عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

الحكومة الفلسطينية في مواجهة التحديات

الحكومة الفلسطينية في مواجهة التحديات

صحيفة الخليج الإماراتية

وأخيراً، وبعد عناء شديد وجهد كبير، وفي أعقاب حالة استقطاب سياسي شديد قادت إلى اشتباكات مسلحة كادت أن تُدخل الفلسطينيين في حالة حرب أهلية، تم تشكّيل حكومة وحدة وطنية تتآلف داخلها مُعظم الحركات والفصائل السياسية الفلسطينية. واستبشر المواطنون الفلسطينيون خيراً، ولكن بحذر شديد يُعبّر عن القلق من أن حالة الانفراج في الوضع الفلسطيني لا تزال سطحية، وتواجه الكثير من الظروف المُعقدة. ولكي تنجح الحكومة العتيدة في تحقيق رُزمة المهام الجسيمة والعريضة المطلوبة منها، فإن عليها تخطي العديد من التحديات الصعبة التي تواجهها.

يوجد تحد فلسطيني داخلي يواجه هذه الحكومة، كما تواجهها مجموعة من التحديات الخارجية. على الصعيد الداخلي تواجه الحكومة موجة من التوقعات الفلسطينية المرتفعة. فقد مّر الفلسطينيون منذ اندلاع الانتفاضة الثانية بظروف صعبة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولكن العام المنصرم كان شديد الوطأة على وجه التحديد. فقد انهار الوضع الاقتصادي الفلسطيني بشكل كامل جراء الحصار الخارجي، وأُفقر المجتمع وعانت نسبة عالية منه من البطالة. كما انهارت الحالة الاجتماعية للفلسطينيين جرّاء هذه الصعوبات الاقتصادية، فغاب الأمن والأمان في ظل حالة من الفلتان الشديد. لقد أضحى الوضع الفلسطيني شديد البؤس في كل المناحي وكل الاتجاهات، وأصبح الناس ينتظرون تخليصهم بفارغ الصبر وشديد الإعياء.

لكل ما سبق فإن حكومة الوحدة الفلسطينية تنطلق مُثقلة بالهموم الداخلية، ومحمّلة بجملة آمال وتوقعات فلسطينية. ويتوقع الفلسطينيون من هذه الحكومة الاهتمام السريع وتحقيق النتائج الملموسة في ثلاثة ملفات أساسية متشابكة ومتبادلة التأثير.

في الملف الأمني، وهو أولوية قصوى، يريدون إنهاء حالة الفلتان الداخلي بشكل فوري وإحلال حالة من استتباب الأمن. يريد الفلسطينيون من الحكومة ضمانة بألا يعود الاقتتال إلى الشوارع، وألا تتكرر الأحداث المروّعة من الاختطاف والتنكيل والقتل المتبادل التي شهدها قطاع غزة على وجه التحديد. كما يريدون منها ضمانة بأن تتوقف الآلة العسكرية “الإسرائيلية” عن التنكيل بالفلسطينيين وتقتيلهم واستباحة ممتلكاتهم وبلدانهم.

أما في الملف الاقتصادي، فيتوقع الفلسطينيون من هذه الحكومة، كونها تُمثّل الطيف السياسي الفلسطيني بأغلبيته الساحقة، أن تُنهي الحصار الاقتصادي الخانق وأن تتمكن مباشرة من تأمين متواصل لدفع رواتب موظفي القطاع العام، وأن تعمل على تحريك العجلة الاقتصادية في البلاد.

ولكن الفلسطينيين يعلمون بأن تحقيق أي تقدم يُذكر في الملفين الأمني والاقتصادي لا يمكن أن يحدث إلا بتوفر أُفق في الملف السياسي. يريد الفلسطينيون من هذه الحكومة إيضاح مسار توجههم وتوضيح وضعهم المُلتبس مع الاحتلال. باختصار، يريدون معرفة إن كان هذا الاحتلال “الإسرائيلي” سينتهي، ومتى سيتم ذلك؟ إذ ما فائدة وجود حكومة تلو حكومة فلسطينية في ظل استمرار وجود الاحتلال المتمدد استيطانياً في الضفة والحاصر للفلسطينيين في قطاع غزة؟

يعي الفلسطينيون أيضاً أن توقعاتهم تبقى تمنيات إن لم يكن هناك تجاوب خارجي. وهذه الحكومة الفلسطينية الجديدة تجابه مجموعة من التحديات الخارجية الصعبة. لا توجد ضمانة خارجية برفع الحصار السياسي والاقتصادي عن هذه الحكومة المطالَبة بتلبية شروط الرباعية. وقد أعلنت “إسرائيل” ابتداءً أنها لن تتعامل مع هذه الحكومة أو حتى مع أي من أعضائها. وبالتالي لن تقدّم “إسرائيل” تسهيلات ميدانية لهذه الحكومة، كما لن تُفرج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة لديها، وهي مبالغ طائلة بإمكانها تخفيف سوء الوضع الاقتصادي الفلسطيني. كما تتخذ الإدارة الأمريكية موقفاً شديد التحفظ من هذه الحكومة، ويبدو أنها ستستمر بتشديد الضغط عليها كي تحصل على التنازلات من حركة حماس. في ظل هذين الموقفين السلبيين يتأرجح الموقف الأوروبي الذي يرغب في فكّ ارتباطه الكامل عن الهيمنة الأمريكية والضغط “الإسرائيلي”. ولكن بسبب تعقيدات السياسة الخارجية الأوروبية المُثقلة باختلاف رغبات الأعضاء المكوّنين للاتحاد، ستكون هذه السياسة توفيقية في أفضل أحوالها، تحاول تمرير مساعدات مالية أكبر عن طريق الرئيس الفلسطيني لوزير المال المعتمد، ولكن من دون فك الحصار الاقتصادي رسمياً. أما على الصعيد السياسي فستتعامل الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي مع أطراف من الحكومة من دون التعامل مع أطراف أُخرى. وتبقى مواقف الدول العربية ملتبسة بين الرغبة في رفع الحصار المفروض على الفلسطينيين وعدم القدرة على الانفكاك من الرؤية والرغبة الأمريكية في استمراره. لكل ما سبق، لن يكون الوضع الخارجي الذي تواجهه حكومة الوحدة الفلسطينية مواتياً بشكل تلقائي، مما سيصعب عليها تحقيق التوقعات الداخلية منها بيُسر وسرعة.

ولكن من الواضح أنه برغم كل هذه التحديات الداخلية والخارجية الجسام التي تواجهها الحكومة الجديدة، إلاّ أن ما يفوق هذه التحديات بمجملها بالأهمية هو ما ستواجهه هذه الحكومة من تحد ذاتي. فهل هي حقاً حكومة وحدة وطنية حقيقية تُعبّر عن اتفاق مبدئي واستراتيجي فلسطيني، أم أنها مجرد توليفة توفيقية بين رؤى واستراتيجيات مختلفة اضطرت اضطراراً للتعايش المؤقت؟ هل صفيت النوايا بين الطرفين الرئيسيين المتصارعين أم أنها مجرد “استراحة المحارب”؟ هل ستتصرف الحكومة كوحدة موحدّة أم أنها ستكون من ناحية واقعية وعملية حكومتين في حكومة واحدة؟ هل ستقبل هذه الحكومة على نفسها، وهي حكومة “وحدة وطنية”، أن يتم تعامل الآخرين معها (الأوروبيون والأمريكان) بالتجزئة “القطّاعي”، وعلى أساس الاعتراف والتحدث لوزراء وعدم الاعتراف والتحدث لوزراء آخرين؟

مع أن التفاؤل واجب، إلاّ أنه يجب الانتباه إلى أن التوصل إلى حالة من التوافق أو الاتفاق الداخلي لن يكفي وحده لتخطي التحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية. وعلينا الانتظار ومتابعة كيف ستواجه هذه الحكومة أولى أزماتها، ليس على الصعيد الخارجي أو الداخلي فحسب، وإنما على الصعيد الذاتي بالأساس.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات