السبت 11/مايو/2024

لم نطلب منأبي الغيط قطع العلاقات من أجل فيلم

د. عوض السليمان

أخيراً، نطقت الحكومة المصرية وأبدت رأيها في مسألة الشريط التلفزيوني الذي أثبت ارتكاب الصهاينة لمجزرة الأسرى المصريين في حرب النكسة. ففي مقابلة أجرتها صحيفة تونسية، صرح وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط، بأن مصر لن تقطع علاقاتها “بإسرائيل من أجل فيلم”.

الحقيقة، قد يكون الرجل محقاً، فقد اعتقد كما أظن، أن الشريط التلفزيوني هو لعادل إمام ويسرا، من إخراج إيناس الدغيدي، ولربما ظن أن الفيلم “لدينا” و”أنا بحبك يا حمار” ولهذا فنحن نؤيد السيد أبو الغيط بعدم قطع علاقات بلاده مع العدو من أجل”التجربة الدنيماركية” أو من أجل “الأستاذ سعد الذي لم يعد صغيراً” فقد أصبح متوسطاً مع آخر فيلم شارك فيه. وتشير التوقعات أنه سيصبح كبيراً في القريب العاجل بفضل التنمية التي تشارك فيها الحكومة المصرية بهمة ونشاط.

كنت أحلم، أن يقول الوزير على الأقل، إن الخلافات الحادة التي وقعت في البرلمان المصري تدعونا لإجراء تصويت على قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، على أن يكون التصويت سرياً، وفي حال وافق أعضاء البرلمان على قطع هذه العلاقات المذلة والمهينة فإننا سنقطعها وإلا فلا، ولكنها على ما يبدو “أضغاث أحلام”.

لا بد أن أقول، أنني كنت سأتفاجأ لو قطعت مصر علاقاتها بالصهاينة من أجل فيلم، وأنا مع الوزير “أبي الغيط” قلباً وقالباً في هذه المسألة، فكيف تقطع مصر علاقاتها مع “إسرائيل”، وماذا فعلت “إسرائيل”حتى نخاصمها” هو في إيه” ما فيش بقلوبنا رحمة ولا إيه”. فنحن لم نقطع علاقاتنا بإسرائيل مع أنها سلبت تراب فلسطين، وقتلت عشرات الآلاف وشردت بضعة ملايين من أبنائها ، أفنقاطعهم اليوم من أجل فيلم. ما بالكم كيف تحكمون، ألم تدمر إسرائيل مدرسة بحر البقر فقتلت أطفالها، أليس نحن الذين دخلنا البرلمان الصهيوني وخاطبنا القتلة والمجرمين، فقلنا لهم السلام عليكم ورحمة الله . فكيف نقاطعهم اليوم من أجل خمسين ومائتي جندي مصري” لا راحوا ولا جُمْ”، بل ولم نتأكد بعد، فقد يكونوا فلسطينيين!!.

نحن ما قاطعناهم لما دمروا “قانا” فوق رؤوس الأطفال والنساء، ليس فحسب، فنحن ما قلنا كلمة واحدة لما قتلوا نساء جنين، فكيف تريدون منا أن نقاطعهم من أجل قصة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، “من مات فات، ومن فات مات”. أ معقول أن نخسر علاقاتنا الطيبة مع الصهاينة من أجل مخرج صهيوني أخطأ فعرض شريطاً تلفزيونياً لا قيمة له. وماذا فعل الصهاينة بنا حتى نقاطعهم، ماذا يعني شبكة تجسس صغيرة يرسلونها إلينا لم تتجاوز المائة شخص؟ ما المشكلة لقد أوقعنا بالجاسوس عزام العزام، وتأبى كرامتنا الفرعونية إلا أن نرسله إلى إسرائيل تعبيراً عن حسن النوايا. وكيف نقطع علاقاتنا بهم ونحن نرسل لهم بعض ثرواتنا من الغاز وغيره؟ وها هم خبراؤهم يقومون مشكورين بمساعدتنا في إنتاج الطماطم والبطاطا. أي يساعدوننا في التنمية؟ 

هراء هذا التصور من “الراديكاليين والطالبانيين والأصوليين” أننا سنقطع علاقاتنا “بإسرائيل” من أجل هؤلاء الأسارى، فهذه حرب ولعل الجيش الصهيوني كان مضطراً لقتلهم. “حرب شغالة والله يعينوا على تحملها”.

ثم ما بكم وكيف تفهمون، فهذه أمريكا قتلت مليون ونصف طفل عراقي، واحتلت عاصمة العباسيين، وقتلت رئيسها الشهيد صدام حسين، هل قطعنا علاقاتنا بها؟ أليس نحن من أدخل بوارج الغزاة إلى ديار العرب عبر قناة السويس وسهلنا لأمريكا مهمتها في المنطقة؟ إذا كنتم تعرفون ذلك كله، فكيف تطلبون منا أن نقطع علاقاتنا مع قاتلي الأسرى، ومن أجل ماذا؟ من أجل فيلم؟!!.

صحيح، أن الصهاينة يرسلون لنا نساءً محمّلات بالإيدز وتجار مخدرات وأسلحة، نعم هذا صحيح، ولكن ليس لدرجة أن نقطع علاقاتنا بهم، المسألة تحت السيطرة، فلا خوف من هذه المشكلات الصغيرة.

ألا تذكرون! كيف انتقدنا “إسرائيل” مرة لأنها ادعت أن غيرنا من العرب أنشط منا في ترسيخ السلام معها، لقد انتقدنا هذا بشدة وقلنا بل نحن أول من ساهم وعمل وتعب من أجل السلام معكم أيها الصهاينة الأحباب.

المسألة واضحة وأرجو ألا يكون فيها أي لبس، نحن أناس نلتزم بقولنا ولا ننقض عهودنا، وقد اتفقنا مع هذا العدو على إقامة علاقات تعاون وتآزر وتلاحم، فكيف نأتي اليوم ومن أجل مسألة تافهة فنخون العهود والمواثيق؟! هذا لا يصح منا ولا نقبله بحال. علاقاتنا مع العدو، علاقات ممتازة لا يهدمها فيلم تلفزيوني حتى ولو كان “حريم كريم ” . غداً، وفي أسوأ الأحوال يعتذر لنا صديقنا المجرم بن إليعازر عن هذه الغلطة غير المقصودة وتنتهي المسألة، ماذا نريد أكثر من كلمة آسف وسامحونا؟. ألا تذكرون لما قتل الصهاينة ثلاثة جنود مصريين على الحدود في محور “فيلادلفي”؟ . ثلاثة فقط..فقط..فقط، ومع ذلك اعتذر شارون”شفاه الله” صراحة عن هذا وانتهت المسألة!!.

ما هذا الكلام، قطع علاقات وحرب، لا نريد لأحد أن يزايد علينا، نحن قرارنا وطني نقدم فيه مصلحة مصر والمصريين، نحن نسعى وراء التطوير والتحديث والتنمية، لا نريد أن نحارب ونعود للوراء عشرات السنين،. انظروا إلى وضع بلادنا في ظل هذه الحكومة، عَبّارة واحدة فقط تلك التي غرقت، حتى أن عدد القتلى ما وصل ألفاً. وهل تستطيعون أن تذكروا لي كم قطاراً حُرق أو اصطدم بأخيه أقل من خمسة في كل هذه الفترة، وحتى عدد قطع الآثار التي سرقت وهربت للخارج عدد ضئيل لا يكاد يذكر. أليس هذا بفضل السلام مع العدو والالتفات للتنمية والتحديث “أم على قلوب أقفالها”.  

الحمد لله أن الحكومة المصرية ليست هي الشعب المصري، ليست هي محمد خلف إبراهيم أعزه الله، وليست هي جنود التحرير، ليست هي فلاحي ومصر وليست هي نساء مصر، ليست هي المصريين الذين يكرهون العدو. هذا الشعب الحي المستعد للمشي إلى القدس لو سُمح له بذلك. الشعب ذو اللون القمحي الذي يرفض أبناؤه حتى استقبال الصهاينة في متاجرهم أو حملهم في سيارات الأجرة. هؤلاء حياهم الله.

الحكومات تذهب وتجيء مهما طال جثومها، أما الشعب فهو باق حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ليت الصحيفة التونسية سألت أحمد أبو الغيط عن موقفه من أي قضية ” أخوية” عالقة بين مصر والسودان، أو بين مصر واليمن، أو مع سورية مثلاً. ترى ماذا كان سيرد الوزير وكيف سيُقوّم العلاقات؟؟

هذه قضايا مصيرية.. نحن لا نسمح .. ولا نقبل..ونحن مستعدون..وحذار..حذار من بطشي وفتكي..ولا حول ولا قوة إلا بالله.

على كل حال لم يطلب أحد من أبي الغيط ، أن يقطع العلاقات مع الصهاينة، نحن طالبنا مع من طالبَ، أن تُحرك الجيوش ليُثأر للأسرى ولتحرر فلسطين كلها. لا أقل من ذلك، فإذا خاف الرجل من فكرة قطع العلاقات فما بالكم، دام فضلكم، بفكرة تحريك الجيوش؟……….أضغاث أحلام.
 
* د. عوض السليمان. دكتوراه في الإعلام – فرنسا

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات