السبت 11/مايو/2024

أمريكا واستخدام ورقة الخطر الشيعي

الأسير رشيد نضال صبري

برزت محاولات الفرز الطائفي في الشرق الأوسط العام الماضي بعد تفجر أعمال العنف الطائفية في العراق لتتصاعد عقب الحرب اللبنانية، عندما قدمت أنظمة عربية نفسها على أنها المدافع المخلص عن قضايا أهل السنة والجماعة، بعد سنوات من الخمول والتخاذل وعدم فعل شيء للدفاع عن قضايا الأمة الرئيسية وعلى رأسها قضية الشعب الفلسطيني، مما دفع الكثيرين للتساؤل عن حقيقة الدور التي تقوم به هذه الأنظمة وعن أهدافها الحقيقية.

تربط هذه الأنظمة (تحديدا النظام المصري والأردني والسعودي) علاقات وثيقة مع الإدارة الأمريكية، ولعبت بدرجات متفاوتة دوراً في تقديم العراق للاحتلال الأمريكي، لذا تتحمل مسؤولية ما آل إليه الأمر من اصطفاف طائفي خطير، فهل تعتبر هذه صحوة ضمير لدى هذه الأنظمة؟ يحاول قادة هذه الأنظمة حشد القوة الشعبية ورائهم، حيث نجحوا بذلك في أكثر من موقع محاولين بناء جبهة سنية مقابل الخطر الشيعي الموهوم، لدرجة دفعت محرر مجلة (السلفي) السعودية لان يقول أن ” إيران أصبحت أكثر خطورة من إسرائيل” ما الذي حدث ليبرز (الخطر الشيعي) ويصبح الهم الأول للعالم الإسلامي السني فجأة؟ واضح أن ارتباط رواد هذا التوجه بمشاريع الإدارة الأمريكية، أو ما تسميه رايس بمحور الاعتدال، وان الموجة بدأت عقب حدثين مرتبطين ارتباطا مباشرا بالمخططات الصهيو-أمريكية: احتلال العراق وحرب لبنان، لنستنتج بأن ما يحصل يتم بتوجيه وتحريض أمريكي وإسرائيلي، ويؤيد ذلك التصريحات والدراسات الأمريكية والإسرائيلية التي تشجع تقسيم العالم الإسلامي إلى محاور سنية- شيعية ومعتدلة- متطرفة.

ونتساءل ما هي أهداف الحشد وراء محور سني مقابل المحور الشيعي؟ وما هي طبيعة الخطر الشيعي؟ هل هناك خطر حقيقي من انتشار فكرة تشيّع عبر العالم الإسلامي؟ هذا خطرٌ مشكوكٌ في جديّته، فالفكر الشيعي عمره ألف عام، وبالرغم من قيام دول عملت بقوة ونشاط على نشر التشيّع وسيطرته في يوم من الأيام على قلب العالم الإسلامي، في القرن الحادي عشر الميلادي مثلاً، عندما حكم البويهيون في العراق، والفاطميون في مصر وبلاد الشام، والقرامطة في الجزيرة العربية، وبالرغم من تنافس المسلمين (سنة وشيعة) على حب آل البيت والحرص على توليتهم زمام أمورهم، طوال قرون سابقة، وهو جوهر عقيدة التشيّع، فإن الفكر الشيعي لم ينتشر بين أكثر من عُشر مسلمي العالم.

فكيف نخشى من فكرة التشيّع وانتشاره في الأمة؟ خاصة ً وأن أهل السنة والجماعة طالما رفضوا التعامل بمنطق مذهبي وطائفي مع غيرهم من المسلمين، معتبرين أنفسهم الوعاء الكبير الذي يستوعب الجميع، وهو ما يؤكده العديد من الباحثين أمثال الدكتور عبد الإله وذا القزيز.

وحتى لو افترضنا صحة الخطر الشيعي، فهل الحل هو الحشد والتجييش، وإذكاء الصراع؟ وهل يعتقد عاقل انه يمكن القضاء على التشيع بقوة السلاح والحروب الأهلية؟ أم أننا يجب أن نصل في نهاية المطاف إلى الحوار والتفاهم والاتفاق، إلا إذا كنا نخوض حرباً ليست حربنا ومعركةً ليست معركتنا.

يجب أن نرتب أولوياتنا بالشكل السليم، ولا يجوز لنا أن ننجر إلى معارك الآخرين، ولا أن نسمح لأمريكا أو إسرائيل أن يحددوا لنا أعداءنا وأصدقاءنا، فمصيرنا لم يكن مرتبطاً في يوم من الأيام بالصراع مع الشيعة، بل على العكس، فافتعال هذا الصراع وتأجيجهُ لا يخدم إلا الإدارة الأمريكية التي تسعى للهيمنة على العالم الإسلامي من خلال تفتيته وشقه بسياسة فرق-تسد، بعد أن فشلت مشاريع الهيمنة باستخدام القوة العارية، كما تخدم هذه المواجهة المصطنعة الدولة العبرية التي تحرص على صرف الأنظار عن جرائمها، وتشتيت وتجزئة محيطها العربي والإسلامي وإلهائه في حروب أهلية ونزاعات داخلية، لكي لا يتفرغ للتصدي لها ولمخططاتها التوسعية والعدوانية، وعلى رأسها تهويد القدس المحتلة، والمسجد الأقصى ……مما يحتم علينا جميعاً أن نضع تناقضنا الأساسي مع العدوان الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية على رأس الأولويات، وان نقدمه على أي خلافات أو تناقضات أخرى.
 
* سجن النقب

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات