الجمعة 10/مايو/2024

المبادرة العربية والحلقة المفرغة

المبادرة العربية والحلقة المفرغة

صحيفة الخليج الإماراتية

“إسرائيل” لن تقبل بالمبادرة العربية للسلام إلا إذا أعادت صياغتها “إسرائيلياً”، وأفرغت مضمونها من الصياغة العربية. هذا هو الموقف الذي أعلنته “إسرائيل” منذ أقرت قمة بيروت عام 2002 مبادرتها للسلام، ومنذ ذلك الوقت بقيت المبادرة العربية في حالة انتظار على القائمة الطويلة للمبادرات الدولية التي صدرت بشأن القضية الفلسطينية.

العرب من جانبهم يرون في مبادرتهم أقصى ما يمكن لهم أن يقدموه من أجل إنهاء الصراع العربي- “الإسرائيلي”، وحيث إن جوهر الصراع هو الإقرار بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره، وحيث إنها مبادرة عربية في عمومها فهي تطالب “إسرائيل” بالانسحاب الشامل من كافة الأراضي العربية المحتلة، وبالمقابل الدول العربية مجتمعة على استعداد لإقامة علاقات طبيعية مع “إسرائيل”، وبالمقابل “إسرائيل” تريد من المبادرة الاعتراف بها من قبل كل الدول العربية أيضاً وتطبيعاً للعلاقات معها، من دون أن تلزم نفسها بتقديم تنازلات في الجوهر والمضمون، وخصوصاً ما يتعلق منها بإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين.

السلام الذي تريده “إسرائيل” هو السلام الذي تراه من منظور موازين القوة وليس من منظور الحقوق ولذلك هي تتهرب من المفاوضات بحجج واهية مثل عدم وجود شريك فلسطيني حقيقي، وفي حال وجوده فهو شريك غير قادر، وفي الوضع العربي التطبيع أولاً ثم التحدث عن السلام.

اليوم وبعد خمس سنوات يتم تجديد الحديث عن المبادرة العربية ومحاولة تفعيلها لدرجة باتت مثار جدل ونقاش في أوساط صنع القرار السياسي في الدول المعنية، ولكنه مجرد نقاش وحوار، والنقاش والحوار لا يعنيان أن هناك قبولاً واعترافاً كاملاً بالمبادرة وإمكانية اعتمادها كمرجعية تصلح كأساس لإرساء سلام نهائي، وهذا بلا شك من وجهة النظر الأمريكية و”الإسرائيلية”، وإذا كان لذلك من مدلول سياسي فهو أن كل شيء قابل للتفاوض والتعديل والتغيير والتبديل. وفي هذا السياق يأتي الحديث عن ضغوطات أمريكية و”إسرائيلية” لإدخال تعديلات على المبادرة وبعض بنودها حتى تصلح للحوار والتفاوض بشأنها.

الدول العربية تواجه قوس أزمات متراكمة وملفات شائكة ومعقدة، فهناك ملف العراق ومحاولات تقسيمه وطمس هويته العربية وتجزئته إلى دويلات متصارعة، والملف اللبناني وتعدد القوى التي تتجاذبه، والملف الأساسي وهو الملف الفلسطيني وهو مركز كل الصراعات في المنطقة وحتمية أن يبادر العرب إلى اتخاذ قرارات ومواقف مصيرية بشأن هذا الصراع الذي قارب على الستين عاماً وتتحمل بلا شك الدول العربية مسؤولية قومية تجاهه.

ويبقى الموقف العربي مرهوناً بالقدرة على تحويل التوافق العربي إلى قرارات سياسية حاسمة ومؤثرة ورفع الحصار عن الشعب الفلسطيني.

أما الولايات المتحدة فهي تواجه بدورها صعوبات وتحديات وملفات شائكة في العراق والملف النووي الإيراني، وتأرجح السياسة الأمريكية ما بين العقوبات والمواجهة، وهناك مناهضة الديموقراطيين في الكونجرس، ولمعالجة هذه الملفات والتعامل معها تحتاج الولايات المتحدة إلى دور عربي أكثر اعتدالاً ومساندة لسياساتها، وهذا ما يفسر التعامل الأمريكي مع المبادرة العربية بأسلوب العلاقات العامة ومن هنا تأتي زيارات وزيرة الخارجية الأمريكية المتكررة إلى المنطقة، لتحريك الملف الفلسطيني، إلا أن هذه الزيارات تأتي متأخرة فلم يبق كثيراً على الانتخابات الرئاسية الأمريكية وتجدد تأثير اللوبي الصهيوني.

أما “إسرائيل” فتحكمها أضعف الحكومات التي عرفتها، حكومة غير قادرة على اتخاذ قرارات حقيقية بشأن المفاوضات. ولمواجهة الضغوطات الدولية والأمريكية الناعمة أبدت استعدادها للاقتراب من المبادرة لكن بطريقتها وشروطها، لذلك تطالب بإعادة النظر في بعض بنودها وتعديلها مما يفرغها من مضمونها، وفي السياق نفسه سارعت لعدم الاعتراف بالحكومة الفلسطينية الجديدة والتذرع بعدم استجابتها للمطالب الدولية.

في ظل هذه المتغيرات المتعارضة والتفاعلات السياسية غير المتوافقة يعاد طرح المبادرة العربية، وليس أمام القادة العرب في قمة الرياض إلا أن يتمسكوا بها ويوفروا لها الآليات والقوة اللازمة لجعلها مبادرة مؤثرة، وفي الوقت ذاته اتخاذ القرارات الداعمة للشعب الفلسطيني وحكومته الجديدة، إن أي مبادرة تظل فارغة وتدور في حلقة مفرغة إذا لم يصاحبها تغيير في موازين القوة الإقليمية والدولية لمصلحة الموقف العربي.

* أستاذ العلوم السياسية /غزة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

30 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

30 ألف مُصلٍّ يؤدون الجمعة في الأقصى

القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام أدى نحو 30 ألف مواطن، اليوم، صلاة الجمعة في المسجد الأقصى المبارك، وسط إجراءات إسرائيلية مشددة في مدينة...