عاجل

الجمعة 03/مايو/2024

الحكومة الفلسطينية… إنجاز مهم وتحديات صعبة

الحكومة الفلسطينية… إنجاز مهم وتحديات صعبة

صحيفة البيان الإماراتية

منح المجلس التشريعي الفلسطيني بالأغلبية قبل أيام قليلة الثقة لحكومة الوحدة الوطنية التي قدمها رئيس الوزراء إسماعيل هنية، والتي تتألف من خمسة وزراء من حركة فتح إضافة إلى نائب رئيس الوزراء عزام الأحمد و11 وزيراً من حركة حماس إضافة إلى رئيس الوزراء إسماعيل هنية وأربعة مستقلين ووزير واحد من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب وكتلة الطريق الثالث. وامتنعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي عن المشاركة في الحكومة الجديدة كل لأسبابه.

وبمنح الثقة والشرعية لهذه الحكومة الجديدة نجح الشعب الفلسطيني وفصائله السياسية المختلفة في تجاوز الخطر الذي ساد الأراضي الفلسطينية في الشهور الماضية ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي هو مصدر تهديد للوجود الفلسطيني على أرضه ولكن من شبح الحرب الأهلية أو على الأقل استمرار الاقتتال الفلسطيني ليس لاختلاف المذاهب والطوائف كما هو الحال في العراق ولكن لاختلاف البرامج السياسية والنضالية وأساليب الحكم والمقاومة لكل طرف على حدة.

إنه فصل جديد غير مسبوق منذ النكبة في عام 1948 في الحياة السياسية والنضالية للشعب الفلسطيني تتوحد القوى السياسية الفلسطينية فيه تحت سقف البرنامج السياسي الذي سيكون البوصلة لمسار ومسيرة الحكومة الجديدة التي ضمت جميع الأطياف السياسية من الإسلاميين والوسطيين واليساريين. هذا البرنامج حدد الإطار العام للأهداف السياسية وآليات العمل السياسية والنضالية.

إنه برنامج كل الشعب الفلسطيني وليس برنامجاً لفصيل واحد دون غيره لأنه اشتمل على العناصر الأساسية التي تهم الشعب الفلسطيني وأهمها إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس والتأكيد على حق العودة والالتزام بالعمل من أجل تحرير الأسرى والأسيرات الفلسطينيين.

أما الآليات لتحقيق هذه الأهداف المعلنة تضمنت التأكيد على المقاومة بكل أشكالها السياسية والنضالية كحق مشروع للشعب الفلسطيني والعمل مع العرب والمجتمع الدولي لإنهاء الحصار والاحتلال ورفض الحلول الجزئية والمؤقتة واحترام القرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية ومواجهة إجراءات الاحتلال على الأرض من اغتيالات واعتقالات.

إذا أصبح لدى الشعب الفلسطيني البرنامج المتكامل والواضح حسم جميع الخلافات السابقة بين الفصائل الفلسطينية وخاصة بين فتح وحماس وتقاطع بشكل ملموس مع المبادرة العربية وقرارات الشرعية الدولية والمبادرة الفلسطينية التي تم إعلانها في عام 1988 واعتمدها المجلس الوطني الفلسطيني بأغلبية ساحقة.

والبارز في هذا الإنجاز المهم هو التحول الدراماتيكي لحركة حماس التي أبدت اعتدالاً كبيراً في توجهاتها السياسية واعتمدت بشكل صريح وعلني ورسمي مشروع الدولة الفلسطينية على أراضي 1967 متخلية عن برنامجها السابق الذي كان يطالب بتحرير كامل فلسطين التاريخية عن طريق المقاومة المسلحة ضد الصهاينة المحتلين.

وهنا لا بد أن نستذكر المسيرة النضالية لحركة فتح منذ تأسيسها في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست في عام 1964 وأصبحت فتح العمود الفقري فيها، ونادت بتحرير فلسطين 1948.

وبعد احتلال “إسرائيل” لأراضي 1967 أصبحت فتح من داخل منظمة التحرير الفلسطينية وباسمها تنادي بتحرير كامل أرض فلسطين التاريخية. وبعد حرب أكتوبر بدأت فتح ومعظم الفصائل المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية تدريجياً تتجه نحو تسوية سياسية مع “إسرائيل” تبلورت بشكل واضح ورسمي في عام 1988 عندما أعلنت المنظمة قبولها بمشروع الدولتين على أرض فلسطين التاريخية.

لاشك أن التطورات الإقليمية والدولية كانت العامل الأساسي في مسيرة الاعتدال السياسي أو ما يسمى بـ «الواقعية السياسية» لحركتي فتح وحماس لأن القضية الفلسطينية منذ نشأتها كانت نتاجاً لقرارات إقليمية ودولية خارجة عن إرادة الشعب الفلسطيني الذي اضطر إلى تقديم التنازلات تلو التنازلات من أجل الوصول إلى الحدود الدنيا التي تضمن له دولة تمثل هويته وتحقق طموحاته الوطنية.

ليس عيباً في السياسة أن تقرأ حماس أو غيرها التطورات والمتغيرات الإقليمية والدولية لا سيما وأن المحيطين العربي والإسلامي يعيشان حالة من الضعف والتخلف والتبعية تجعل خيار الواقعية السياسية للشعب الفلسطيني خياراً وحيداً لأن البديل قد يكون خطيراً على مستقبل الهوية الفلسطينية وليس فقط على الطموحات الوطنية للشعب الفلسطيني.

بالمقابل يجب أن تدرك الفصائل الفلسطينية وخاصة فتح وحماس باعتبارهما الأكبر في فلسطين أن التنازلات السياسية لها حدود واضحة لا يجب تجاوزها تحت أي ظرف من الظروف سواء كانت إقليمية أو دولية. بمعنى أن الهدف الوطني المشترك لمعظم الفصائل الفلسطينية التي تمثل غالبية الشعب الفلسطيني هو إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني المحتل منذ 1967 وعاصمتها القدس.

إنه الهدف الذي سترفضه “إسرائيل” بشدة وبدعم غربي خاصة من الولايات المتحدة وستسعى للحصول على مزيد من التنازلات الكبيرة لأراض فلسطينية في الضفة الغربية وفي مدينة القدس.

وهي قد استبقت عملياً كل المبادرات الإقليمية والدولية عندما باشرت قبل سنوات طويلة ببناء المستوطنات الكبيرة ذات البعد الاستراتيجي من الناحية الجغرافية ومخزون المياه الجوفية في الضفة الغربية ومدينة القدس وببناء جدار الفصل العنصري الذي تعتبره الحدود الدولية النهائية ل”إسرائيل”. إضافة إلى رفض “إسرائيل” عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم داخل الخط الأخضر.

وهذا يقودنا إلى الاستنتاج أن الخطاب الإسرائيلي الجديد حول المبادرة العربية التي يتقاطع معها البرنامج السياسي للحكومة الفلسطينية الجديدة بالرغم من وجود تحفظات عديدة وكبيرة عليها مثل مسألة الحدود ومسألة اللاجئين والقدس إلا أنه مع ذلك يعبر عن استمرار لخطاب سياسي إسرائيلي قديم لا يريد السلام إلا إذا جاء ملبياً للشروط الإسرائيلية.

وإذا لم يلب السلام الشروط الإسرائيلية فستلجأ “إسرائيل” إلى الادعاء أمام العالم بأنها تريد السلام مع العرب والفلسطينيين والاستمرار بالعمل على تغيير الحقائق على أرض الواقع لمضاعفة الصعوبات والتحديات في وجه الشعب الفلسطيني.

ولا ننسى طبعاً أن الانتخابات الأميركية ستبدأ خلال سنة من الآن بالتزامن مع انتخابات في “إسرائيل” وتستمر معاناة الشعب الفلسطيني دون أي أمل يذكر. هذا طبعاً في حال لم تشن الولايات المتحدة حرباً ضروساً ضد إيران وتدخل منطقة الشرق الأوسط في احتمالات عدة بالتأكيد لن تكون نتائجها في مصلحة الشعب الفلسطيني.

إن ما تحقق في فلسطين قبل أيام هو أمر إيجابي ومهم للحفاظ على وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة هدفه وآلياته السياسية ولا بد هنا من تهنئته على هذا الإنجاز الكبير. والمطلوب في المرحلة المقبلة يتلخص في توحيد القوى الأمنية والأجنحة المسلحة للفصائل المختلفة أو على الأقل تشكيل قيادة وطنية موحدة والإصرار على الممارسة الحقيقية للديمقراطية السياسية وبناء قضاء نزيه بعيداً عن التسييس والتأثير القبلي.

لأن المرحلة المقبلة هي مرحلة التحديات الكبرى ضد الاحتلال وسياسة الرفض والغطرسة التي تتبعها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة وتدعمها القوى العظمى في عالم يعرف بأنه أحادي القطب والإرادة.

كاتب وباحث سياسي

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات