وجود الاحتلال، واستباحة الأرض والشعب لكل العمليات التفجيرية والعبث بأمنه مع الكثير من القبائل العربية المشاركة بطعن عراق،  الذي كان على قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح دولة بالمفاهيم المعروفة على المستوى العلمي والاقتصادي والسياسي، وهذا لم يرق للقبائل الأخرى، مع الإذعان للمحتل و الحاكم الفعلي للعرب.

من يعتقد أن إيران ستنجح في تشكيل قطب آخر على غرار الاتحاد السوفيتي المنهار، يخطئ ويقع في فخ نصبته أمريكا، لتحويل الغضب العربي باتجاه إيران، فمهما بلغت قوتها لا يمكن أن تحفظ بمفردها التوازن في العالم، وما تسعى له مجموعة دول تناهض وتحد لهيمنة الأمرو-صهيونية، من تشكيل قطب آخر، يقوض مشروع الهيمنة والاستحواذ بالقرار على مستوى العالم، وهذا ما يفسر محاولة شافيز لتوحيد الدول اللاتينية، وتطوير العلاقات مع الصين وروسيا، والمحافظة على خيط معاوية بالعلاقة مع دول الاتحاد الأوربي، لاحتمال رسم ملامح هذا القطب، وهذا ما ستتضح نتائجه بعد الحرب على إيران، كونها إحدى تلك الدول وليست قطباً آخر، له أطماعه العسكرية ومخططاته التوسعية.

فإلى أي مدى يمكن للعرب أن ينتفضوا ويرفضوا الحرب التي ستدمر كل ملامح الحضارة المدنية في مناطقهم، ومتى يدركوا بأن لهم مصالح قومية لخلق علاقات متوازنة، ويملكون مقومات النجاح؟.

ولكنها حتى اللحظة تعمل على تخدير الشعوب وإلهائها بأمور ليست في صلب الحلول الجادة التي تحررها من التبعية الأمريكية، ومن الخوف من التمدد الإيراني..

أما إتباع سياسة “عدو عدوي، صديقي”، تكريس لمفهوم القبائلية، بمعنى التبعية لهذا الطرف أو ذاك، ككيانات مسلوبة الإرادة وحرية القرار لحل القضايا الجوهرية التي تنتقص من استقلال حدود الدول الجغرافية للعائلة العربية، وللقرار السيادي، يؤهلها للعب دور ما على مستوى العالم، وهي تملك كل المقومات.

علينا أن نعترف وسط هذا الحال بأن الشعوب العربية مقموعة ومضطهدة ومغيبة عن قرارها الوطني والقومي،فالديمقراطية المدّعاة لعبة للتخدير ولتأصيل المصالح التي تتماشى مع طموحات الدول المحتلة، وهذا يفرض علينا أن نرتفع إلى مستوى أمنيات الشعوب لا رغبة المحتل، وعلينا أن نحقق أرضاً صحية لبناء دول وليس البقاء على التخلف القبائلي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

أوتشا: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة

أوتشا: لم يبق شيء لتوزيعه في غزة

غزة - المركز الفلسطيني للإعلام  قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، السبت، إنه لم يبق شيء من المساعدات تقريبا لتوزيعه في قطاع...